في مؤتمره الصحفي الذي عقده بالمركز السوداني للخدمات الصحفية، أكد معتمد الخرطوم عبد الملك البرير، إيقاف كافة الملاحقات التي يتعرض لها الباعة المتجولون، رغم أن الوجه الحضاري للعاصمة لا يحتمل غياب أجهزة المحلية. ونفى البرير إثقال كاهل الشرائح الضعيفة بالرسوم والجبايات، مؤكداً أن الرسوم تفرض وفق ميزانية الولاية، مشيرا إلى التزام المحلية بتنفيذ توجيهات والي الولاية الأخيرة الخاصة بالرسوم والجبايات. وأشار معتمد الخرطوم إلى أن السوق المركزي بات حاضنة للمهددات البيئية، وأن المحلية لا تمانع في نقله من موقعه الراهن. وبشأن الصرف الصحي بمنطقة جاكسون، قال البرير إن أرض الموقف مملوكة لجهات معلومة تقوم بتشييد بنايات متعددة الطوابق عليها مما يتطلب تأجيل أية أعمال في شبكة الصرف الصحي. وانتقد البرير موقف كركر قائلا إنه لولا مسؤوليته الاجتماعية للعاملين بالموقف لعمد إلى «قشه» بصورة فورية. وأي زائر للعاصمة السودانية يلحظ مفاعيل نظرية «الفوضى غير الخلاقة» في قلب الخرطوم النابض، وخاصة في منطقة السوق العربي، حيث الضوضاء العارمة بفعل مكبرات الصوت المنتشرة لدى أصحاب المحلات والباعة المتجولين، فضلاً عن الشوارع المتسخة والأتربة التي تكسو الأسفلت، وتمد الكتاحة الخرطومية المزمنة بمعيناتها غير الحضارية، فلا يمكن أن تبتاع شيئاً من البقالات «الكناتين» دون أن تنفض البضاعة من الغبار العالق بها، كما يلاحظ عدم وجود أية رقابة على المطاعم والمخابز ومحلات بيع المبردات والكافتريات الشعبية المتكدسة بشتى صنوف الأوساخ، حتى صارت مرتعاً للذباب وأنواع من الصراصير، وعندما ينعم أصحاب هذه المحلات عليها بالنظافة ليلاً، فإنهم يلقون ب «الزبالة» والمياه النتنة على الشارع، مما يتسبب في سد المجاري وقنوات الصرف الصحي المكشوفة بشتى صنوف «الزبالة» والقاذورات المقززة. لقد حدثني أحد الأصدقاء السعوديين عن زيارته للخرطوم، وكيف انه ارتاد مطعماً في أحد الفنادق الكبرى المطلة على النيل ذات الخمس نجوم، فترك طعامه عندما شاهد بأم عينيه فأراً ضخماً «جقر» يجوب المطعم دون أن يمسه أحد بأي أذى، وإن كان هذا حال فنادق الخمس نجوم فحدث ولا حرج عن الفنادق واللكوندات بالسوق العربي، هذا بخلاف الخلل في استعمالات الأراضي وتوزيع المحلات، فكثيراً ما يجاور المطعم صالون الحلاقة، ويوضع محل العماري الجيد «التمباك» بجوار الملحمة، فمن أوجه الحضارة عندنا أن نعرض الأحذية في «البترينات» الزجاجية، بينما تُفرش الخضر والفاكهة على الأرض..!! وعندما تمارس الأجهزة المحلية دورها في مراقبة الأسواق، وتحرص على نظافة محلات بيع الأطعمة، فإنها تعمل لتحقيق أعلى قدر من الانضباط والنظام للحفاظ على الوجه الحضاري للبلد، دون أن يقتصر نشاطها على ملاحقة الباعة المتجولين والتضييق عليهم، دونما معالجة وتنظيم لأنشطتهم من خلال إقامة الأسواق الشعبية كالحراجات الكبيرة مثلاً في ضواحي العاصمة المثلثة أو تنظيم حركة النقل العام، بحيث تكون الحركة دائرية تنتهي عند المواقف النهائية للأحياء، دونما حاجة لمواقف النقل العام التي نقلت باعة الريف المتجولين إلى قلب العاصمة، فنالوا من وجهها الحضاري نتيجة لغياب السلطات المحلية وتقاعسها عن تأدية دورها ومهامها الأساسية.