عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    بالفيديو.. شاهد أول ظهور لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب على مواقع التواصل قبل 10 سنوات.. كان من عشاق الفنان أحمد الصادق وظهر وهو يغني بصوت جميل    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يحدث اليوم حكم القانون، وانفصال الشعب لن يتم إطلاقاً
السكرتير السياسي للحزب الشيوعي جنوب السودان جوزيف موديستو في حوار اللحظات الأولى:
نشر في الصحافة يوم 10 - 07 - 2011

جوزيف موديستو، من الماركسيين السودانيين، الذين عكفوا باكراً على قضية السودان في الجنوب، عبر نافذة الحزب الشيوعي السوداني، وهو وحدوي في زمن الانفصال، الذي أصبح واقعاً مع شروق شمس هذا اليوم، التقت به «الصحافة» وقلبت معه سيرة الانفصال الطويلة، حيث وضع الرجل الملح على الجرح ببسالة ثورية يعز مثيلها في مثل هذه الايام، رافضا وجود فرقة ناجية في القوى السياسية الشمالية، التي حكمت السودان منذ الاستقلال، من وزر الانفصال، معددا عددا من المخاطر التي تتهدد الوطن المنشطر لتوه، حالما لم ينتبه الغافلون، ليشير في الوقت نفسه إلى أن ثمة انفصال آخر غير قابل للحدوث بين شعب السودان ذي الوجدان الموحد.
*اليوم ينتهي كل شيء تقريباً أستاذ موديستو، فقد انشطر السودان لدولتين، وبالطبع لهذا الانفصال وقعه على كل السودانيين، لكن نريد أن نلامس وقع هذه اللحظات التاريخية على جوزيف موديستو، كجنوبي وماركسي ووحدوي أفنى زهرة شبابه في العمل على قضية الجنوب؟
حقيقة، هذا اليوم فيه من الحزن والفرح، تمتزج فيه البهجة بالحزن. الحزن على أن القوى السياسية، التي حكمت هذه البلاد منذ الاستقلال، لم تستطع أن تحقق الوحدة وهو شيء محزن، أما الفرح فيتمثل في كونه يوم استقلال شعب الجنوب، وانا مبسوط لذلك لان الجنوبيين واجهوا معاناة كبيرة جداً في الفترات الماضية، على يد جميع الحكومات مدنية وعسكرية، وهذه السياسات أجبرتهم على أن يصلوا إلى هذا اليوم ويختاروا دولتهم المستقلة، لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وكرامة الانسان وأن يكونوا مواطنين من الدرجة الأولى، هذه مدعاة للفرح في هذا اليوم، لكونه، اليوم، الذي تتحقق فيه تطلعات الجنوبيين، وبعد ذلك يمكن أن نرى إن كانت تطلعات الجنوبيين، في الحياة الكريمة، التي ليس فيها تهميش وفيها صحة وتعليم وخدمات، ستتحقق من قبل الحكومة الجديدة، التي تعتبر أول حكومة مستقلة لدولة الجنوب أم لا؟. هذا تساؤل محوري، لكن نتمنى أن تضطلع حكومة الجنوب بمسؤوليتها، في أن لا يعود الجنوبيون، في التفكير في الايام القديمة، وأن لا يندموا على قرارهم، وكما تعلمنا من الانجيل في قصة بني إسرائيل، الذين خرجوا من مصر تحت قيادة موسى، جوبهوا بصعوبات، فاصبحوا يتنادمون، ويقولون لموسى لماذا أخذتنا من مصر حيث كنا مبسوطين؟ أعتقد أنه لا يوجد هنالك ما يجعل الجنوبيين يواجهون هذا المصير، لذلك نريد قيادة حقيقية وشفافية وقاعدة عريضة لتفادي هذا السيناريو.
