تعتبر معسكرات النزوح بدارفور واحدة من المظاهر السالبة التى خلفتها ازمة دارفور التى اهلكت الحرث والنسل، وشكلت المعسكرات الملجأ الوحيد للمواطنين الذين فروا من مناطقهم فى بدايات الازمة، بحثا عن الامن والحماية، التى تقع غالبها فى اطراف المدن الكبيرة بدارفور. وبعد ذلك أصبحت المعسكرات امرا واقعا ولا بد من التعامل معها، بل اصبحت من ابرز معالم مدن دارفور تلفت انتباه اى قادم لهذه المدن، مما يؤكد وجود ازمة انسانية حقيقية، دفعت المنظمات الاجنبية للعمل بالمعسكرات، ومن خلال رصدنا وجدنا ان وضع النازحين بالمعسكرات يزداد سواء يوما بعد يوم، وذلك بعد تخفيض برنامج الغذاء العالمى حصص المواد الغذائية ومواد الايواء الى اقل من 50% للاسرة الواحدة قبل ثلاثة اعوام، بسبب الاعتداءات المتكررة على قوافلها التى تحمل المؤن الغذائية على الطريق، واختطاف بعض موظفيها من قبل الحركات وبعض المتلفتين، مما انعكس سلبا على حياة النازحين فى الحصول على مواد غذائية راتبة تعينهم فى تسيير حياتهم اليومية، وتظهر هذه المعاناة أكثر ما تظهر فى فصل الخريف الذى يأتى بعواصفه الترابية وزوابعة الرعدية التى لا تمهلهم لنيل قسط من الراحة. وظل الخريف يمثل العقبة الكبرى للنازحين والتحدى فى كيفية تجاوز الخريف فى ظل انعدام مواد الايواء «خيم ومشمعات» وغيرها. وهنا يقول عدد من نازحي معسكر عطاش إن كافة فصول السنة صعبة بالنسبة لهم، اما في الخريف فيحتاج النازحون لمشمعات تحميهم من الأمطار، خاصة ان منازلهم مبنية من المواد المحلية التى لا تستطيع مقاومة الامطار العاتية والعواصف الترابية، فضلا عن ان النازحين يواجهون شحا كبيرا فى الحصول على المواد الغذائية، اما فصل الشتاء الذى يشتد فيه البرد ايضا فإنه يمثل عقبة للنازحين فى كيفية تجازه، علاوة على فصل الصيف الذي تزداد فيه حرارة الشمس وتكثر فيه الامراض، فداء السحائي يحصد بعض الارواح خاصة وسط الاطفال، وقد أشاروا الى انهم سئموا حياة المعسكرات تماما ويرغبون فى العودة الطوعية لقراهم، الا انه لا يوجد ما يحفز ويشجع على العودة. وناشد عدد من النازحين الحكومات المحلية ولجنة الطوارئ بضرورة توفير مواد الإيواء والغذاء للنازحين فى فصل الخريف، الى جانب توفير الدواء لمواجهة اى خطر ينجم بسبب الامطار، فضلا عن المساعدة فى فتح المجارى وردم البرك التى من شأنها أن تساعد فى توالد الذباب والباعوض، تفاديا لانتشار الامراض مثل الدوسنتاريا والبلهارسيا والرمد الذى ينتشر فى فصل الخريف بسبب عدم توفر الامكانات الصحية والعلاجية بمراكز العلاج بالمعسكرات، بعد خروج عدد من المنظمات ومغادرتها للولاية فى هذا العام، الأمر الذى انعكس سلباً فى حياتهم. وقال النازح الحاج آدم بمعسكر دريج شرق نيالا، انهم يفتقرون ادنى الخدمات التى كان يتمع بها النازحون بالمعسكرات سابقا، منوها الى انهم لاكثر من خمسة اشهر لم يتلقوا أية مواد غذائية بصورة منتظمة، والتي يتحصلون عليها غير كافية، مما أسهم بشكل أو آخر فى تدهور حياتهم الصحية. واضاف ان النازحين بالمعسكر