أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا: اضمحلال القوة العظمى
نشر في الصحافة يوم 04 - 07 - 2011


الانترناشونال هيرالد تربيون
يبدو أن الهيمنة الدولية لأمريكا في طريقها إلى الاضمحلال، فهل هذا الاضمحلال شيءٌ حسن بالنسبة للعالم وللولايات المتحدة؟ للإجابة على هذا السؤال يدلي سبعة من المراقبين الدوليين البارزين بوجهات نظرهم.
آن ماري سلوتر أستاذة الشئون الدولية بجامعة برينستون
إن قدرة أمريكا على إدارة الأحداث الدولية بل حتى الإقليمية والهيمنة عليها قد ضعفت وفقدت أهميتها بيد أن هذا ينطبق أيضاً على أية دولة أخرى، فالعالم نفسه قد تغير من نظام مغلق إلى نظام مفتوح: ففي النظم المغلقة تكون الأحداث مباشرة ويمكن التنبؤ بها وفي النظام المفتوح وكما يقول كابتن واين بورتر والكولونيل مارك ميكليبي في «سرد الاستراتيجية القومية للولايات المتحدة» تأتي الأحداث الصغيرة جداً بنتائج كبيرة وغير مباشرة: فالتضحية بالنفس التي يقدمها بائع خضار في تونس تشعل حريقاً يطيح بالحكومات على نطاق العالم العربي، كما أن قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الذي يسبب الإفلاس لأحد البنوك الاستثمارية يفضي بالنظام المالي الدولي إلى توقفٍ تام. وبالطبع فإن عالم الشئون الخارجية لم يكن مغلقاً أبداً ولكن عالم الحرب الباردة ذا القطب الثنائي كان مغلقاً إغلاقاً كافياً بحيث عزز وَهَم السيطرة، ولكن ذاك الوَهَم قد تحطم إلى الأبد أو ينبغي أن يتحطم. إن أفكار الصدارة أو حتى الهيمنة في النظام المفتوح تعتبر من سفاسف الأمور، فأفضل ما يمكن أن تأمل فيه الولايات المتحدة هو «النفوذ الموثوق به»، أي القدرة على قيادة بلداننا من خلال مطالب قيمنا وصلاحية مُثلنا وقوة اقتصادنا ونظامنا السياسي. ويجب علينا لكيما نقيم ذاك النفوذ أن نستثمر استثماراً أقل في عسكريتنا ونستثمر أكثر في الدبلوماسية والتنمية، بمعنى آخر أن نستثمر أقل في سياسة الحماية الاقتصادية والصناعية ونستثمر أكثر في سياسة القدرات التنافسية، أن نقلل من تبخترنا على المسرح العالمي وأن نواكب قيمنا ونتعايش معها. تلك هي القصة الحقيقية للعقود القادمة، ولكن من الصعب أن يضيع كل شيء، فحتى اليوم وفي خضمِّ فوضى النظام المفتوح ما تزال الولايات المتحدة هي القوة الأكثر تأثيراً في العالم، فدعنا نستعرض بعض الأشياء التي ما كان لها أن تحدث خلال العامين الماضيين لولا تدخل الولايات المتحدة، وهي: تأسيس مجموعة العشرين وإبرام اتفاقية المناخ في كوبنهاجن ومعاهدة الأسلحة النووية مع روسيا ورفض الدعاوى الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي والتدخل في ليبيا. وتبقى المفارقة قائمة. فيجب على الولايات المتحدة أن تجدد نفسها في الداخل لكي تحافظ على نفوذها في الخارج.