*التساؤلات، التي تجول بخاطر معظم السودانيين في هذا اليوم، لا تخرج عن الأسباب التاريخية، التي أفضت بنا إلى مثل هذه اللحظة، ما هي هذه الأسباب برأيك؟
أولا هنالك أسباب كثيرة، كما أن هنالك عناصر كثيرة أسهمت في أن نصل إلى هذا اليوم، الذي ينقسم فيه السودان، فهنالك الحكومة الانجليزية، التي جعلت الجنوب مثل الحديقة الحيوانية، جعلته منطقة مقفلة، ليس بها أي تنمية، عبر سياسات المناطق المقفلة، جعلت الجنوب متخلفا، فعندما تحقق استقلال السودان، كان الجنوب متخلفاً جداً، وهذا بالطبع ناتج عن السياسات الاستعمارية، التي هدفت لقطع العلائق بين الشمال والجنوب، هذا واحد من الاسباب، لكن الحكومات الوطنية المتعاقبة، وقعت في الأخطاء الاستعمارية ذاتها، باتباعها لطرائق التنمية الرأسمالية، التي أقصت الجنوب ركزت على المناطق، التي تحقق لهم عوائد سريعة، مثل مشروع الجزيرة ومناطق الصمغ العربي وما إلى ذلك، لكنها أغفلت حتى المناطق الاخرى في الشمال مثل مناطق شرق السودان وأقصتها من خطط التنمية. هذه سياسات المركز، الذي كان طوال الفترة المنطقة إقطاعيا رأسماليا، لم يكونوا جميعهم منحازين للغلابة و«الناس التعبانين» لو في الجنوب أو الشمال، لذلك لم يهتموا بامر التنمية في مثل هذه المناطق، كذلك هنالك الحكومات العسكرية، خاصة حكومة الإنقاذ، التي قامت بصب الزيت على النار المشتعلة أصلاً، عبر الحرب الجهادية واستهداف الجنوبيين ومنذ تلك اللحظات كان الجنوبيون يعلمون أن الأمور ستتجه إلى جهة أخرى، وحتى مشاركات الجنوبيين في السلطة طوال هذه الفترات، كانت هامشية، حتى من يعين نائبا لرئيس الجمهورية، كان يظل رابضاً بمكتبه يتصفح الصحف اليومية كما قال الاستاذ الجنرال جوزيف لاقو ، أنه عندما كان نائباً للرئيس كان يطالع الصحف فقط، أي انه نائب دون سلطات ولا تأثير وفي هذا تهميش كبير. أيضاً مالا يمكن إغفاله كذلك أن السياسيين الجنوبيين، لم يتخذوا الموقف الصحيح، بتغاضيهم عن التحالف الوثيق مع القوى الديمقراطية والتقدمية في الشمال، لان في الشمال قوى تقدمية مؤثرة قامت بانجاز ثورتي أكتوبر وأبريل، وهي ليست بالقوة البسيطة، لكن لم يكن للجنوبيين اي تحالف معها، حتى تحالفات الحركة الشعبية مع القوى التقدمية في الشمال، كانت تحالفات تكتيكية فقط، ففي التجمع الوطني الديمقراطي، الذي كانت الحركة الشعبية الامين العام له في النهاية اتضح أنهم ليسو منسقين بشكل كاف مع القوى الديمقراطية الشمالية، وانفردوا في النهاية بموقفهم الفردي، هذا من الاسباب الرئيسة، لان عدم التنسيق في العمل السياسي بين القوى الديمقراطية في الشمال والقوى الديمقراطية في الجنوب وجه ضربة قاسية وكبيرة جداً لقضايا المهمشين في كل السودان.
