نعم الحرب لها مقومات استمراريتها ومسبباتها سواء كانت طويلة الامد ام قصيرة خاطفة ومن ثم لها انعكاساتها المدمرة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافيا. ويلات الحرب اللعينة التي انتظمت في السودان ولم تفارقه الا فترات متقطعة خلال الحكم الوطني مازال اوارها مشتعلا رغم الكم الهائل من الاتفاقيات التي وقعت والطعم العلقم الذي ذاقه الشعب السوداني من خلال الحروب التي اندلعت. وما يجري الآن في أبيي وجنوب كردفان قصص متجددة مروعة من فصول الحرب التي ظن كثير من المراقبين أنها انطوت الى غير رجعة لكثرة آليات لجم الحرب من التزام قانوني ودستوري وشهود دوليين وشركاء اقليميين ودوليين «ايقاد».. والأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي. ولكن هل فعلاً شرع طرفا نيفاشا في تجهيز نفسيهما مادياً ومعنوياً لحرب ضروس قادمة؟ وهل يستطيع كل منهما توفير معينات الحرب لاكتساح الآخر؟ أي هل تستطيع الحركة الشعبية محو كافة مظاهر دولة المركز من جنوب كردفان؟ وبالمقابل هل يستطيع المؤتمر الوطني الغاء وجود الحركة الشعبية سياسياً وعسكرياً من جنوب كردفان، نعم أيا كانت الاهداف لطرفي النزاع لكن الذي لا شك فيه ان أي طرف لديه الأمل في القضاء على الآخر وفي نفس الوقت يدرك كل منهما استحالة الغاء الآخر من طرف المعادلة السياسية والاجتماعية بجنوب كردفان. رغم الشحن والتصعيد السياسي الذي اكتنف الحملة الانتخابية مؤخراً ورغم افراغ تلك الشحنة ممثلة في الحرب الدائر أوارها الآن بجنوب كردفان، بين الحركة الشعبية وحكومة المؤتمر الوطني الا ان معطيات وعوامل كثيرة تجعل الحرب الدائرة الآن شبه خاطفة كونها نتجت عن حماقات سياسية وقتية رعناء لا يمكن ان تمثل بأي حال من الاحوال استراتيجية حرب معدة سلفاً من قبل طرفي النزاع. فحكومة الخرطوم التي تواجه نتائج الانفصال خاصة الاقتصادية تعتبر أية مخاطرة للدخول في حرب مع الحركة الشعبية وفي منطقة النوبة تحديدا يمثل لها ذلك مزيداً من الاستنزاف الاقتصادي التي هي في أمس الحاجة اليها لسد فجوة اقتصادية خطيرة تنعكس على كافة أطياف المجتمع خاصة مجتمع الخرطوم وبعض المدن الكبرى الاستهلاكية التي لا تتحمل أي صدمات اقتصادية اضافية يكفي الموجود الآن، أي نقص في الخدمات كهرباء ماء صحة تعليم أي زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية تنجم عن زيادة في الضرائب او الجمارك او الوقود مهما كان ولاء المواطن للحكومة القائمة كما تعتقد الحكومة فان المطالب سوف تتصاعد عبر اعتصامات او خروج للشارع من المجتمع المدني القابع في هذه المدن، والمعروف سلفاً ان هذه الحكومة لا تتحمل المظاهرات الشعبية. ثانياً : فتح جبهة جنوب كردفان مدعاة لفتح جبهات أخرى كالنيل الأزرق او الشرق ودعم جبهات قتالية قائمة كدارفور فهل تستطيع حكومة الخرطوم مهما كانت قوتها وصولجانها ان تتعامل مع هذه الجبهات مع الوضع في الحسبان نتائج كارثية تقضي على ما تبقى من السودان ، وهل يا ترى المركز القابض على الثروة والسلطة هو على حق في كافة الحروب التي نشبت والاطراف دائما هي المعتدية؟ اذن عقب تبلور الانفصال بصورة رسمية وكون الجنوب صار دولة معترف بها من قبل العالم يا ترى لماذا تتجدد الحروب بالاطراف مرة أخرى؟ كان الجنوبيون غالبيتهم مسيحيين وغير عرب يا ترى هل المتبقون بالاطراف ايضا على شاكلة الجنوبيين؟ اذا كانت الاجابة لا.. اذن أين العلة التي تجدد الاحزان والحروب والتي تتسبب في مزيد من التمزيق؟! والتقتيل!! اذن الحكومة ويدها على الزناد الآن ماذا يدور بفكرها وهي ترى مسببات التمزيق بالزناد هل تستمر في هذا النهج الى ما لا نهاية؟ ام حتماً هناك محطة سوف تدركها؟ ثالثاً : المعنويات التي سوف تقاتل بها الحكومة هل هي نفس تلك المعنويات التي قاتلت بها التمرد في الجنوب سابقاً؟ هذا العامل اخطر العوامل وبه تتمايز الاثنيات والثقافات والرؤى والافكار بل سمها باختصار تمزق او تبعثر الهوية والهدف المشترك الذي تبقى لجمع الشمال الجغرافي الماثل. رابعاً :الوضع الدولي والاقليمي لا يسمح بقيام حرب جديدة خاصة بعد انتفاء اسباب الحروب الكثيرة عقب توقيع مواثيق واتفاقيات السلام ، فمرجعية المجتمع الدولي هي المواثيق التي وقعت وروح هذه الاتفاقيات التي اوقفت نزيف الدم فاذا ما اقدمت الحكومة على الاستمرار في الحرب لا شك انها سوف تواجه مجتمعا دوليا صار يرصد أي حرب داخلية في دولة ما يكون ضحاياها من المدنيين خاصة اولئك الذين لا يحملون سلاحا بل واذا حملوا سلاحا ضد سلطة شمولية احادية ايضا تجد التعاطف والتآزر من المجتمع الدولي كما هو بائن في المسألة الليبية والسورية، ومن قبل كانت أزمة دارفور التي مازال اوارها مشتعلاً في الارض وتداعياتها بالمحكمة الجنائية الدولية حاضرة في اروقتها. فالتحذير الامريكي بوقف الحرب الجارية الآن بجنوب كردفان والضغط على طرفي نيفاشا للاجتماع بأديس ابابا وسعي الاممالمتحدة لاضافة المزيد من القوات الدولية بالاقليم كل هذا وغيره يؤكد استحالة استمراره في الفترة القادمة، لكن هل تتوقف صعوبة استمرارية الحرب على حكومة المؤتمر الوطني لوحدها؟.. لا اعتقد ذلك فالحركة الشعبية ايضا لها من الاسباب الخطيرة التي تجعلها تسعى سعياً حثيثا ولو من وراء الكواليس لوقف مثل هذه الحرب المجنونة عليها كونها: أولاً : سوف تجعل قيام الدولة كسيحاً وهي تتمرغ منذ نشأتها في حرب يقودها عنها حلفاؤها بالوكالة وهي نفسها لها من المليشيات والمجموعات المسلحة التي يمكن ان تقاتل بالوكالة بالمثل كما هي تفعل من حلفائها بالشمال.. فالمجموعات المسلحة التي بعمق الجنوب او باطرافه الشمالية وهي تواصل غاراتها على الاهداف العسكرية للحركة الشعبية لا شك استمرار هذا الوضع من شأنه يظهر الحركة الشعبية انها منذ اول وهلة اقامت دولة فاشلة لأنها لم تستطع وقف نزيف الدم المستمر الذي بدوره سوف ينسف النسيج الاجتماعي القبلي الهش الموجود سلفاً. * ثانياً : الوضع الاقتصادي سوف يزداد سوءا على سوئه ولا يمكن لحكومة وليدة منذ نشأتها ان تعتمد على القروض والمنح لتسيير دفة الحكم.. فالاستنزاف المالي للحرب لا شك سوف يكون من بنود الصرف الأولى التي سوف ترهق ميزانية الدولة الوليدة خاصة وان نتائج الحرب المتمثلة في التشرد واللجوء والنزوح تسبب صداعا دائماً باعتبار النزوح واللجوء الخاص بالحرب الأولى لم تندمل جراحه. ثالثاً: الوضع الدولي مهما كانت خصومته للشمال الا انه لا يمكن له ان يشجع على حرب مثل هذه غير مضمونة النتائج حيث يريد استقرارا على أقل تقدير في سنين الدولة الوليدة الأولى. رابعاً: الحركة الشعبية سوف تجد نفسها غصباً عنها في حوار سياسي داخلي يؤكد مصداقيتها انها ضد العنف السياسي فلا مناص من الحوار الجنوبي الجنوبي ان يستمر الى أن يصل لنتائج توقف الحرب.