(1) كانت لضحكته طعم مغاير، لون مشاتر، لا تمت إلى هيكله المتآكل كقلم رصاص بصلة. عشرون عاما أو يزيد ولا أحد أستطاع فك شفرتها، أو على الأقل كتابتها وفق الحروف الأبجدية المقررة علينا من قبل جهةٍ ما، ولكن عليّ الآن بطريقة أو أخرى أن أصف ضحكته. (2) الضحكة لا توصف وإنما تُسمع !. هكذا نبهني (رائز). هذا الطفل المعجزة لا يفتر من إشهار سياط الإنتباه في وجهي كلما أخطأت في التعبير. غريب هذا الكائن وأنا نفسي محتارا كيف أنجبته، ليس لديه هواية كالأطفال، يعتقد في سره أن وقوفه لي بالمرصاد هي مهنته الأولى في هذا الكون الفسيح. (3) ولكن كيف نسمعها يا (رائز) وقد تلاشى صاحبها كأثير غائم قبل أن يكتشف أحدهم أجهزة التسجيل؟. لم أنتظر إجابة !. بحلقت في الشاشة التي أمامي بعيون محمرة وحلق ناشف. أمسكت محرك البحث وبحثت عن ضحكته التي كانت تنتهي عادة بشكل مفاجئ وحاسم. (4) لا بداية لها ولا نهاية كأنها امتدادا لضحكة قديمة، يقول من رأها أنها تتمتع بأحايين كثيرة. تسخر أحيانا من التوقيت السيئ للذين اكتشفوا خبايا العلم، وما كان لهم أن يخترعوا أشياء لأناس لا يستحقون. هكذا فسرها مبارك يا رائز وإن لم يرق لك ذلك امتطي عبارة العاشر من رمضان وتأكد بنفسك. (5) نوع من البشر لا بالعربي الفصيح يستوعب، ولا بلهجة الوادي يتأمل، ولا بالدارج يجهد ذهنه العاطل عن أية موهبة، ولا بالإيحاء يدلك دماغه، ولا بالإيماء يمد لسانه، ولا بالمواقف يتحرك قيد أنملة. قال بأن هذا النوع من الضحكات لا تخرج إلا من شخصٍ مغلوب على أمره، وكفاية مسخرة !. (6) نوع يعتقد بأن الكرة الأرضية ستكف عن الدوران لو أفتقدته، أو ستعيش حالة من الدمار لا عاصم منه إلا بحضوره الهزيل. عزى الضحكة لنظرية المؤامرة والاستمتاع بمآسي الآخرين، أو لأنها مشفرة تعلن عن تضامنا وهميا بينما دواخلها تتراقص طربا وغباءً ولزوجةً والعياذ بالله. (7) الرجل غريب الأطوار الذي يقطن في قريتنا الواقعة على بعد طابقين من خط الاستواء حلل ما أراد تحليله في هذه الضحكة المزخرفة بخيال شاحب وصدق وفق معيار تفكيكي أن صاحب الضحكة يبحث عن تميز لشخصه في قاع جيوب من يتدهورون بشكل يومي وبمتوالية هندسية لا تخطئ. (8) أكثرهم تفاؤلا قلد الضحكة وعمل على إنتاجها مرة أخرى وسخرها لمصلحته، وعندما صافح أول شخص التقاه في الطريق العام وأطلق ضحكته المزيفة في وجهه، سكب الشخص المستدهدف فتيلا كاملا من الديتول في يده اليمنى ابتاعه أول أمس تحسبا لمثل هذه الظروف. (9) تركت من اجتهد جانبا بعدما أرسلت له بطاقة شكر ملونة، وبضغطة زر طفيفة على محركات البحث، تراكمت أمامي ترجمات متعددة لتلك الضحكة بحروف بارزة لا تخطئها العين. فأتضح مما لا يدع مجالا للشك بأن صاحب الضحكة حينما ضاع منه السؤال ولم يعرف إلى الآن تاريخ انكسار الأفق أطلق ضحكته الشهيرة واختفى.