التجاور بين أي لغتين يؤدي الى الاحتكاك بينهما وينتج عن ذلك تبادل الأثر بين اللغتين المتجاورتين وينعكس هذا التفاعل على قاموس اللغتين اذ أن الاحتكاك بين متحدثي اللغتين يتخلله انتقال عدد من المفردات اللغوية استجابة للحاجة التي لا توجد دلالاتها في اللغة المقترضة وهذا ما يعرف بالاقتراض اللغوي الذي يمثل موضوع هذا الكتاب ،والاقتراض اللغوي ظاهرة اجتماعية وانسانية وهي لا تنحصر على لغة دون اللغات البشرية الأخرى، بل هي ظاهرة شائعة بين كل اللغات البشرية .. هكذا قدم الناقد شول دينق لكتابه أثر اللغة العربية على لغة الدينكا ... ثم أردف قائلاً :- مسألة اقتراض اللغة الدينكاوية من اللغة العربية ظلت تشغلني منذ أن كنت طالباً بالمرحلة الثانوية في منتصف السبعينات وقد لاحظت أن كثيراً من المفردات العربية قد أصبحت جزءاً من القاموس اللغوي عند الدينكا وليس هذا وحسب بل كنت أقف كثيراً عند بعض الحروف أو الأصوات التي لا يمكن أن ينطقها بعض الزملاء مهما أوتوا من الذكاء والمقدرة اللغوية، وبالرغم من الوقوف على سر عجز أولئك الزملاء عن نطق بعض الأصوات العربية في بداية عهدي بالأصوات اللغوية بمعهد الموسيقى والمسرح، الا أن اختياري لموضوع هذا الكتاب جاء ليؤكد السعي الملح لمعرفة علاقة الأصوات اللغوية بعملية انتاج الكلام ... هذا الكتاب يدور حول أثر اللغة العربية على لغة الدينكا من منظور اجتماعي، الى جانب الدور الذي لعبه الجانب الصوتي في تفسير التغيرات التي طرأت على المفردات العربية التي اقترضتها لغة الدينكا ...ويشير الكاتب الى أن الاقتراض اللغوي هو أخذ لغة ما كلمات أو تراكيب لغة من لغة أخرى بهدف استخدامها كجزء من تراثها التعبيري وهو بهذا المعنى ظاهرة من ظواهر اللغات الانسانية . والتبادل اللغوي لا يتم الا اذا كان هناك اتصال أو احتكاك بين مجتمعين أو أكثر من المجتمعات البشرية ..هذا يعني أن الاتصال المباشر بين جماعة لغوية مختلفة يؤدي الى أخذ بعض الالفاظ من الجانبين مع الإختلاف الكمي ، في الأخذ وهذا لا يتحدد الا بحاجة كل منهما ، ويمكن أن يكون الاتصال المباشر عن طريق التعامل التجاري أو الاجتماعي أو أي شكل من أشكال الإتصال البشري . أما الاتصال غير المباشر فيمكن أن يكون عن طريق الاتصال الثقافي عبر وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية ويمكن أن يكون الاتصال الثقافي بين المجتمع السوداني والمصري خير دليل على الأثر غير المباشر ...واللغات تأخذ من بعضها في حالات عدة منها :- التبادل التجاري ، وهنا تنتقل بعض المفردات عن طريق المعاملات التجارية وقد تكون هذه المفردات المتنقلة أسماء لسلعة لا توجد لها دلالة في اللغة المقترضة أو غير ذلك من الألفاظ التجارية . التجاور والهجرة وهذه الحالات الثلاث تنطبق على اللغة العربية ولغة الدينكا ولكن بدرجات متفاوتة وبرهان هذا القول يتمثل في بعض الكلمات التي اقترضتها اللغة العربية من لغة الدينكا كلمة « توج « التي تجمع على التيجان والتوج تعني في لغة الدينكا المستنقعات التي يكثر فيها الكلأ بالقرب من الأنهار التي تجري في مناطق الدينكا ، وربما جمعت على التيجان في اللغة العربية لتناسب أوزان اللغة العربية التي تخضع لها الكلمات المعربة المأخوذة من اللغات الأخرى ..ومن الكلمات التي أخذتها اللغة العربية من لغة الدينكا نجد كلمة « لواك « التي تجمع على لوكات في اللغة العربية جمعت جمع تكسير وذلك لتناسب قواعد اللغة العربية ... وكلمة اللواك تعني حظيرة البقر في لغة الدينكا ، فهي عبارة عن مبنى كبير يقام كمسكن للبقر في الخريف ، وتتكون مواد بنائه من خشب وقش .. وتجمع على « لوِّيك « بتشديد الواو وكسرها في لغة الدينكا ، وقد أخذت اللغة العربية هاتين الكلمتين لترمي الى نفس الدلالات التي ترمي اليها في لغة الدينكا . أما بالنسبة لأثر اللغة العربية على لغة الدينكا فيقول ان الاقتراض يثري اللغة ويضيف اليها جملة من المفردات التي تساعدها على الانطلاق ومواكبة كل الدلالات اللغوية التي تبرز الى الوجود من وقت لأخر وهذا يؤكد حيوية اللغة وديناميكيتها ، فاللغة تخضع لقانون النمو والفناء فهي تنمو وتتطور بفضل متحدثيها وقدرتهم على التطور والحركة كما تموت وتفنى نتيجة لجمودهم أو انقراض من الأرض ... والكلمات المقترضة تتمثل دائماً في الآتي :- الكلمات الحضارية والتقنية ، وهي تشمل الكلمات الهندسية ، الطبية ، والتعليمية والفنون وغيرها .... كلمات إدارية وعسكرية وقانونية ... الكلمات الدالة على السلعة والمأكولات والخضروات والفواكه . وقد زيل الكاتب الكتاب بجدول يشمل بعض الكلمات المقترضة من العربية الى لغة الدينكا مع بيان التغييرات التي طرأت على هذه الكلمات بعد انتقالها الى لغة الدينكا . نذكر منها : وابور وتغيرت الى مابور ، قطر وأصبحت قتر ، طيارة تيارة ، صاروخ ثاروخ ، بوستة بوثتة ، راديو راديت ، كهرباء كاربا ، سينما ثينما ، وغيرها من الكلمات .