* جيد، جميع هذه الأسباب تحالفت لتضعنا أمام هذا اليوم التاريخي، والأن هنالك واقع جديد يجب أن يتم التعاطي معه، في هذا الإطار كيف ترى مستقبل الدولتين في ظل جملة من القضايا العالقة؟
نعم، هنالك، تجارب انفصال، حدثت في اثيوبيا وأرتريا، وكان أنموذج لم يجد الارتياح من العالم أجمع، لانها أفضت إلى حرب طويلة بين أناس كانوا يتعايشون في وطن واحد، لكن الوضع لدينا مختلف، هنالك اتفاق نيفاشا، يجب أن يتم تنفيذ هذا الاتفاق، فهو قطع شوطاً كبيراً، بقيام الاستفتاء، ويجب على الشمال أن يعترف بنتائجه، إذا تم كل هذا فان العلاقة بين الشمال والجنوب ستكون أفضل بكثير، ليس هذا وحسب، وإنما لان هنالك تاريخ طويل بيننا،لاننا عشنا مع بعضنا وناضلنا سوياً من أجل استقلال السودان الواحد، وتعرضنا لتجارب كبيرة كانت يمكن أن تؤدي إلى تمزق البلاد من وقت مبكر، ولكننا تمسكنا به وتخطينا هذه الصعاب، وأفتكر أن كل هذه أسباب كافية لان تكون العلاقات بيننا أزلية وراسخة أكثر من علاقاتنا باي دولة أخرى، وهذا ما يفترض أن يكون بين الدولتين، ينبغي أن تكون علاقة أخوية، علاقة أشقاء، لان هنالك روابط كثيرة بيننا، حتى الإسلام يعتبر أحد هذه الروابط، هنالك جنوبيون مسلمون،وهنالك تزاوج بين الشمال والجنوب وتصاهر، والآن هنالك جنوبيون في الشمال لا يعرفون أي شيء عن الجنوب، حتى إذا طلبت منهم أن يعودوا إلى مناطقهم في الجنوب، قد لا يعلمون مواطنهم الأصلية هناك، وهنالك أيضاً علاقات اقتصادية، أبرزها البترول الجنوبي، الذي يمر عبر أنابيب في الشمال ويصدر من ميناء شمالي كذلك. هذا ارتباط يتطلب وجود علاقات طيبة تراعي هذه المصلحة الاقتصادية. وأعتقد أن هذا أهم شيء وإذا كانت هنالك أي خلافات حول القضايا العالقة، فيمكننا تجاوزها بالحوار الواعي المسؤول، والذي يتم فيه تقديم التنازلات، عندها يمكن أن نصل إلى حلول مريحة للقضايا المعلقة، قد تصل لتنسيق عملي في المواقف بالمحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
* هنالك مستوى آخر من العلاقات بين الشمال والجنوب، وهو ما عبر عنه الرئيس الجنوب أفريقي ثابو أمبيكي وآخرون، إلى أي مدى ترجح عدم حدوث الانفصال الوجداني بعد إعلان السياسي اليوم؟
ما بين الشعب الشمالي والجنوبي، علاقات ثقافية وطيدة، فهنالك في الجنوب يرقصون على ألحان وأغان شمالية حتى اليوم، وحتى التقاليد الشمالية انتشرت بشكل كبير هناك، مثل «الشيلة» في الأعراس، وأنماط ثقافية أخرى كثيرة. كل هذه روابط لن تنقطع، وستستمر، لانه لن يجرؤ أحد على المطالبة بقطع العلاقات الثقافية بين الشمال والجنوب، هذا غير ممكن، وفي رأيي ما حدث اليوم، حدث بحكم القانون، لكن انفصال الشعب، لن يتم إطلاقاً، وأعتقد أنه لو تم