تيم سيباستيان صحافي بريطاني ورئيس مفاوضات الدوحة
ليس هناك شك في انهيار القيمة السلطوية للولايات المتحدة، انظر فقط إلى الأحداث في الشرق الأوسط، فالضربة القوية التي صفع بها رئيس الوزراء الإسرائيلي وجه أوباما برفضه لإيقاف المستوطنات ما زال صداها يتردد على نطاق المنطقة. وبعد عقود من التعاطي الأمريكي في عملية السلام لم يكن هناك سلام مطلقاً، فقيمة أمريكا في العالم العربي في الحضيض، لا لأنها لم تستطع الضغط على الأزرار أو لأنها لم تجد أسامة بن لادن وتقتله لكن لأن سياساتها لا معنى لها: لا معنى لأن تمدَّ أمريكا إسرائيل بالأسلحة لتدمير ممتلكات الفلسطينيين ومن بعد ذلك تعطي المساعدات لإعادة ترميم الأنقاض مع بعضها مرة ثانية. لا معنى لأن تنفخ أمريكا بوق الحرية والعدالة متأخراً في مصر وتبقى صامتة إزاء انتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة في البحرين. لا معنى لأن تأمر أمريكا معمر القذافي بمغادرة ليبيا بسبب الجرائم التي يرتكبها ضد شعبه ومن ثم تساعده على التهرب من العدالة الدولية بالتماس ملاذه الآمن في بلاد لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية. إن أقوى إشارة خطيرة يمكن أن تكون لصالح الطغاة حاضراً ومستقبلاً هي أنه يمكن لك أن تقتل وتعذب كل من تريد ولكن إذا ذهبت بهدوء عندما تكون قتلت وعذبت بما فيه الكفاية فإن أمريكا ستشتري لك تذكرة. وبعيداً عن وقف الصراعات، فإن هذا سيضمن إمداداً ثابتاً للسنين القادمة، لذا فإن انهيار قوة الولايات المتحدة ربما يكون شيئاً حسناً بالنسبة للشرق الأوسط لا لأن الفراغ يمكن أن يملؤه لاعبون أكثر مذاقاً لكن لأن أمريكا في حاجة إلى تغيير، إنها تحتاج إذا أعدنا صياغة عبارة الرئيس كلنتون إلى وجود أصدقاء جدد بدلاً عن مجرد البحث عن أعدائها. إنها تحتاج إلى أن تبرهن للعالم أنها لم تعد تدعم القادة الذين ينتهكون حرية شعوبهم جرياً على الاعتقاد الخاطئ بأن هذا الدعم للقادة سيساعد الأمريكان على النوم في أمان في وطنهم. إن على الحكومات العربية الجديدة أن تقف على قدميها ثم تتعثر ثم تقع على أمل أن تبرز وهي أكثر قوة وذلك مع اضمحلال قوة واشنطن، كما أن على إسرائيل أن تجري تسوياتٍ جديدة مع هذه الحكومات العربية. يجب ألا نفترض الأسوأ، فالحرية هي المُعلِّم الأكثر إلهاماً من القمع، ففي الواقع هناك عالمٌ جديد بيد أن هذا العالم الجديد لا يُسمَّى أمريكا.
ماكس بوت زميل كبير في مجلس العلاقات الخارجية
باتت الولايات المتحدة خلال السبعين عاماً الماضية هي القوة الأعظم في العالم بشكلٍ دائم ، فمنذ عام 1942م ظلت الولايات المتحدة تلعب الدور الأساس «للشرطي الدولي» حيث حلت محلَّ بريطانيا بحسبانها بطل الليبرالية الأول في العالم. إنها الدولة التي تعمل في الوقت الذي لا تعمل فيه الدول الأخرى على إيقاف الشرور الكبيرة (سواءً أكانت هذه الشرور ممثلة في الرق أو التطهير العرقي)، وهي الدولة التي تدعم القيم الليبرالية وتمنع الدول غير الليبرالية من أن تصبح دولاً مهيمنة. وربما كان من المستحيل بدون القوة الأمريكية (أو ربما كان أكثر تكلفة) إيقاف النزعة العسكرية الألمانية مرتين ناهيك عن إيقاف عدوان اليابان الإمبراطورية وإيطاليا الفاشستية والاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية وصربيا ذات التطرف القومي والعراق البعثي من بين بلدان أخرى. وربما كان من المستحيل أيضاً أن تتصور وجود أسواق حرة وانتخابات حرة منتشرة انتشاراً أكثر بكثير مما كان يتوقع في العام 1945م أو تتصور انتشاراً أقل للأسلحة النووية. فإذا كان النفوذ الأمريكي في طريقه إلى الزوال فستكون هذه أخباراً سيئة للغاية لا بالنسبة للولايات المتحدة فحسب بل بالنسبة لبقية ما كان يسمى ذات مرة بالعالم الحر، وبالأخص ستكون أخباراً سيئة بالنسبة للاتحاد الأوربي، فما كان باستطاعة الأوربيين حشد كثير من مواردهم في الأنشطة الاقتصادية والثقافية لولا الحماية التي قدمتها لهم القوات المسلحة الأمريكية (ينفق الاتحاد الأوربي أقل من 2 في المائة من إجمال الناتج المحلي على الدفاع مقارنة ب5 في المائة تقريباً بالنسبة للولايات المتحدة). فأنا لست مقتنعاً بأن اضمحلال القوة الأمريكية أمرٌ محتوم بأية حال، ولكن ما الذي يمنع أمريكا من أن تعمل بكل حزم كما كانت تفعل في الماضي؟ فمشاكلنا المالية يجب أن تعالج ولكنها مشاكل لا تقتضي خفض الإنفاق الدفاعي أو المساعدات الخارجية التي تستهلك أقل من 20 في المائة من الميزانية الاتحادية. إن الحفاظ على القوامة المالية يعني ضبط الإنفاق التفويضي وهو شيء يمكن أن ينفذ كما توضح الميزانية الجمهورية لبول ريان وذلك دون التقتير على الدفاع. ليس هناك من سبب لا يجعل القرن الواحد وعشرين قرناً أمريكياً آخر بافتراض أن واشنطن تجري بعض الاستقطاعات المتبصِّرة في الميزانية. إن الولايات المتحدة في الواقع تضاهي بكل المعايير الصين والبرازيل والهند والقوى الناشئة الأخرى، فنحن لدينا كثافة سكانية شابة ونامية ولدينا اقتصاد نابض بالحياة وهو اقتصاد في طليعة عصر المعلومات ولدينا جيش قوي ذو قدرات على الانتشار السريع ومجابهة الكوارث بصورة فاعلة ذلك أن نظراءه لا يمكنهم إلا أن يحلموا به. إن كنز أمريكا الأعظم هو أنها تؤيد فلسفة تقرير المصير التي يحتفي بها معظم سكان العالم وتجد قبولاً حتى وسط أولئك الذين يبغضون قدرة أمريكا البائنة. إن القوة الأمريكية لا تهددك ما لم تكن أنت كيم جونق الثاني أو محمود أحمدي نجاد أو معمر القذافي أو مجرماً من هذا القبيل بل إنها في الواقع تحميك من هؤلاء اللاعبين الأوغاد وغيرهم. وبالتالي فإن هناك فرصة قليلة للدول النافذة الأخرى التي تتحد لقمع القوة الأمريكية. هناك أمل أن تتطلع الدول الأخرى إلى أمريكا من أجل الحماية في المستقبل كما كان في الماضي القريب مثلما يفعل جيران الصين باضطراد، فأمريكا لديها الموارد التي تستجيب بها للنداء فهي تحتفظ بالإرادة التي تستجيب بها.
كريستين أوكريت صحافية فرنسية ومعلقة تلفزيونية
مات أسامة بن لادن والتهليل المنداح على مستوى العالم يرسم درجة التأثير الأمريكي. ولكن العولمة تضرب بشدة وبسرعة، فنحن أكثر وعياً باستحالة تنظيم الشئون الدولية أو إصدار أحكام نظرية حولها على طريقة الطراز القديم من الدبلوماسيين والخبر اء. فإذا تذكرنا الجدل الساخن الذي يدور حول «مذهب أوباما» المحتمل الذي يحدد السياسة الخارجية للولايات المتحدة نجد الأمر محض أشواق! فلا يمكن أن يكون هناك مذهب كهذا في عالم اليوم متجاوزاً إعادة التقييم الدوري لمصالح الولايات المتحدة في الخارج. إن الرئيس الحالي يتميز في ذلك وهو يخفف من نبرة خطابه عندما يسود المذهب البراغماتي: الربيع العربي؟ إنها مفاجأة. مذابح بشار الأسد في سوريا؟ سخط حذر. قبضة بكين الحديدية؟ دعنا نكن مؤدبين. إن أمريكا ليست قوة عظمى مبتهجة بالنصر، فالسؤال هو: هل كانت أمريكا قوة عظمى أم أنها كانت قوة عظمى في نظر المشاهد فقط؟ لقد اعتبرت واشنطن على مدى جيل كامل هي «القوة العظمى» الوحيدة، ومع ذلك لم يتم حسم قضية دولية كبيرة إذ لم تكن هناك اتفاقية سلام إسرائيلية/ فلسطينية وليس هناك حلٌّ للنزاع الهندي/ الباكستاني وليس هناك نهاية للكابوس الكوري الشمالي ولم يتم القضاء على الاستعراضات الإيرانية. وما تزال الفصائل تمزق العراق بعد صراع دموي أثار العداء لأمريكا على مستوى العالم، وليس هناك نهاية مرتقبة للحرب في أفغانستان. وعلى أية حال هناك حقيقة طاغية فحواها أنه ليس هناك شيء تم إنجازه في زماننا هذا بدون أمريكا، فروسيا ما تزال تطارد أشباحها والصين تلعب بتحفظٍ وحذر والبرازيل هي الوحيدة التي تؤكد على بعض الطموح الدولي من بين الاقتصادات الأربعة (البرازيل وروسيا والهند والصين)، أما أوربا فهي ضعيفة كالعادة على المسرح العالمي وأمريكا قد لا تحكم العالم ولكنها تظل هي اللاعب الكبير الوحيد. أهذا شيءٌ حسن أم سيئ؟ فالذي يهم هو أن أمريكا أضحت تدرك أنها لن تلعب وحدها، فالقوة العظمى قد تتحول إلى قوة ذكية.
