من المعروف وحسب ما نشرت كل وسائل الإعلام ما عدا الصحف السودانية في يوم الإثنين 3 مايو، فقد قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بقتل زعيم تنظيم القاعدة الشيخ اسامة بن لادن وأعلنت ذلك على لسان رئيسها «من أصل إفريقي» باراك أوباما، والقت بجثمان بن لادن في بحر العرب كما زعمت. ويعد مقتل بن لادن رغبة امريكية وإنجازا يتطلع له كل الساسة الأمريكيين ويسعون له سعيا حثيثا، ويبذلون في سبيله كل غال ومرتخص. ولكن لماذا الاغتيال الآن وليس في أوقات سابقة؟ ولماذا هذا التوقيت والجانب الأمريكي معروف بتسرعه للقضاء على بن لادن؟هل لأن الولاياتالمتحدة وأجهزتها الاستخبارية لم تكن تعلم مكان الرجل طيلة هذه الفترة؟ أم أن بن لادن استطاع إخفاء نفسه عن العيون التي ترصده في هذا المكان الواضح في مدينة باكستانية رئيسية، علما بأن العيون ترصده من كل جانب وفي كل وقت وحين. وبعضها عيون أمريكية رسمية «من أجهزة السي. آي. ي» و«الإيف. بي. آي» وأخرى من الدول المتحالفة مع الولاياتالمتحدة في حربها ضد الإرهاب وعلى رأسها إسرائيل. وهناك عيون تسعى للظفر بمكان بن لادن وإطلاع الأمريكيين على موقعه من الكرة الأرضية لنيل الجائزة المالية الكبرى التي قامت الولاياتالمتحدة بالإعلان عنها لكل من يتعرف على مكان الرجل. وهي جائزة ثمينة أكبر وأغلى من تلك التي تم الإعلان عنها لمن يدل على مكان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وأعوانه، أو عن مكان زعيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي. وقد حدثني أحد العاملين بإحدى القنوات الفضائية، عن كيف كان الغربيون من رجال المخابرات والصحافيون وغيرهم يتصلون بهم لسؤالهم مرارا وتكرارا عن هاتف بن لادن، كلما قامت القناة الفضائية ببث تسجيل يظهر فيه بن لادن وهو يتحدث من مكان غير معلوم، ويسألونهم على وجه التحديد عن هاتف لبن لادن أو مساعده أيمن الظواهري، ظنا منهم أن هناك صلة أو خيطاً يربط بين بعض العاملين في الفضائية وقيادة القاعدة. ومهما يكن من أمر فإن المخابرات الأمريكية تمكنت من القيام بمجاراة القاعدة في التوجه لأفغانستان من أجل البحث عن بن لادن، ولاحظت أن هناك عمليات تمويه من جانب الرجل وأعوانه في ما يتعلق بمكان وجوده في البلاد التي عرفها وهو شاب غض الإهاب كان قد خرج إليها من بلاده السعودية لدعم جهاد الشعب الأفغاني ضد الوجود الروسي، ثم تحول من بعد ذلك لمجاهد حمل السلاح ودخل الأحراش والكهوف، وتنقل عبر أفغانستان من شرقها إلى غربها وشمالها وجنوبها بالدواب والسيارات وسيرا على الأقدام، وترصد أعداء الشعب الأفغاني من الشيوعيين السوفيت على مدى أكثر من عقد من الزمان، فلن يعجزه الآن أن يجد ملجأ في أفغانستان التي خرج إليها للمرة الثانية من السودان، ومكث فيها حتى وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2003م، وظل إلى جانب قيادة القاعدة وتحالف معها على مقاومة الغزو الأمريكي لأفغانستان. وكان انسحابه أمام الهجوم الأمريكي من مدينة قندهار «وهي معقل حركة طالبان حليفته الجديدة في أفغانستان» مما يدل حسب منطق الأشياء على توغله في مجاهل تورابورا وغيرها من الأماكن الوعرة في أفغانستان. وقد حرصت الولاياتالمتحدة من وراء هذه المطاردة الصورية لبن لادن، على ضرب حركة طالبان المتمردة على حلفاء الولاياتالمتحدة في افغانستان، وقضاء أطول مدة ممكنة في أفغانستان لكون قضاؤها المبكر على زعيم القاعدة ينفي مبرر وجودها على أفغانستان «كما هو الحديث