الاستفتاء على أساس الروابط الثقافية، لما حدث إنفصال، لكن الموضوع قانوني. والتواصل بين الشعبين سيتواصل، ومن الصعب أن نحول الجنوبيين الموجودين في الشمال منذ اليوم إلى أجانب، هذا كلام غير مقنع ولا منطقي، بالنسبة للجنوبي، الذي يعيش بين الشماليين، سواء كان عامل في العمارة أو الزراعة،لا يمكن أن يستوعب مثل هذا الحديث، ولا يمكن أن يتحول جاره إلى غريب هكذا فجاءة، هذا حديث غير منطقي بالنسبة له، لانه مجرد كلام سياسة، لذلك دعونا لعمل اتفاق للحريات الأربع، بان يكون لهؤلاء حق السكن والعمل والتملك في الشمال والجنوب، هذا أمر مهم جداً للحفاظ على التلاحم بين الناس، وهذا التلاحم الشعبي يمنحنا قوة أكبر، فقد فقدنا الكثير في الشمال والجنوب، الشمال فقد عشرين في المئة من الارض وهذا فقد كبير وخمسة وعشرين في المئة من السكان وثلاثين في المئة من الموارد الاقتصادية، ولا يمكن أن نقول بان هذا الفقد في الشمال أحدث زيادة في الجنوب، لان هنالك فقد أيضاً، فالجنوبي قبل اليوم كان موجودا في حلفا الجديدة والجنينة وعلى امتداد هذه المساحة، لكن الآن الجنوب محصور في حيز صغير. لذلك أعتقد أن التلاحم والتواصل بين الشمال والجنوب سيستمر بالشعب وليس بالحكومات، فالمتزوج من شمالية مثلاً، لا يمكن أن ينقطع عن الشمال، وكذلك من لديه ابنته في الجنوب لا يمكن أن ينقطع عن زيارة الجنوب أيضاً، هذه الاشياء لن تنقطع بين الناس.
* بناء على كل هذا، هل يمكن أن نقول أن هذا الانفصال نتاج لاتفاق بين برجوازية الشمال والجنوب فقط؟
لا، ليس هكذا بالضبط، لكن ما حدث أن اتفاقية نيفاشا، نصت على جعل خيار الوحدة جاذباً، وأنه إذا لم تكن هنالك وحدة جاذبة، سيصوت الجنوبيون للانفصال وهو ما حدث، وهو يشير إلى أن هنالك فشلا من أحد الأطراف، ووقائع الأحوال تشير إلى أن «الإنقاذ» فشلت في جعل الوحدة خيارا جاذبا بالنسبة للجنوبيين، وكذلك حكومة جنوب السودان لم تعمل للوحدة أيضاً، لذلك وصلنا إلى مثل هذا اليوم وهذا الواقع، والآن هنالك مليون جنوبي موجود في الشمال، وهذا ليس بالعدد القليل وقابل للزيادة، إذا وجد الجنوبيون الأجواء غير ملائمة في الجنوب يمكن أن يعودوا للشمال، لذلك على الحكومة أن تسهل من الحركة بين الجماهير، لأن كثيرا منها لا تعرف الحدود ولا تعترف بها، مثل العرب الرحل، الذين يعبرون حدود الجنوب إلى قلبه، وكذلك الجنوبيين، الذين يعبرون شمالاً في المواسم المختلفة، جميعهم لا يعترفون بهذه الحدود ولا يفهمونها. وأنا اعتقد أن السياسات السيئة التي اتبعتها القوى السياسية السودانية منذ الاستقلال وحتى الآن، وخاصة سياسات المؤتمر الوطني، الذي عمق من الأزمة، كل ذلك هو الذي، أدى إلى هذه المحصلة الطبيعية بانفصال الجنوب اليوم.
