كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من وأد مبادرة النميري مع الشيخ زايد؟!
إبراهيم منعم منصور يكشف خبايا الفرص الضائعة للوحدة الوطنية
نشر في الصحافة يوم 25 - 07 - 2011

حصلت «الصحافة» على مذكرة أعدها وزير المالية الأسبق إبراهيم منعم منصور بناءً على طلب من الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، عقب اتصالات أجراها في عام 9991م مع رئيس دولة الإمارات العربية الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، وكانت تلك الاتصالات ترمي إلى تحقيق مصالحة وطنية في البلاد برعاية ودعم عربيين.
وبناءً على ذلك طلب إبراهيم منعم منصور لقاءً مع الرئيس عمر البشير، وأعد مذكرة تحوي مقترحات وأفكاراً، غير أن لقاءه مع البشير لم يتم، كما سيروي بنفسه، وكانت هذه واحدة من الفرص الضائعة في سبيل الوحدة الوطنية والوفاق الشامل.
قصة المذكرة
٭ زارني في إحدى الأمسيات الأخ الصديق فؤاد أحمد مكي عبده، واخبرني ان الرئيس نميري طلب منه رقم تلفوني، ويريد أن يحادثني في أمر مهم، بعد قليل تحدث الرئيس وقال انه يجلس الآن مع سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في ابو ظبي، ويريد مني أن أذهب مع فؤاد الى الدكتور حسن الترابي وابلغه الآتي:
قابل سمو الشيخ زايد الرئيس عمر حسن أحمد الشير مرتين في مروره الى الشرق الأقصى، وابلغه رغبته في أن تتصالح القوى السياسية السودانية حكومة وأحزاباً، وفي كل مرة يعده خيراً، وأنه سيدعو كل المعارضين لمصالحة. غير أن ذلك لم يحدث. ويخشى سموه أن يكون الشخص الذي يعترض على المصالحة هو الدكتور الترابي.
لذلك يود سمو الشيخ أن يعرف على وجه التحديد رأي الدكتور الترابي.
اذا كان معترضاً يرجو ذكر الاسباب التي يمكن للجميع ان يعملوا على تذليلها.
وإذا لم يكن لديه مانع سيدعو سموه الجميع الى ابو ظبي لتتم مصالحة تحت رعايته، ويدعو معه الرئيس حسني مبارك.
ذهبنا إلى المنزل في المنشية، وكانت الساعة تقارب الحادية عشرة ليلاً، واستقبلنا بحفاوة ولحسن الحظ لم يكن في صالونه إلا شخص واحد يرتدي جلابية، وبدا لنا أنه من «الحرس».
كان رأي الدكتور الترابي كما حفرته في الذاكرة نسبة لأهمية الأمر ومكانة الرئيسين هو أن أنقل إليهما:
نحن بدأنا حركة طلاب ومن الصفر وعشنا في كنف الأحزاب السياسية الحالية، وشقت الحركة طريقها وسط كل المجتمع السوداني دون أن يقوم أى حزب حتى الحزب الشيوعي بطلب عزلها عن الحياة السياسية.
وهو أي الدكتور الترابي يرحب بالمصالحة مع كل القوى السياسية السودانية وبرعاية سمو الشيخ زايد وبحضور القوى السياسية والتنظيمات العالمية في مراحل لاحقة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ليشهدوا جميعاً على مصالحة سودانية كاملة.
وأرجو أن تبلغوا ذلك بكل وضوح للرئيس نميري لينقله للشيخ زايد. ونحن نهم بالمغادرة تدخل الشخص الجالس عن بعد وقال: يا دكتور توافق كيف. ألم تشهد أنه بعد 61 سنة من حكم مايو عادت الاحزاب اقوى مما كانت.
رد عليه الدكتور: يا أخي مايو لم تكن حزباً وإنما تجمع لكيانات ذهب كل منها لحاله عندما سقطت. ويجب ألا تخشوا العمل السياسي وسط هذه الأحزاب، فنحن بدأنا كما قلت حركة طلابية ومن الصفر، وعملنا وسطها ووصلنا في انتخابات حرة إلى المركز الثالث، وبعدد من النواب قارب عدد نواب الحزب الاتحادي الذي قاد البلاد للاستقلال.
مرة أخرى تدخل الشخص المذكور، محذراً من أن في ذلك خطورة على مكتسبات الحركة الإسلامية.
