ورحل عاشق القضارف ولم ترحل كلماته ولا ذكرياته لان اهل القضارف عرفوه بابداعاته انه الشاعر خليل عجب الدور المولود بالقضارف في العام 1926م وصاحب ديوان «خواطر ومشاعر» وهو صاحب الشعر الذي سطر اسمه من رواد الشعر في السودان ومن الاساطين الذين تخرجوا من المعهد العلمي بام درمان وقد زامل الشاعر الهادي آدم والشاعر مصطفى طيب الاسماء وقد قدم له ديوان «خواطر ومشاعر» البروفسير عبد الله الطيب.. وقد كان عجب الدور من الزمن الجميل وهو يمدح صديقه البروفسير عبد الله الطيب وجاء في قصيدته «حزم الخليل متاعه» حزم الخليل متاعه في المغرب وبدأ الصباح مبدد للغيهب ومضى به البص السريع لبقعة جمعت من الاوطان كل مهذب لاسيما الرجل الاديب العالم النحرير عبد الله نجل الطيب رجل أفاد بعلمه ونشاطه أبناء أمته سليل يعرب وخليل هو الشاعر العاشق للقضارف ولساكنيها المحب لطرقاتها وقسمات انسانها وقد كتب كثيرا عن قضارف الخير وبيني وبين القضارف وقضروف سعد واحب مناطق الزراعة ووديانها وجبالها وكان المتصوف في حضرة المدينة والعاشق المتيم بها واحبها حبا صوفيا وترنم بها وحيدا وهياما: سقى القضارف موفور الغمامات في مطلع الفجر او عند العشيات ودام منتظما ارض الهشيب او ارض الكراديس او ارض الدهيمات تسوقه الريح مدفوعا لسمسم او الى الفرازة فيحاء المسافات وليته لو سقا المتنا يمر على ارض الصفية مرعى الابل والشاة والشاعر خليل عجب الدور من رواد التعليم في القضارف وقد قام بنشر المعرفة بشاعريته وقد زاوج بين العامية والفصحى وقد كان يبحث عن لغة ثالثة قبل الدكتور عبد الله علي ابراهيم الذي نادى بذلك في مسرحيته الجرح والغرنوق والسكة حديد اوصلت المسافات.. وقد كان عجب الدور سباقا وصاحب رؤية وكاتبا وراصدا تاريخيا وقد ألف كتاب «حقائق ومعارف في تاريخ القضارف» وله ديوان شعر لم ير الطبع «تجارب ومشاعر»، ويحدثني عنه كثيرا الشاعر ابراهيم الدليل، ويقول: ان رحيله رحيل أمة وقد قال عن عجب الدور الشاعر محمد عبد الوهاب القاضي الكتيابي: أهلا بهذا الحر في أوطانه والعبقري الفذ في سودانه والناشئ الحر الضمير حسبته شوقي يغني في فصيح بيانه إني أحبك يا خليل محبة يشفي لديها القلب من أحزانه وأحب فيك شمائلا محمودة كالبدر نام الكون في أجفانه جهلتك أودية القضارف شاعرا حرا يكاد يذوب في إيمانه لم يعرفوك وأنت باني مجدهم والمسعد الدنيا على إحسانه وخليل عجب الدور صاحب مدرسة خاصة في الشعر تميزت بحب الارض والزراعة تمثلت في القضارف تلك الارض المعطاءة التي اعطاها الجهد والعرق وامطرها بمعرفته وعلمه. وقد كتب عن خليل عجب الدور الكثير منذ بداية الخمسينات وقد كتب عنه في الرأي العام والصراحة ونشر له في كتاب الشعر القومي الشاعر محمد محمد علي وقد كتب عنه كثيرا الراحل بابكر محمد النور وقد يكون هو من عرف به الناس في هذا الزمان، ومن ذلك الزمن المفعم بالخصوبة نقتطف أبياتاً لخليل عجب الدور وتوصف بالأدب المحلي: ولقة من دقيق الطحن دافئة ألذ في الطعم من قراصة الفيني صنعتها في الصاج لينة كأنما صنعت في دوكة الطين ملاحها ويكة لايوقة وبها ملح قليل فيه حب كمون وقد ذكر الشاعر خليل عجب الدور في