*لكن هنالك من يركنون إلى نظرية المؤامرة معتبرين أن التاسع من يوليو انتصار لارادة الإمبريالية العالمية، وليس إرادة شعب الجنوب وحده؟
لايمكن القول بذلك، لان المتتبع لسياسات المستعمر الانجليزي التي اشرت اليها سابقا، إلا أنه عاد في العام سبعة وأربعين وعقد مؤتمر جوبا الشهير، لتغيير اتجاه المناطق المقفلة، لكي يصوت الجنوبيون للوحدة مع الشمال في إطار السودان المستقل، وقرر فيه الجنوبيون أن يكونوا مع الوحدة وشاركوا في البرلمان، الاستعمار غير اتجاهه منذ وقت مبكر، ولو أراد أن يفصل الجنوب لتسنى له ذلك منذ وقت مبكر، ولقام باتباع الجنوب لمستعمراته في شرق أفريقيا ولما عقدوا مؤتمر جوبا من الأساس، فالانتصار الحقيقي، اليوم لشعب جنوب السودان، الذي صوت للانفصال ضد سياسات الشمال السيئة، وهي حالة يأس، أوصلتنا إلى هذا اليوم، ولا يمكن أن نقول بان انفصال الجنوب نتاج للقوى الامبريالية، لكن السياسات الشمالية لم تنجح في تحقيق الوحدة، وتململ الجنوبيين إزاء هذه السياسات برز بشكل واضح في مؤتمر المائدة المستديرة في العام خمسة وستين، حيث طالبت الجبهة الجنوبية بحق تقرير المصير، لكن في اتفاقية أديس أبابا في العام إثنين وسبعين، انتفى هذا المطلب، حتى من قبل من يصدحون بالانفصال على أيامنا هذه، لم يكن هنالك من يطالب بتقرير المصير، حتى في صحفهم، كانوا في الحكومة في جوبا «مبسوطين» وهم مع جعفر نميري لستة عشر عاماً. كذلك هنالك الجانب الوحدوي في الجنوب، والذي برز منذ العام سبعة وأربعين، حيث صوت الجنوبيون حينها للوحدة مع شمال السودان، وعندما نأتي كذلك لبيان تسعة يونيو الف وتسعمائة تسعة وستين، كان الجنوبيون يدعون للوحدة، وكان الشهيد جوزيف قرنق يجد تجاوباً منقطع النظير، لدى طوافاته هناك، الجميع كان يريد الوحدة، والجنوب في كثير من فتراته كان شعور الوحدة هو الغالب، حتى الدكتور جون قرنق ديمابيور عندما خرج في العام ثلاثة وثمانين، خرج صادحاً بالدعوة لوحدة البلاد، لانها كانت خيارا مقبولا، وكما يقولون أن أول بندقية ضربت كانت ضد الانفصاليين، فالقوى الوحدوية كانت غالبة دائماً في عالمنا السياسي بالجنوب، لكن سياسات المؤتمر الوطني، هي التي عمقت الكراهية، وموضوع الانفصال مبني على الكراهية،لا على أساس علمي، ليست هنالك أسس اقتصادية ولا ثقافية، هو مبني على كراهية، على عاطفة «إنو الشماليين ما كويسين بس». مثل عاطفة جماعة الطيب مصطفى المجردة من العلمية، وليس لديهم أسباب علمية واقتصادية معروفة تجعل من الانفصال خيارهم، سوى أنهم يكرهون الجنوبيين. وهذه الكراهية أسست عليها حكومة الجنوب أيضاً في أجهزتها الاعلامية، كان هنالك خطاب عاطفي موجه أيام حملة الاستفتاء «الشماليين عملوا كده، العرب سووا»، ولم يكن هنالك أي خطاب مبني على أسس علمية ، يعني مثلاً ما حدث في جنوب أفريقيا أسوأ مما حدث في جنوب السودان، وما حدث في أمريكا بين البيض والسود أشد سوءا، لكن في النهاية هم يعيشون مع بعضهم الآن، لا يمكن أن يفصل البلد على أسس عاطفية، لانها شعور قابل للزوال. كما أن العاطفة لا يمكن أن تقف عند هذا الحد ويمكن أن تؤدي إلى تقسيم الجنوب نفسه، بان يقول الباريا مثلاً أنهم لا يريدون الدينكا ويقول الدينكا أنهم لا يريدون النوير، هذا موضوع طويل، المنطق عكس ذلك تماماً.
