ارتبطت نشأة وتطور الصحف السودانية بالتطور الثقافي للحياة الإجتماعية والسياسية في البلاد ، منذ منشورات الإمام المهدي ، ودخول الإستعمار وتأسيس جريدة السودان ، ورائد السودان ، وحضارة السودان والنهضة السودانية والفجر والنيل وغيرها الي ان وصل العدد الكلي الي اكثر من50 صحيفة ، سياسية ، رياضية ، اجتماعية ، واعلانية ، ومع هذا التطور الكمى والنوعى كان من البديهي ان يصاحب هذا الانتاج تطور في طرق واساليب التوزيع والبيع في العاصمة والولايات الذى بدأ خلال مكتبات محدودة ثم الاستعانة بأشخاص كموزعيين متجولين ( سريحة ) ، او الاستعانة ببعض الطلاب خلال فترة الاجازة المدرسية ،يقومون بتوزيع الصحف وبيعها راجلين او من خلال الدراجات الهوائية اوالنارية ، فالصحيفة تعتبر منتجاً عمره الاستهلاكي عدة ساعات ، ويجب توزيعها في ظرف سويعات ، والوصول إلى القارئ في اقل وقت ممكن بعد طباعتها مباشرة، ولكن مهمة البحث عن قراء باتت في غاية الصعوبة في السودان ، وخصوصا مع موجة الغلاء وخطر التكنولوجيا وغزو الانترنت ، وان كان هذا بقدر اخف ، فهل صناعة الصحف وشركات التوزيع قادرة علي مجابهة كل تلك المخاطر؟ ونسة :عبد السلام الحاج التوزيع بين الدول السيد آرن والن رئيس «هولمن بيبر» في السويد ، وهي احدى شركات الانتاج الرائدة في مجال طباعة الصحف في اوروبا ، يعرض احصاءات ترسم صورة قاتمة عن وضع الصحف في شمال اميركا وبلدان غرب اوروبا ، وقال ان الاحصاءات تؤكد تراجع نسبة توزيع الصحف تدريجيا في هذه المناطق منذ عام 1990، إلا انه شدد على ان الصحافة المكتوبة قادرة على البقاء في حلقة المنافسة ، اذا ابقت تركيزها على القارئ والمعلن وعلى ما تتقنه بشكل افضل ، اذا كان هذا هو السيناريو المرسوم الان للصحافة ونسبة توزيعها في دول العالم الاول كما يقولون ، فكيف بعالمنا الثالث هذا ، هل لا تزال صحافتنا السودانية تقدم خدمات تجبر القارئ علي دفع ثمن نسخة من الصحيفة ؟؟ ارتفاع نسبة الأمية ، يحد من نسبة توزيع الصحف وانتشارها ، فنسبة توزيع الصحف في العالم العربي تصل إلي 30 نسخة لكل ألف ساكن فى فترة السبعينيات من القرن الماضى ، بينما فى عام 2006 وصلت إلى 10 نسخ لكل ألف ، وفى دول الخليج لا تزيد عن نسخة لكل عشرة آلاف شخص ، بينما تصل في أوربا إلي 264 لكل ألف شخص مقيم ، اذا توزيع الصحافة العربية في مرتبة أقل بكثير جدا من المتوسط العالمي الذي يصل إلي 136 صحيفة لكل ألف ساكن، لنأتي من اروبا الي السودان ، لنجد ان مجمل الكمية المطبوعة في السودان من الصحف السياسية والاجتماعية والرياضية وصحف الاعلانات والتسلية لا تتخطى حاجز ال 400 الف نسخة في اليوم ، فبعملية حسابية بسيطة ، عندما نقارن كمية الصحف المطبوعة مع عدد سكان السودان ، تصبح النسبة 0.01 وهي نسبة قراء الصحف في السودان ، انه لامر مخجل للغاية ، ولكن هل لنا بالتفاؤل ؟ ربما . حقائق مرة لذا علينا ان نعود وان نتعامل مع ارقامنا هذه بكل واقعية ، ولنترك التحديق في نصف كوبنا الفارغ ، ولنري كيف تتم عملية توزيع هذه ال 400 الف نسخة ، فإذا علمنا ان هنالك اكثر من 13 شركة توزيع للمطبوعات الصحفية ، وهي تقوم بتوزع حوالي 70% من كمية الإنتاج من المطبوعات الصحفية في اليوم ، اضافة الى حوالي 1500 بائع متجول ، وتمول هذه الشبكة الثنائية من قبل 8 مراكز توزيع بالعاصمة ، نري انه ومع تأسيس هذه الشركات المتخصصة في التوزيع ، شهد السودان أول شكل منظم من أشكال توزيع الصحف ، بعد ان كانت طرق التوزيع غير منظمة وكانت من خلال مكتبات ومنافذ محددة وبعد تعاقد المؤسسات الصحافية مع متعهدين يقومون بتوزيع مطبوعاتهم ، سجلت شركات التوزيع قفزة وتطوراً في أسلوب التوزيع ، بما تمتلكه من كوادر بشرية وموظفين وموزعين ، كما تملك شركات التوزيع من الآليات أسطولا ضخما من السيارات وشبكة متكاملة من الفروع تغطي كافة أرجاء السودان ، من نقاط البيع والتوزيع ، لإيصال الاف النسخ من المطبوعات المختلفة للقراء والمشتركين يوميا ، حيث يتم هذا في فترة وجيزة منذ الساعة الثانية عشر ليلا وحتى ساعات الصباح الأولى ، ليتمكن القارئ في جميع أنحاء السودان من الحصول على ما يريد من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية والكتب. هناك مشاكل اخرى مثل ضعف رأس مال الصحف وعدم دعم الحكومة السودانية للصحف وتخفيض رسوم الاتصالات الهاتفية والانترنت الرسوم الجمركية وتستورد الصحف كل مدخلات انتاجها من ورق وحبر وافلام واجهزة الجمع وماكينات الطباعة من الخارج و تعتمد الصحف السودانية غير الحكومية في مقابلة تكلفة اصدارها علي عائدات الاعلان والتوزيع ، وتتراوح نسبة عائدات الاعلان مابين 5 35% من قيمة التكلفة الكلية لانتاج الصحيفة ، وهو عائد ضعيف بالمقارنة مع الصحف العربية والدولية وعائدها من التوزيع يتوقف علي عدد النسخ المطبوعة من كل صحيفة والتي تتراوح ما بين 6 آلاف نسخة الي 30 الف نسخة يوميا في احسن الاحوال ، وتتراوح تكلفة طباعة النسخة الواحدة ما بين 190 260 جنيها سودانيا حسب الحجم والنوع والكمية، مع العلم ان شركات التوزيع تأخذ نسبة من سعر البيع ، كما ان هناك بعض المرتجع الذي يعاد الى الصحيفة.