وفي انفعال رد الدكتور: خايفين من شنو. حارسنكم بالجيش عشر سنوات، وغرسنا القيم الإسلامية في المجتمع. وبعد كل هذا تخشون المنافسة، حتى لو عدنا الحزب الثالث، لكن لماذا لا نكون الثاني أو الأول، تصوروا دا نائب مدير جامعة.
وفي الختام أكد الدكتور الترابي ترحيبه، ولما سألته من أين تأتي المعارضة رد في ثقة أن بعض إخواننا استمرأوا الحكم ووضعوا رؤوسهم مع العسكر، ويريدون الاستمرار في السلطة، وطبعاً هذا مما يرضي العسكر، المعارضة ليست مني.
محادثة الرئيس نميري وحديث الدكتور الترابي ملآ نفسي بالأمل، وجعلاني استعيد أيام المصالحة الأولى ولماذا لا أخاطب رأس الدولة السودانية في هذا لأمر بعد أن أتحسس آراء بعض القياديين من الأحزاب. وقد كانت آراؤهم كلها إيجابية، فقمت بصياغة المذكرة وحرصت على أن تكون صريحة مع السلطة حتى لا اتهم بأنني قد أوحي إلىَّ بكتابتها. ووجدت لحسن الحظ من أوصلها للرئيس عمر وأمسك عن اسمه الآن حتى حين.
ردود الافعال: «1»
٭ وصلني مباشرة من الرئيس وقد كان يهم بالخروج من مأتم والدة محمد الأمين خليفة، انه طلب من بكري حسن صالح ومحمد آدم اسماعيل مدير مكتبه وقابلني لاستجلاء بعض النقاط. واخبرته انه لم يتصل بي أحد. وكان يسير معه الدكتور غازي صلاح الدين مودعاً، ثم عاد دكتور غازي وسلمني بطاقة بها رقم تلفونه الخاص. وطلب مني إنه إذا لم يتصل بي أحد حتى مساء الغد «الخميس» أن أبلغه ذلك تلفونياً.
نهار الخميس اتصل شخص من مراسم الرئاسة وأخبرني أن الرئيس حدد لي موعداً في الساعة السابعة من مساء السبت في منزله.
في السادسة مساء السبت اتصل بي شخص آخر من المراسم، وقال إن السكرتير الصحفي للرئيس «الصادق الفقيه كما عملت فيما بعد» كان مشغولاً في الصباح مع زوجته التي كانت على وشك الولادة، ونسي أن يخبرهم بالموعد، وتم ترتيب لقاء لوفد اجنبي في الموعد الذي كان محدداً لي. ولما كانت المقابلة بالمنزل وليست بالمكتب، فيصعب دعوتي للانتظار حتى خروج الوفد، الامر الذي يتطلب تحديد موعد لي في يوم آخر. وشكرت المتحدث واخبرته انني بدأت حياتي العملية «سكرتير وزير» واعرف جيداً أمثال هذه الاعذار فالرئيس سوف لا يقابلني، وانتم سوف لا تحددون موعداً جديداً وقد كان. وبعد عدة شهور كنت في زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة، واستقبلني في المطار السيد محيي الدين سالم السفير ورأيت أنه استقبل معي ايضاً شخصاً آخر مع زوجته وأطفاله. وقدمه لي بأنه «الصادق الفقيه» السكرتير الصحفي للرئيس. ولما لم ألحظ طفلاً حديث الولادة مع الزوجة، سألته اذا كان الصغير الذي يجري أمامنا قد وصل هذه المرحلة في شهور. وضحكنا وصرنا اكثر صراحة مع بعض فيما بعد وفهم إشارتي. وعلمت ان الاعتراض جاء من علي وعلي. احدهما الآن في قيادة المؤتمر الوطني والثاني في قيادة المؤتمر الشعبي. كما علمت ان احد القياديين قال: لا داعي لأن يقابله الرئيس فهو «فرد» ليس وراءه حزب او تنظيم.
ردود الأفعال «2» الأحزاب:
٭ ترحيب من الاتحادي الديمقراطي نقله المرحوم الحاج مضوي محمد أحمد، وانهم سيبلغون ذلك لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني رغم تصريحه الشهير: سلم تسلم.
ترحيب مماثل من مولانا الصادق عبد الله عبد الماجد مع دعاء ربنا يلين قلوب حكامنا.
ترحيب من الحزب الشيوعي السوداني نقله المرحوم محمد محجوب.