اليوم مباشرة بعد مقتل الرجل». وسعت كذلك لإطالة أمد احتلالها للبلاد وبقاء حلفائها إلى جانبها اطول مدة ممكنة، ولذلك نجد الإدارة الأمريكية ظلت تتجاهل بقوة كل تصريحات الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الخاصة بعدم وجود بن لادن على أرض أفغانستان، كما تتجاهل معارضته الشديدة لضرب القوات الدولية للمدنيين الأفغان في إطار الحملة العسكرية الأمريكية للبحث عن بن لادن وأعوانه، وإرسال الطائرات بدون طيار والصواريخ الذكية لضربهم والقضاء عليهم. وذهبت أبعد من ذلك في ممارسة اللعب مع تنظيم القاعدة، بأن جعلت المسؤولين في كل من باكستانوأفغانستان يتبادلون الاتهامات حول إيواء الإرهابيين وتوفير الملاذ الآمن لهم على حساب أمن البلد الآخر، بل أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد لعبت لعبتها على الجانب الأفغاني والحكومة الأفغانية وعلى كرزاي، بصورة تجعل للأوضاع في هذه البلاد لها ما بعدها من عواقب وخيمة على نظام الحكم في أفغانستان. والذي يبدو لي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تخلت عنه، وإلا لما عملت على جر كل هذه المشكلات والتحديات عليه، بدءا من البحث عن بن لادن ثم قتله دون أن توقظ كرزاي من نومه وتخطره مجرد إخطار بنيتها تنفيذ الحادثة، وهو حليفها وأمين أسراها في أفغانستان، ولا تبدو الإجابة عن السؤال لماذا قتل بن لادن الآن صعبة بعد هذه المعطيات والحقائق على الأرض التي تؤكد علم الأمريكيين بمكان بن لادن قبل عدة سنوات من الآن وليس قبل عدة اشهر، وعلى وجه التحديد في أغسطس من العام الماضي، كما ذكرت بعض المصادر في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإذا كانت كل تلك التدابير تخص المخابرات الأمريكية والجيش الأمريكي والوجود الأمريكي على الأراضي الأفغانية، فإن هناك جانباً من هذا التوقيت لتنفيذ عملية الاغتيال في مواجهة بن لادن تخص الرئيس الأمريكي ومستقبله السياسي، وهو ينهي فترته الرئاسية الأولى ويعلن عن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وليس في جعبته شيء يمكن أن يقدمه للناخب الأمريكي المنوط به إعادة انتخاب اوباما. فماذا قدم أوباما للأمريكيين في مجال الاقتصاد والخدمات ومعالجة الأزمة المالية العالمية والسياسة الخارجية والسلام العالمي؟ لا شيء. ولكنه وإدارته إدخرا هذا اليوم الأسود، وهو مقتل بن لادن، لهذا اليوم والعهد الأسود في حياة الرئيس، وهو رئيس كل ما فعله في العالم والشرق الأوسط وإفريقيا أن أكمل ما بدأه سلفه بوش الابن حول اتفاقية السلام الشامل بالسودان، وفصل الجنوب عن الشمال، وحتى هذه غير مأمونة العواقب في ظل الأوضاع والتوترات حول منطقة أبيي بين شريكي الحكم في السودان الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. ولكن إرسال القوة الأمريكية الخاصة إلى باكستان «والتي تواطأت حكومتها وتعاونت مع الأمريكيين حول عملية الاغتيال» جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو المستفيد الأول من العملية. ومن المؤسف أن أوباما الذي نال جائزة نوبل للسلام، انتظر كل هذا الوقت حتى تقتل الجيوش الأمريكية والأوروبية والأطلسية ملايين الأبرياء باسم مكافحة الإرهاب والبحث عن بن لادن في اليمن والصومال وأفغانستان والعراق وباكستان، ثم ينجز مهمته ويعلن ذلك لشعبه ليفرح بمقتل بن لادن، ويهنأ أوباما بإعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية، على حساب الجماجم وكل هؤلاء الضحايا من البشر.