المسيد صور الزهد واليقين، نار القرآن وتكية الحيران، حياة بسيطه عنوانها التآخى والترابط وخدمة الإخوان فى فناء تسوره «المحبه» فيخالجك إحساس مختلف وأنت تدفع بقدميك الى باحة المسيد، فتتزاحم أمام عينيك تفاصيل المكان «عناق حار لحيران تجمعوا على محبة الله، وأطفال يجوبون المكان تتساقط من بين ايديهم قطرات المياه ليترعوا «الأباريق» استعداداً للصلاة، وشيخ حافٍ يتفقد الخلاوى ويرحب بالضيوف، ودرويش حزم وسطه بشاله الأخضر ويديه تدوران مع «المك .. العواسة» فى صاج «اللقمة» وأصوات طلاب متداخلة تملأ المكان بالترتيل، وبعضهم يغسل «الألوح» استعداداً ل «الشرافة».. انها بعض من تفاصيل المسيد. والشاعر الصوفى محمد المهدى المجذوب فى القصيدة الشهيرة «ليلة المولد» صور تفاصيل المسيد وحياته العامره بالحراك: وهنا حلقة شيخ يرجحن يضرب النوبة ضرباً فتئن وترن ثم ترقص هديراً أو تجن وحواليها طبول صارخات فى الغبار حولها الحلقة ماجت فى مدار وتدانت أنفس القوم عناقاً واصطفافاً وتساقوا نشوة طابت مذاقاً ومكان الأرجل الولهى طيور فى الجلاليب تثور وتدور الأستاذ والباحث الشعبى الراحل الطيب محمد الطيب صاحب كتاب «المسيد» الشهير الذي تناول فيه النشأة والخلفية التأريخية للمسيد، تحدث فيه عن تجربته الشخصية وحركة البحث الاول عن المسيد في السودان، حيث قال كنت احسب ان المسيد في السودان فقط وبالتحديد في دنقلا، وحملت هذا الظن الى ان سافرت الى بلاد الحجاز، وساقتني الخطى بعد ذلك الى بلدة ابن عباس رضي الله عنهما، حيث وجدت هناك حارسا يسمى «جابر»، وزرت مسجد سيدنا عبد الله بن عباس، فوجدت غرفة مغلقة، فقال لي الحارس هذا قبر ابن عباس، وفي الوقت الذي كان فيه هذا المكان مسيدا كان مفتوحا لكل الناس لزيارته والتبرك به، وعن اصل كلمة لمسيد يقول: إن أهل الحجاز وعسير لا يعرفون كلمة مسجد، بل يعرفون كلمة «مسيد» بقلب الجيم الى ياء، فعدا الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة كانوا يطلقون على كل المساجد كلمة «مسيد»، ويواصل الطيب محمد الطيب في سرده لقصة بحثه عن المسيد قائلا: انني في بحثي عن المسيد بدأت من الغرب القديم تشاد ثم الكاميرون ثم نيجيريا، الى ان انتهى بي المطاف الى ارض الولاية الشمالية، حيث يطلق اهل الشمال على الخلوة والمسيد اسم «مقرنتي»، اما اهل اليمن فيطلقون عليه «التعلامة»، وفي ليبيا وتونس وبلاد شنقيط الاندلس فيسمون المسجد بالمسيد، اما المغرب فكأنه شق من هذه البلاد، واختلف في تسميته للمسيد عن بقية البلدان، فالمملكة المغربية هي الدولة الوحيدة التي وجدت فيها كلمة «خلوة». ويقارن الطيب محمد في وصفه لاحدى الخلاوى بالمغرب وهي خلوة «سيدي زويني» ويصفها في طريقة بنائها وخارطتها كأنها مأخوذة من خلوة «أم ضبان» ويقول: إن النظام المتبع في مسيد أم ضبان من تعليم للطلاب والنفقة عليهم باسم المسيد والاستشفاء فيه، يشبه الى الحد البعيد النظام الموجود في خلوة سيدي زويني. واشار الطيب الى صاحب اول مسيد في السودان الذي اسس في دنقلا في الولاية الشمالية على يد غلام الله عائد الركابي الذي قدم من اليمن. ويضيف الطيب: إن المسيد في السودان يتصف بصفات الكمال، حيث تقام اولا خلوة صغيرة من غرفة صغيرة، ومن ثم تحفر البئر وتبنى خلاوى للطلاب وخلاوي للضيوف، وبعد كل هذه التجهيزات يمكن أن يطلق عليه اسم مسيد تقام فيه الصلوات والاكل «التكية»، وتحل فيه المشكلات صغيرة كانت او كبيرة. ومن نماذج المسيد المشهورة فى السودان، مسيد الشيخ ود بدر في أم ضبان، وخلاوى ود الفادنى بالقرب من الحصاحيصا، وخلاوى الغبش فى بربر، وخلاوى المجاذيب فى الدامر، ومسيد الشيخ البرعى فى كردفان فى الزريبة، ومسيد المكاشفية فى الشكينيبة بولاية الجزيرة، ومسيد همشكوريب فى شرق السودان، وتكاد لا تخلو منطقة أو قرية من مسيد فى السودان، حيث يمثل مؤسسة تعليمية وتربوية واجتماعية متكاملة. وشرح الدكتور عبد المطلب الفحل في ندوة نظمها المركز القومى للانتاج الإعلامى بالتعاون مع جامعة ام درمان الإسلامية، كلمة «مسيد» من جانب اللغة، حيث قال إن كلمة «مسيد» حصل لها اعلال وابدال فأبدلت الجيم الى ياء فصارت «مسيد» بدلا من مسجد، ثم تطرق عقب ذلك الى ايضاح معنى كلمة الخلوة التى هى جزء من المسيد، وقال انها تنتشر في مناطق السودان المختلفة بمعانٍ شتى، بمعنى أن الخلوة هي المكان الذي يتم فيه اكرام الضيف، وتستخدم للمكان الذي يحفظ فيه القرآن، ومن ثم عرف بالنظام البنائي الذي يتبع في الخلوة، حيث انها تبنى اقل من المسجد، الا أنهما سويا يمثلان مرحلة تعليمية كاملة من الروضة وحتى الجامعة، كما هو موجود في نظام التعليم الآن، ففي الخلوة يتعلم الطالب الحروف وكل العلوم عن طريق «الحوار» وهو الشيخ الذي يقوم بتدريس الطالب العلوم، والخلوة تجمع بين جانبين مهمين التربية والتعليم، فالطالب يتعلم العلوم الدينية ويحفظ القرآن الى جانب التربية، فالخلوة بها الثواب والعقاب، فيجلد الطالب اذا اخطأ، فيما يكرم بتشريف لوحه، وهذا ما يعرف بالشرافة.