ترحيب نقله وفد مكون من المهندس آدم مادبو اللواء فضل الله برمة والدكتور علي حسن تاج الدين الذي أبلغني أنهم سينقلون ذلك للسيد الصادق المهدي الموجود آنذاك في مصر، وسوف يستقبلني متى وصلتها.
ترحيب من مولانا السيد أبيل ألير الذي أبلغني أنه سيترجم المذكرة الى اللغة الانجليزية، ويناقشها مع بعض القيادات الجنوبية، ويبلغون موافقتهم للدكتور جون قرنق، ويطلبون منه أن يحضر الاجتماع في أبو ظبي.
أرسلت المذكرة الى السيد احمد ابراهيم دريج ولم يصلني رأيه وبالمثل السيد يوسف كوة.
قابلت السيد الصادق المهدي في مكتبه بالقاهرة ولم يستغرق اللقاء بما في ذلك كوب شاي اكثر من عشرين دقيقة، اكد لي اثناءه انهم ملتزمون بمقررات «أسمرا» في عدم المصالحة مع النظام من حيث المبدأ، ولا يرى داعياً للجلوس مع قيادته والتفاوض معها. وان «الإخوان» في الخرطوم: مادبو برمة علي تاج الدين» على علم بهذا الموقف. وشكرته، وعند عودتي للخرطوم تعجب «الإخوان من موقف الرئيس، وانهم لا بد أن يراجعوه.
يبدو أن «المراجعة» قد تمت لأنه وفي لقاء جمع الرئيس عمر ودكتور مصطفى عثمان إسماعيل من قبل الحكومة، والسيد الصادق والسيد مبارك الفاضل المهدي من قبل حزب الأمة، تمت مفاوضات وجلسات وأصدروا «نداء الوطن» بديلاً «لنداء الخرطوم» الذي تقدمت به، واقتبسوا ولا أقول وصفاً آخر يحرج الجميع، كل النقاط الأساسية عن المقترحات التي تقدمت بها. ولما كانت مقترحاتي لم تنشر بناءً على رغبة من الرئيس عمر نقلاً عن الشخص الذي سلمه المذكرة، فإن الشعب السوداني لم يلحظ التشابه والنقل. وعلقت وقتها أنه إذا كانت هناك «حقوق ملكية فكرية» لرفعت الأمر للمحكمة. وحتى يبدو «نداء الوطن» صناعة صادقية، وصفه بأنه ذهب إلى جيبوتي ليصطاد «فأراً فاصطاد فيلاً»، ومع الأيام لم يظهر الفيل.
الفرص الضائعة:
في ذلك الوقت لم تظهر مبادرة «الايقاد»، وكانت المنظمة منطوية على نفسها باغراضها التي نشأت من اجلها والخاصة بالتنمية، ولم تقتحم في ميدان السياسة الذي اشتهرت به فيما بعد وحتى الآن. وكان الخلاف والتحارب سودانياً بين الحكومة والمعارضة بما فيها الحركة الشعبية. ولم تتدخل فيها دول: لا شرقية ولا غربية سوى الدعم بالمال والعتاد الذي تلقاه جون قرنق من القذافي قبل قيام حكومة الإنقاذ. وكان من الممكن لو التقى الجميع في ابو ظبي تحت رعاية سمو الشيخ زايد وفخامة الرئيس حسني «رغم المرارة التي كان يحس بها إثر حادث محاولة اغتياله» كان من الممكن أن يتوصل الجميع إلى حل سوداني يكون في أكثر حالاته تطرفاً «حكماً كونفدرالياً» كما اقترحه دكتور جون قرنق بعد ذلك بسنوات في نيفاشا ورفضته حكومة الإنقاذ. وبالطبع كان من الممكن إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح: قتلاً وجوعاً ومئات الآلاف تشرداً ونزوحاً وسلامة أبدان من البتر والتشوه. وكان من الممكن إيقاف الدمار في البنيات الاساسية والمزارع والمراعي والثروة. بل وكان من المؤكد تدفق عدة مليارات من الدولارات من دولة الإمارات العربية المتحدة وستتبعها رصيفاتها من الدول العربية، ولتغير وجه السودان سلاماً ونماءً ومحبةً.
لم اتصل بأحد في «المؤتمر الوطني» وقد كان وقتها حزباً موحداً. واكتفيت بالرأي الذي أبداه الدكتور حسن الترابي قبل كتابة المذكرة، باعتباره زعيم التنظيم وقد كان كذلك بالفعل. ولذلك وجهت المذكرة الى رئيس الدولة، وذكرت ضمن الشخصيات التي يدعوها للحوار الدكتور الترابي.