حوار اجراه معه طارق عثمان من جريدة السوداني، فقد شكر رئاسة الجمهورية فقد كرمتني بمنحي وسام العلم والاداب والفنون واما على مستوى ولاية القضارف فهم مقصرون تجاه اهل الثقافة عموما.. انه عجب الدور احد شعراء الندوة الادبية منذ الاربعينات.. انه التصوف والتعلم والمثاقفة.. انه الانسان السوداني الذي يعشق الوطن، وقد عشقه محبوه ومنهم الاخ الصديق الشاعر ابراهيم الدلال الذي حدثني عنه كثيرا ، والدلال هذا الرجل الموسوعة العالم ببواطن الشعر لا تمر شاردة ولا واردة من الشعر والشعراء الا كان له قصب السبق في معرفة تفاصيلها، وقد كتب قصيدة رائعة بعد رحيل عجب الدور واهداني اياها وهي بعنوان الى خليل عجب الدور في عليائه ماذا اصابك من هم وتحزين قضارف الخير يا ام البساتين ويوضح الشاعر الدلال بأم البساتين انه نظر الى قول شاعر العراق العظيم الجواهري: حييت سفحك من بعد فحييني يا دجلة الخير يا ام البساتين ويواصل الدلال في رثاء عجب الدور: هذي المزارع تبكي فقد شاعرها من زين القول فيها أي تزيين أودى خليل وقد ضاعت برحلته روائع القول من شعر وتلحين شيخ يفض من الاشعار عذرتها ويشرب الراح من جام الطواسين ويضيف الشاعر الدلال في الهامش ان: جام الطواسين كتاب للحسين بن منصور الحلاج. ويواصل في مرثيته ابن الدلال عن شاعرنا الراحل المقيم خليل عجب الدور: راح بها الروح تسمو في مدارجها لا ابنة الكرم جاشت في المواعين يا شاعر الزرع قد عطرت ساحتنا مثل النسيم بأنفاس الرياحين ويشير لابيات الشاعر خليل عجب الدور في قصيدته وهي بين اقواس: «عمالنا الغبش في فصل الخريف لهم على المكاره صبر غير ممنون» «إذا الدقيق انتهى يوما فان لهم في البور زاد من الحميض كالتين» «وقطعة من كجيك فيه فائدة لمن شكا الضعف من نقص الفتامين» ويواصل الدلال في قصيدته بعد أبيات الشاعر عجب الدور: وكنت للغبش أستاذا تعلمهم سر الحروف وأخلاق المساكين فكم ذهبت الى التيراب في نفر شعث وغبر كأمثال السراحين وكم صحبة من الاخيار كوكبة أعلام قومك من موسى وهارون من كل أغلب في أكفافه شثن ماضي العزيمة مثل السيف مسنون قد أشرقت من فعال الخير جبهته وأوقد الشيب نارا في العثانين حي البهاليل رغم الفقر قد لبسوا مطارف العز من عهد السلاطين تعلقت بحبال الشمس همتهم وأخرجوا الكنز من بادوبة الطين قاموسك الخصب كم تزهو النصوص به مثل الحصاد أتانا بالأفانين فيه المسور وقد قامت بساحته عصيدة الدخن أو قراصة الفيني كم كتبت من الأشعار سائرة كنفثة السحر أو تعويذة البوني ويشير الدلال ان البوني شيخ صوفي كبير اشتهر بالاشتغال باسرار الحروف والتعاويذ وهو مؤلف كتاب شمس المعارف الكبرى. ويختم الدلال قصيدته لعجب الدور بشطرين للبيت فالاول له والثاني لخليل عجب الدور تلك المزارع قد ماجت بخضرتها اشهى الى النفس من أبواب جيرون وحقيقة عجب الدور كان كالشمس ترسل الضياء علما وشعرا ادبا وتواضعا وخليل عجب الدور الهواري رحل وترك ذخيرة من المخطوطات نأمل ان ترى النور.. ونعزي انفسنا فيه وأسرته وأهل القضارف وعارفي فضله من المعلمين والشعراء وانه لرحيل مر ولكن تبقى الاحرف التي سطرها تنير قبره وتضيء لنا طرقات الشعر والحياة.