أقام قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة الخرطوم مؤتمره السنوى بقاعة الشارقة الثلاثاء15/3 الماضى بعنوان الإمام الغزالى وأثره على الفكر الإنسانى، حيث ناقشت مجموعة من اساتذة الجامعات والعلماء وعلى مدى يومين مجموعة من الاوراق بينت الأثر العميق للإمام أبو حامد الغزالى على الفكر الإنسانى فى عصره الذى يوافق القرن الخامس الهجرى اى قبل اكثر من تسعمائة سنة ،لقد شهد للغزالى كل من تحدث عنه بانه كان ذو مساهمات عميقة فى الفلسفة والتصوف والتربية وعلم النفس وكافة فروع العلوم فى عصره وانه كان عالماً موسوعة رغم انه توفى مبكرا (عمره 55 سنة تقريبا) ترك الغزالى من الآثار والمصنفات ما يزيد عن الخمسين عنواناً ما زال بعضها يجدد طبعه حتى الآن ، من اشهر كتبه إحياء علوم الدين وهو كتاب تربوى يمثل رد على ما يبدو على حالة الضعف التى إعترت الدين فى عصره وكذلك كتب تهافت الفلاسفة لمناقشة المناهج الفلسفية فى عصره حيث شهد الغزالى مولد علم الكلام وبروز اثر الفلسفة على الفكر الانسانى خاصة الفلسفة المتكئة على الإرث الهندى والإرث الهيلينى. ومن كتبه كذلك المنقذ من الضلال وكيمياء السعادة والتبر المسبوك فى نصيحة الملوك وغيرها من الكتب والمدونات ،لكن اعمق الكتب اثرا علينا رسالتان قصيرتان تربويتان الاولى بعنوان ايها الولد المحب والثانية بعنوان الكشف والتبيين فى غرور الخلق اجمعين ، فى رسالته ايها الولد المحب قدم الغزالى مجموعة من النصائح لتلميذه بعد سؤال تقدم به هذا التلميذ كما اصَّل للنصيحة وبيَّن ادب تقديمها ووضح ان الخيط رفيع جدا بين النصيحة الصادقة وبين الرياء، نرجو ان يراجعها الذين يتصدون للنصيحة اليوم ويجاهرون بها والمجاهرة احب اليهم من تقديمها فى السر ، فرّق الغزالى كذلك بين النصيحة وبين المناظرة حيث بيّن ان للمناظرة عدداً من الآفات والعيوب ادناه الفخر والرياء وقال (ايها الولد إن إستطعت ان لا تناظر احداً فافعل فإنك إن ناظرت احداً وانتصرت عليه حقد عليك وإن إنتصر عليك إحتقرك). كان المؤتمر فرصة لمراجعة بعض ما قرأنا من كتب الغزالى وإستمتعت ايما إستمتاع بإعادة قراءة رسالته التربوية القصيرة المركزة (الكشف والتبيين فى غرور الخلق اجمعين ) وهى تجمع بين التربية وعلم النفس وارجو ان استأذنه واستوحى منها عنوان هذا المقال 0 فى هذه الرسالة عالج الإمام الغزالى علاج العلماء العارفين ظاهرة الغرور التى تلازم فى كثير من الاحيان النفس البشرية وتفسدها بالرياء والكِبر فتحدث عن غرور العلماء وصنفهم الى أحدَ عشرَ فِرقة وتحدث عن غرور ارباب العبادات والاعمال وصنفهم الى تسعة فِرق ومن اللطائف انه تحدث عن غرور المصلين فقال انهم احيانا ينسون الخشوع ويطيلون الركوع والسجود ويبالغون فى إظهار حروف الإستعلاء ففى سورة الفاتحة مثلا يزيدون من تفخيم الضاد وتشديد اللام وإظهار المد فى (ولا الضآلين) وعن الصائمين قال : (وفرقة اغتروا بالصوم.. وربما صاموا الدهر.. وصاموا الأيام الشريفة وهم فيها لا يحفظون ألسنتهم من الغيبة.. ولا خواطرهم من الربا.. ولا بطونهم من الحرام عند الافطار ولا من الهذيان من أنواع الفضول.. وذلك غرور عظيم.. وهؤلاء تركوا الواجب.. وأبقوا المندوب.. فظنوا أنهم يسلمون.. وهيهات.. إنما يسلم من أتى الله بقلب سليم..) 0 وعن البخلاء قال ( وفرقة أخرى من أرباب الأموال.. يحفظون الأموال.. ويمسكونها بحكم البخل ويشتغلون بالعبادات الدينية التى لا يحتاجون فيها إلى نفقة.. كصيام النهار.. وقيام الليل.. وختم القرآن.. وهؤلاء مغرورون.. لأن البخل المهلك قد استولى على باطنهم.. فهم محتاجون إلى قمعه بإخراج المال.... ولذلك قيل لبشر الحافى: إن فلانا كثير الصوم والصلاة.. فقال: المسكين ترك حاله.. ودخل فى حال غيره.. وإنما حال هذا إطعام الطعام للجائع.. والإنفاق على المساكين.. فهو أفضل له من تجويع نفسه.. ومن صلاته.. مع جمعه للدنيا ومنعه للفقراء..) 