لم يكن للمتغيرات التي حدثت على صعيد الوضع الدولي والتطورات التي شهدتها المنطقة العربية أن تمر دون أن تفرز أخطاراً جديدة على النظام الإقليمي العربي ، أو تعمل على إحياء مشروعات قديمة يشكل تنفيذها خطراً على ذلك النظام. الأمر الذي دفع بعض من في الغرب إلى انتهاج سياسات ببطلان دور الجامعة العربية واقتصار عملها على مراقبة الأحداث فى الدول العربية من بعيد، بعد أن كانت مرآة النظام الإقليمي. ويستند هذا القول إلى منطق أن الوضع الاستراتيجي الجديد في منطقة الشرق الأوسط الناتج عن انتقالها من تأثير القطبية الثنائية إلى تأثير القطب الآحادي الذي تمثله الولاياتالمتحدةالأمريكية ، لن يؤدي إلى قيام نظام إقليمي عربى. وهناك بعض المشروعات البديلة مثل المشروع الشرق أوسطي الذي تتبناه الولاياتالمتحدةالأمريكية لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي ، ويأتي الاهتمام الأمريكي بهذا المشروع لما للولايات المتحدةالأمريكية من مصالح حيوية في منطقة الشرق الأوسط خاصة منطقة الخليج ، لما لها من إلتزام تجاه المحافظة على وجود اسرائيل وأمنها. وإعادة هيكلة المنطقة العربية من خلال مشروع الشرق أوسطية إنما يعني التخلص من الهياكل القائمة بما فيها جامعة الدول العربية، وذلك إن كل المشروعات المطروحة لتغيير هيكل المنطقة عبر صيغ تكاملية مختلفة، وعلى الرغم من تقاطعها مع بعضها بعضا فإنها جميعاً تتجاهل النظام الإقليمي العربي كنسق موحد. أما الخطر الآخر فهو المشروع الأوربي «الشراكة المتوسطية» فالشراكة الأوربية المتوسطية بأبعادها السياسية والاقتصادية تشكل محاولة لادماج بعض الدول العربية المختارة بشكل انتقائي مثل تونسالجزائر المغرب سوريا مصر لبنان فلسطين في منظومة اقتصادية واحدة ، لتعيد انتاج طبيعة منطقة البحر الأبيض المتوسط على قاعدة التمدد الأوربي ومن ثم تنمية العلاقات بين أطرافها وصولاً إلى أقلمة هذه العلاقات في اطارات سياسية وأمنية. من الملاحظ بأن هناك مخاطر أخرى تهدد الجامعة العربية والتعاون العربي الأفريقي منها الصراعات والنزاعات الأهلية والإثنية والأقليات حيث يواجهها خطر الانقسام كما هو الحال في الصومال والعراق والسودان ولبنان وإثيوبيا ، ينطوي بعضها على مصادر كامنة للتوتر كما هو الحال في مصر واليمن وبعض دول الخليج . سعت منظمة الوحدة الافريقية وجامعة الدول العربية لتحقيق تعاون عربى افريقى ولكنه كان دون الطموح فقد تعثر انطلاق التعاون العربى الافريقى، بصورة ملحوظة منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضى وذلك نتيجة لعدة عوامل واسباب سياسية وفنية يمكن ان نجملها فى العوامل السياسية التى تتمثل فى ان التعاون العربى الافريقى اتخذ منذ البدء شكل تعاون ثنائى نظراً لعدم وجود منظمة افريقية جامعة، لان الدول العربية كانت تتصرف بحكم كونها دولا قومية وسلوك بعض الدول العربية تجاه القارة الأفريقية كان يعكس في حالات كثيرة المشكلات والتناقضات القائمة بين الدول العربية. * التيار القارى الافريقى الذى تبلور فى شكل منظمة الوحدة الافريقية كان يضم 8 دول عربية هى فى الوقت نفسه اعضاء فى جامعة الدول العربية هى المغرب، الجزائر، تونس، مصر، لبيبا، السودان ، موريتانيا، الصومال، و70%من مجموع الشعب العربى يقنطون على ارض افريقية، وهم يمثلون ما يقرب من ربع سكان القارة الافريقية. * ان النزعة القارية الافريقية كانت تفرض حدوداً قارية بحتة لاى تعاون عربى افريقى، كما ان هناك عدم توافق بين تيار القومية العربية وتيار الافريقانية. * تداعيات توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل فى عام 1978م التى ادت الى انقسام بين الدول العربية وابعاد مصر من