بات معظم أهل السودان يعقدون رهانهم في العيش الكريم على ضربة حظ..تجئ أو لا تجئ. لم يعد الكد والمثابرة والإخلاص في العمل يفضي إلى رخاء العيش أو حتى كفافه. التاجر الذي أنفق عمره كله في الأسواق أصبح يمضي في الصباحات الباكرة إلى عمله وهو لا يأمن أن يبيع ما يكفي لسد أدنى احتياجات أسرته المعيشية..يمشي وهو مفزوع من هواجس الجبايات المتعددة والكساد الماحق وأشباح السجون والحراسات تؤرق صحوه ومنامه.والموظف الذي نجا عنقه من مقصلة الصالح العام يحار كل صباح في إدراك المعادلة السحرية التي توفق ما بين دخله المتناقص واحتياجه المتواضع والمتزايد.وطالب الجامعة يمضي إلى كليته وهو حائر ما بين المثابرة والاجتهاد في دروسه وما بين الأبواب الموصدة التي تنتظره في آخر النفق الأكاديمي.والمزارع والراعي في فيافي السودان الشاسعة يجاهدان للفكاك من قبضة السماء التي أمسكت والأرض التي أجدبت وقبضة الحكومة التي لا ترى فيهما إلا مورد جبائي يجب اعتصاره عصراً. ماتت كل الآمال المعقودة وما عادت السواعد تقوى على عمل يفضي في آخر الأمر إلا إلى مزيد من الإخفاق...فتر العزم ووهنت العزائم وتلاشى الطموح على واقع النهايات الخاسرة. ما تبقى للناس من أمل سوى رهان عبثي على ضربة حظ ، فضربات الحظ في نظرهم لا تكلف شيئاً سوى الانتظار وربما القليل من الجرأة . أطباء ومهندسون وأكاديميون جربوا الهجرة في الزمن الضائع إلى شطئان النفط العربية..انتحلوا مهن الرعاة و(الحلابين)وشدوا الرحال إلى بلاد ضاقت بأهلها فعادوا بالغبار، آخرون تطاولت آمالهم إلى منافي الصقيع البارد فلم يدركوها لأن جوازات سفرهم بات حاملوها في هذا الزمن يصنفون بأنهم إرهابيون محتملون، وثمة آخرين لم يجدوا سوى إسرائيل فانتهى بهم الأمر إلى جثث عالقة كما تعلق أكياس النفايات على الأسلاك الشائكة. حتى ضربات الحظ استعصى عليهم إدراك مظانها والاعتصام بانتظارها. فجأة تسامع الناس بالذهب المخبؤ تحت رمال وطنهم الحارقة فراحوا يركضون نحو المفازات الموحشة يساكنون الوحوش والضواري...يقتاتون الجوع ويشربون الظمأ وصدقوا أن تتركهم الحكومة ما تركوها . ما دروا أن سحابهم أينما أمطر فخراجه سيصب في خزائنها،وأن تلك الأرض الموحشة ليست أرض الله كما يعتقدون،ولكنها أرض الحكومة. في تلك المفازات والرمال الحارقة وقع الصدام فمات ملازم شاب وجندي وسبعة من المواطنين.أرواح بريئة من الطرفين عصف بها ركض مضنٍ وراء آمال مؤودة وتطلعات مقهورة وضربة حظ...تجئ أو لا تجئ.