*لديك رأي معروف في التوقيت، الذي تم فيه استفتاء تقرير المصير، لكونه تم تحت ظل نظام ديكتاتوري، هل تريد أن تقول بانه لو تم في ظل نظام منتخب لما توصلنا إلى مثل هذا اليوم؟
لا ليس بالضرورة أن تكون النتيجة مختلفة، لكن نحن نقول بان الظروف الديمقراطية تمكن الناس من معرفة حجمهم الحقيقي، الانفصاليون والوحدويون، جميعهم يمكن أن يعرف كل طرف عندها مقدرته على العمل السياسي، ويعطينا إحصائية حقيقية عن هذا الأمر، فالمهم ليس النتيجة ولكن هذه الاحصائية الحقيقية، لانه من الصعب أن يصوت شعب الجنوب في ظل ظروف ديمقراطية بما يقارب التسعة والتسعين بالمائة للانفصال، من الصعب أن يتم هذا في عالم اليوم، ولم يكن من الممكن التوصل إلى مثل هذه النتيجة إذا كان الاستفتاء حرا وشفافا وديمقراطيا. لذلك كان يجب أن تتوافر الظروف المواتية لهذا حتى نحصل على نتيجة مقنعة وحقيقية. ولا أقول بان نتيجة الانفصال غير مقنعة، قد يحصل الانفصاليون على أغلبية، وقد تكون الغلبة للوحدويين، لكن الظروف لم تكن مواتية.
*وكيف يبدو لك مستقبل دولتي السودان الجارتين، إذا نظرنا لمستقبل كل دولة على حدا؟
بالنسبة للجنوب، الآن هنالك جماهير توافدت لوطنها من أماكن مختلفة في العالم، من أوروبا والدول العربية وأفريقيا، للإسهام في تنمية وطنهم، وهم قادمون بحماس كبير لبناء دولتهم. هذه نقطة مهمة، بالاضافة إلى أن بالجنوب إمكانات ممتازة في الزراعة والمعادن والبترول. نريد أن تكون هنالك حكومة مسؤولة لاستغلال القوى البشرية والموارد الطبيعية لقيادة البلد للامام، وذلك عبر انتهاج الشفافية وحكومة قاعدة عريضة، يشارك فيها الجميع، لان الجنوب في هذا الوقت، من الصعب أن يحكم عبر حزب واحد. وعلى حكومة الجنوب أن تتوصل لحل مع المتمردين وأن يجد حلولا للمشكلات القبيلة الكثيرة، هذه القضايا لابد أن تحل في أسرع فرصة ممكنة، عبر الحوار. أما بالنسبة للشمال فالمشكلة المعروفة هي نظام الحكم والديمقراطية، لان حكومة البشير هذه حكومة حزب واحد، والموضوع المهم هو كيف يحكم الشمال وهي القضية التي ظللنا نتحدث عنها منذ الاستقلال، والوضع في الشمال الآن هو وضع جديد، يمكن أن نقول بان الشمال الآن دولة جديدة قديمة، تتطلب ترتيبات جديدة ومختلفة عبر إشراك الناس في حكم بلادهم، ولا نريد أن يتعرض الشمال للمشكلات، التي تعرضت لها البلدان الاخرى، لانهم أناس مدركون وواعون، يمكنهم أن يتوصلوا لاتفاق في بلدهم. وفي الجنوب الناس يطمحون في حكومة ذات قاعدة عريضة، وهو ليس طموح الجنوبيين وأصدقائهم.
*كوحدوي تعرض لمضايقات الانفصاليين، اليوم يتلاشى أمل الوحدة باعلان الانفصال، هل ما زلت تأمل في وحدة مستقبلية يجد فيها السودانيون بعضهم بعضا؟
طبعاً المستقبل غير معروف، يمكن أن تكون هنالك علاقة طيبة بين الدولتين، وأن تكون هنالك وحدة بطريقة مختلفة، بوجود نظام وحدة عبر الكونفدرالية، وعلاقة ودية، حسب الاوضاع المستقبلية، يمكن أن يحدث هذا طبعاً، بوجود حكومة ديمقراطية في الشمال والجنوب، وأن نلتقي مع بعضنا، ليس هنالك مستحيل في السياسة، يمكن أن نحقق هذا عبر اتفاقات ثنائية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.