هان هان كاتب رواية ومدون آني صيني شهير
هل أمريكا في اضمحلال حقيقةً؟ ربما لا يستطيع أحد أن يقول ذلك. ولكن يمكنك أن تأتي ب10000 مثال للكيفية التي يضمحل بها نفوذ الولايات المتحدة ولكنك يمكن أن تأتي أيضاً ب10000 مثال آخر عن الكيفية التي يزداد بها نفوذ أمريكا، فالزيادة والاضمحلال هما تقريباً مثل الفرق بين 9.6 ثانية و9.7 ثانية في السباق. واعتقد أن الولايات المتحدة ما تزال حتى في الاضمحلال النسبي هي البلد الأكثر نفوذاً في العالم، وذلك لأن أمريكا ما تزال تنير الطريق على نطاقٍ عالمي لأنها تعتبر أنموذجاً يحتذى سواءً أكان عمداً أو عن غير عمد. إن البلدان النامية بإمكانها أن تجد الفائدة في التعلم من أخطاء أمريكا وتجري تصحيحات سريعة وتنفذ سياسات النمو المستدام. ولكن مثلما هو الحال في مفهوم «الكمية اللامتناهية» في علم الرياضيات فإن من المستحيل اللحاق بها حتى لأولئك الذين يقتربون من الرقم «1» ممن هم في الخلف. إن الميزة الحقيقية بالنسبة لأمريكا ليست هي القوة العسكرية أو الاقتصادية بل هي الثقافة، فثقافتها ثقافة مقبولة وموثوقة لأنها كانت أول ثقافة عالمية وتظل ثقافة رائدة. وربما كان من مبتذل الكلام الحديث عن الأثر الكبير للكوكا كولا وأفلام هوليوود بيد أن هذه المنتجات تظل تحمل أثراً عميقاً. إن الدول الأخرى ربما ترفض مظاهر الحياة الأمريكية بيد أن استمرار هذه الدول في الاستجابة لهذه الثقافة يجعلها على هامش الثقافة الأمريكية. ومن غير المحتمل أن يتغير هذا الحال سريعاً وهو يعكس السبب الذي يجعل الحديث عن اضمحلال الولايات المتحدة أمراً مبالغاً فيه.