لا يمتلكون مبالغ مالية حتى يستطيعون شراء مواد لتجهيز منازلهم لمواجهة فصل الخريف. وفى ذات السياق قال شيخ معسكرات سكلى جنوبنيالا سعد عثمان، إنهم ظلوا لسنوات يطالبون الجهات ذات الاختصاص والمنظمات الاجنبية والسلطات المحلية بمساعدتهم بتوفير مواد ايواء للنازحين قبل موسم الخريف، إلا أنهم لم يجدوا الأذن الصاغية، مشيرا الى أن هنالك أسراً بالمعسكرات ليس لديها من يعولها او يوفر لها ادنى الخدمات، واصفا حياتهم بالمأساوية وتحتاج للتدخل العاجل وتقديم المساعدات لهم قبل حلول فصل الخريف. ويدعو عثمان الجهات المعنية إلى الاسراع فى توفير الادوية لمواجهة الحالات الطارئة بالمعسكرات أثناء فصل الخريف. ونوَّه عدد من النازحين بمعسكر كلمة إلى أن الأوضاع الانسانية بداخل المعسكر غير مطمئنة خاصة انهم ظلوا لسنوات يعانون من توقف بعض المنظمات عن العمل بالمعسكر التى كانت تقدم مواد الايواء للنازحين، فضلاً عن توفير الأدوية العلاجية وغيرها من الخدمات، مشيرين الى ان المعسكر اصبح شبه خالٍ من المنظمات، وهذا ما يتطلب من الجهات المعنية ضرورة تقديم المساعدات لهم. وأشار أحد نازحي كلمة إلى أن خريف العام الماضى ادى الى تدمير اكثر من «600» منزل واتلاف كافة ممتلكات اصحابها حتى الآن، والآن يدخلون موسم خريف هذا العام وليست لديهم مساكن تحميهم. وفى هذا الاتجاه يرى النازحون ان الدخول لموسم الخريف فى ظل قلة الامكانات وعدم توفر المساكن التى تقيهم من الاتربة والامطار العاتية، سيكون زيادة لمعاناتهم. وهذا ما يدفعهم الى التفكير كثيرا فى العودة الطوعية التي يسمعون بها ولا وجود لها على ارض الواقع، مشيرين الى ان كثيرا من النازحين ذهبوا الى قراهم ومن ثم عادوا مرة اخرى نسبة لعدم وجود المحفزات بمناطق العودة الطوعية، داعين اطراف التفاوض بالدوحة الى التوصل الى سلام حقيقي والاسراع فى اغلاق هذا الملف، الى جانب دعوة قادة الحركات التى ترفض الانضمام الى النظر لمعاناتهم التى طال امدها دون أية جدوى او فائدة الا الدمار والانحلال الاخلاقى لاطفالهم، وضرورة السعى للوصول لاتفاق حتى يتمكنوا من العودة الى مناطقهم لصون حياتهم وشرفهم بمناطقهم، قبل ان يزداد الطين بلة. وفى ذات الاتجاه أشار وزير الشؤون الإنسانية بالولاية سليمان احمد عمر، إلى ان الوضع الانسانى والغذائى في المعسكرات بالولاية مطمئن ويتسم بالاستقرار، ولم تشهد المعسكرات من قبل استقرارا مثله، مؤكدا ان رغبة النازحين فى العودة الى قراهم اكيدة. وأبان أن هنالك اكثر من «350» اسرة من معسكر السريف و «170» اسرة من عطاش على اهبة الاستعداد للعودة الى قراهم للحاق بموسم الخريف لزراعة اراضيهم، مع الالتزام الكامل من قبل حكومة الولاية بتوفير كافة الخدمات والمعينات الزراعية عبر الطلبات التى قدموها، داعيا اللجنة العليا للعودة الطوعية الى الاسراع فى صرف ميزانية الوثبة الثالثة لبرنامج العودة الطوعية، حتى تتكمن الوزارة ومفوضية العون الانسانى من توفير المحفزات التشجيعية لاستقرار الأسر التى أكدت رغبتها في العودة.