عضوية الجامعة ونقل مقر الجامعة من القاهرة الى تونس، سعت بعض الدول الى طرد مصر من منظمة الوحدة الافريقية فى مؤتمر القمة الافريقى فى عام 1979م، ورغم فشل هذه المحاولة الاانها ادت لنقل الخلاف والانقسام العربى العربى الى منظمة الدول الافريقية. * مشكلة الصحراء الغربية التى قبلت كدولة عضو بمنظمة الوحدة الافريقية الى كتلتين، الكتلة الاولى يتزعمها الرئيس الغينى احمد سيكوتورى وكانت تؤيد الموقف المغربى بعدم قبول عضوية جمهورية الصحراء الغربية فى منظمة الوحدة الافريقية، فى حين تزعم الرئيس التنزانى جوليوس نيريرى - تدعمه الجزائر الكتلة الثانية التى تؤيد الجمهورية الصحراوية، ما ادى لانسحاب المغرب من عضوية المنظمة واعلان زائير تجميد عضويتها. * استئناف بعض الدول الافريقية لعلاقاتها الدبلوماسيه مع اسرائيل، مثل زائير وليبيريا وكان المجلس الوزارى لمنظمة الوحدة الافريقية قد اصدر فى عام 1977م قرارا الزم بموجبه الدول الاعضاء بالمنظمة بعدم اعادة العلاقات مع اسرائيل الا بعد ان تقوم هذه باعادة الاراضى المحتلة الى اهلها. * الحرب العراقية الايرانية التى نشبت فى اعقاب انتصار الثورة الاسلامية فى ايران فى عام 1979م، وقفت اغلب الدول العربية «بالاخص الدول الخليجية»مع العراق خوفا من نجاح الثورة الاسلامية فى ايران لنشر الثورة الشيعية فى دول الجوار الخليجية، التى توجد بها طوائف شيعية، وبالتالى تحولت اهتمامتها واولويات الدول العربية النفطية من القارة الافريقية الى الحرب الايرانية العراقية. * اتهام بعض الدول الافريقية لدول عربية بالتدخل فى شؤونها الداخلية، وذلك بدعم الحركات المناوئة للحكومات القائمة، ويتضح هذا فى مؤتمر القمة الافريقية الخامس والعشرين الذى انعقد فى اديس ابابا فى يوليو 1989م، عندما وقف الرئيس الزامبى كينيث كاوندا فوق منبر المؤتمر واتهم بعض الدول العربية بالتدخل فى الشؤون الداخلية للدول الافريقية، واتهم مندوب انجولا فى اجتماعات لجنة الاربعة والعشرين للتعاون العربى الافريقي فى الدورة الحادية عشرة التى عقدت فى اكتوبر 1989م ، واتهم الدول العربية بتقديم المساعدات العسكرية للحركات المناوئة التى تحارب الحكومات الشرعية، بالتحديد وجه الاتهام الى الدول العربية بتقديم المساعدات مالية وعسكرية الى حركتى يونيتا «بزعامة جوناس سافمبى» فى انجولا وحركة الرينامو فى موزبيق التى كانت تحارب الحكومة الشرعية فى مابوتو وبغض النظر عن صحة الاتهامات او عدمها، فلا شك ان هنالك شعورا سائدا وسط دول جنوب افريقيا التى كانت تواجه النظام العنصرى، بان الدول العربية كانت تساند الانظمة اليسارية فى انجولا وموزبيق من خلال دعم الحركات المعارضة لهذه الانظمة. - غزو العراق للكويت 1990م، وسقوط المعسكر الاشتراكى وقيام نظام احادى يقف ضد الجامعة العربية بل ويسعى لاستبدالها بنظام شرق اوسطى، وعدم الاستقرار والحرب والنزاعات الداخلية التى اثقلت كاهل القارة الافريقية وصرفها عن التعاون مع الامة العربية. - تعثرعمل المؤسسات المشتركة للتعاون الافريقى العربى، وبصفة خاصة اللجنة الدائمة للتعاون الافريقى العربى التى تشكل محور التعاون، قد يعزى لمستجدات وظروف متغيرة اقليمية ودولية، وكذلك لبعض الامور التنظيمية من بينها العدد الكبير لعضويتها من الجانبين العربى والافريقى، بالاضافة الى تقارب اجتماعاتها، كما ان هنالك افتقارا واضحا لكيفيهة تنفيذ التوصيات ووضعها موضع التطبيق العملى، وذلك اما لغياب الآلية الفاعلة او لضعف الارادة السياسية وتقتضى الضرورة ترشيد عمل هذه المؤسسات من حيث آليات العمل، وحجم العضوية وتوقيت انعقادها. نواصل *باحثة - المركز العالمى للدراسات الافريقية [email protected]