ديمتري روغوزين الممثل الدائم لروسيا لدى حلف الناتو
إن الاضمحلال التدريجي للنفوذ الأمريكي وبروز مراكز قوى أخرى الصين في المقام الأول يعتبر عملية طبيعية ومنطقية. فما لم يكن طبيعياً هو الفترة القصيرة التي استمتعت بها الولايات المتحدة في القيادة العالمية المطلقة في اللحظة التاريخية من انهيار الشيوعية وانحلال الدولة السوفيتية. لقد كان العقد الذي تلا انهيار السوفيت مؤشراً لذروة النفوذ الأمريكي والقوة الأمريكية القابضة، فانسحاب الاتحاد السوفيتي وحده من الحرب الباردة أعطى «القوة العظمى الوحيدة» النفوذ الذي لم يكن وارداً من قبل حتى أن بعض الفلاسفة بدأوا يتحدثون عن «نهاية التاريخ» بمعنى أنه لا توجد بدائل أخرى للقيادة الأمريكية ولا للقيم الأمريكية. ولكن التاريخ اتخذ منعطفاً مختلفاً، فزعزعة الاستقرار العالمي سرعان ما حلَّت محلَّ توازن صراع الحرب الباردة إذ بدأت فترة الرئيس الأمريكي الثالث لما بعد انهيار السوفيت جورج دبليو بوش بكارثة 11/9 والحرب في أفغانستان وتم تصوير الإرهاب العالمي بأنه صراع حضارات. وربما كانت الحرب في العراق نقطة تحول وهي حرب اندلعت برغم احتجاجات الحلفاء وبدون تفويض من مجلس الأمن الدولي ورأى العالم أن أمريكا قد اضطلعت بالكثير. لقد اتسمت رئاسة بوش بتضاؤل سمعة أمريكا وأن باراك أوباما قد وعد أثناء حملته الانتخابية باستعادة مجد أمريكا والانسحاب من الصراعات العسكرية والتركيز على المشاكل الداخلية والأزمة المالية. والآن نحن لا نتحدث عن الدور الأمريكي الضعيف فحسب بل نتحدث عن تعزيز قدرات مراكز قوى مثل الصين والهند والبرازيل والاتحاد الأوربي وروسيا ما بعد الأزمة. نحن نعيش في زمنٍ مثير للاهتمام، فالعالم يتغير بسرعة، وأنا أود أن ينتهي الأمر بأسرع ما يمكن إلى توازن جديد تكون فيه هناك مراكز متعددة تستطيع المشاركة في تحمل المسؤولية بالنسبة للأمن والتنمية في مناطق معينة في أوربا التي تشمل روسيا مثلاً وفي العالم قاطبة.
شيماماندا أنغوزي أديشي كاتبة نيجيرية
ربما كان النفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي في اضمحلال، ولكن ما لم يكن في اضمحلال هو النفوذ الثقافي الأمريكي، فالنفوذ الثقافي أو النفوذ الناعم هو أهم أشكال النفوذ. ففي نيجيريا التي أنا منها أصبح الإرسال التلفزيوني أرخص كثيراً، فالشباب يشاهدون دائماً الأفلام الأمريكية (فعندما كنت أشاهد فيلماً في طفولتي معناها كنت أشاهد فيلماً أمريكياً) ولكن الشباب اليوم يشاهد أيضاً قناة إم.تي. ف الموسيقية وقنوات الترفيه الأمريكية الأخرى، وهم يعرفون آخر أخبار بيونسيه وأنجلينا جولي وهم على دراية بالمؤشرات الثقافية الأمريكية بفضل برنامج تحدث الأمريكية، كما يعرفون قدراً لا بأس به من السياسة الأمريكية ومهتمون بها، وما نيجيريا إلا مثال واحد لما يحدث في كثير من الأجزاء الأخرى من العالم. ولم يزل الإنتاج الثقافي الأمريكي مؤثراً فحسب ولكن ما تزال عيون الإنتاج الثقافي في كثيرٍ من أجزاء العالم تتدرب عبر المحيط في أمريكا. فالممثلون في كثيرٍ من أجزاء العالم ما زالوا يتطلعون إلى هوليوود وما يزال الكُتَّاب يتطلعون إلى منشورات نيويورك وما يزال المسرحيون يتطلعون إلى برودواي. وفي البلدان التي بها طبقة متوسطة ناشئة وكبيرة فإن الارتقاء إلى طبقة جديدة يكون في كثير من الأحيان مرادفاً للاستهلاك المتزايد للثقافة الأمريكية وربما مرادفاً حتى للطعام الأمريكي. ومن الواضح أن هذه الظاهرة تحمل معها خسائر بسيطة إذ سيكون من المفهوم إذا لم يركز النفوذ الثقافي العالمي تركيزاً كبيراً على بلد واحد، فإذا فاز شخص غير أمريكي بجائزة الأوسكار فإن بلاد الشخص غير الأمريكي ستنفجر في هتافٍ قومي ولكن العكس ليس صحيحاً أبداً. وعلى العموم هل هذا شيءٌ حسن أم شيءٌ سيئ؟ ذلك هو الحال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.