0 بين كذلك غرور اصحاب الاموال وصنفهم فى تسعة فرق وغرور المتصوفة وصنفهم فى تسعة فرق غير إنّى بحثتٌ عن بابِ لغرور السياسيين فلم اجده ربما لان سياسيي عهد الغزالى كانوا من العلماء فدخلوا فى التصنيف فى باب واحد اما اليوم فنُطالع اصنافاً مختلفة واشكالاً متباينة من السياسيين العلماء وغير العلماء ونرى انماطاً متباينة من غرور السياسيين معارضة وحكومة فإذا تواضع الحاكمون مثلا (كما فى السودان ) وذكروا انهم مع الحوار كوسيلة لحل المشكلات وانه سيكون حوارا بلا شروط ولاسقف شعرت المعارضة بالغرور وظنت ضعف الحكومة وايلولتها الى السقوط وانه ليس بينها وبين السقوط الا خروج الجماهير تحت إمرة المعارضة وقيادتها فاستعجلت المعارضة تغيير النظام ودعت الى مظاهرات لم يخرج حتى الذين دعوا اليها بل بقوا فى بيوتهم يصرِّحون لوسائل الإعلام عبر الهاتف ان الشعب يريد تغيير النظام اما الحاكمون فقد بقوا فى مكاتبهم يراقبون الاحداث وارسلوا من الشرطة من هو اكثر عددا من المتظاهرين فاحتلوا الميادين وانتشروا فى الشوارع والازقة فلما لم يجدوا احدا ليتعاملوا معه فقط لافتات مكتوب عليها حضرنا ولم نجدكم ، رجع العسكر مسرورين يرفعون تقاريرهم الى قيادتهم وبها( ذهبنا فلم نجد احداً ) وهنا صدرت التصريحات من الجالسين على كراسى الحكم ان لا احد يريد تغيير النظام وان الظرف السودانى يختلف عن ظرف البلدان الاخرى وهذا والذى نفسى بيده نوع من الغرور يحتاج الى مثل الغزالى ليعالجه ، الثورات التى قامت فى العالم العربى إن لم تغير كل الانظمة فقد غيرت المزاج والعقلية عندالشعوب بصفة عامة و الشباب بصفة خاصة ، الشباب السودانى قدحت فيه هذه الثورات روحاً جديدة وثقة فى النفس تدفعه الى السعى الى إحداث تغيير اخشى ان يبدأ فى الاحزاب المعارضة قبل الاحزاب الحاكمة ،وكل ممانعة للتغيير ومماطلة فى احداثه ربما قاد الى ثورة الذين يخرجون فيها هم ليسوا هؤلاء القادة المعارضيين الذين يملأون الدنيا ضجيجا. نحن نريد تغيير النظام على طريقة الفرزدق دون ان نجد من ينشد لهم بيت الشعر الشهير : زعم الفرذدق ان سيقتل مربعا ابشر بطول سلامة يامربع التغيير سنة لابد منها وهولاشك آتٍ قال تعالى : (ان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا امثالكم ) فوظيفة الحاكم هى خلافة الله فى الارض وتعميرها والحكم بين الناس بالعدل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يا داؤد ان جعلناك خليفة فى الارض فأحكم بين الناس بالعدل ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) ومتى ما قصر الحاكم فى اداء هذه الوظيفة كانت هناك حاجة الى تغييره فارجو ان لايغتر اهل السلطان بضعف المعارضة وعدم قدرتها على ان تكون بديلا من النظام القائم ((ان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم ) قرآن، لا بد من تدبره وعمل ألف حساب له ، العهد عهد تغيير وسوف يطال المعارضة وأجهزتها كما سيطال الحكومة وأنظمتها 0