في إحدى الأمسيات زارني في داري الاخ الصديق السيد أحمد عبد الرحمن محمد وزياراته عادية دون بروتكول، وتجد مني دوما حتى الآن كل التقدير. وكان معي المرحوم طه الروبي. وقال لي الاخ السيد احمد انه كان في زيارة للقصر الجمهوري، ووجد عند احد «اولادنا» مذكرة موجهة مني للرئيس عمر. وعند قراءتها رأى أن يقابلني بحكم العلاقة الاخوية، وينصحني بأن مثل هذه المذكرة كان يجب أن توجه الى قيادة الحركة الاسلامية الى الدكتور حسن الترابي. لأنها في مثل هذا الموقف ستجد الاهتمام الذي يليق بمحتوياتها.
لم أوافقه الرأي، وقلت إن الدكتور الترابي رئيس عمر البشير في التنظيم، ولكن رئيسي أنا في الوطن هو عمر البشير رئيس الجمهورية. وله إذا أراد أن يناقشها مع رئيسه ومرؤوسيه فهذا شأنه هو. فهو رئيس الجمهورية ورئيس القوات المسلحة بصفته القائد الأعلى والقائد الأعلى للشرطة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، وباختصار رئيس لجميع من يرتدي زياً حتى الكشافة والمرشدات. كما هو رئيس كل من يسير بزي مدني.
٭ أكد لي الأخ أحمد أنه قصد فقط أن يجعلني أسلك الطريق الذي يحقق الأهداف التي حوتها المذكرة. وهي نصيحة صادقة لأن الذي يمتلك زمام الأمور ليس هو رئيس الجمهورية.
استمر الجدل بيننا إلى أن قلت له بانفعال: يا اخ احمد نصيحة مني ايضا، احسن أن يعطي الجماعة هذا الرجل مكانته فهو «جعلي» واذا غضب لا يمكن التنبؤ بما يحدث كما أنه «عسكري» وفي العساكر ضابط مظلات. وفوق هذا وذاك هو الشخص الذي وضع رأسه في كفه واقتحم القيادة واستلم البلد من حكومة ديمقراطية منتخبة، وليس من عسكري مثله قفز إلى الحكم بانقلاب. وقام «المرحوم» طه الروبي بتغيير الموضوع وانخرطنا في حديث آخر.
فخامة السيد/ الرئيس الفريق عمر حسن أحمد البشير
رئيس الجمهورية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ورمضان كريم.
مقدمة:
٭ أقدم لسيادتكم هذه المذكرة استجابة لواجب المواطنة والمسؤولية، ولعلكم توافقونني أن المسؤولية ليست بالوظيفة الرسمية وحدها.
كما شجعني عليها ما ورد في الصحف الخميس 8 يناير 9991 بأنكم ترحبون بالحوار.
لقد تسلمتم مقاليد هذه البلاد باسم هيئة القيادة لقوات الشعب المسلحة، وهى مؤسسة قومية ثم تسلمتم رئاسة الجمهورية باسم الشعب كله، وأصبحتم مسؤولين أمام الله والوطن عن كل الناس: من شارك ومن لم يشارك ومن قال نعم او قال لا.
انني بهذه المذكرة أود أن أناصح لعلمي أن الانكباب على العمل العام يحجب أحياناً العديد من المسائل التي قد يراها بوضوح أكثر من هم خارج السلطة، ولعلكم توافقونني ان ما يجري على الساحة السودانية قد وصل حداً ويصعب تحمله على الوطن، وصار ناراً وقودها المواطن العادي الذي صار ضحية للحرب الحامية والباردة بين السياسيين والاشقاء السودانيين، وقد انعكس كل ذلك على وحدة البلاد وأمنها القومي وعلى معيشة المواطن وفي صحته وفي أخلاقياته وفي نسيج الأسرة وفي كيان المجتمع وفي المعاملات الداخلية وفي علاقات الغير الخارجية سواء في التعامل التجاري او المالي او الخدمات او العلاج او الدراسة وفي مجرد حمل الجواز السوداني خارج الحدود، ولا أكون مبالغاً اذا قلت ان السبب الرئيسي هو ان الإنقاذ اصبحت أسيرة رؤية احادية لمشكلات متشابكة في دولة كل ما فيها كما تعلمون متعدد.
لقد كان لي شرف المشاركة في عام 6791 في بدايات المصالحة الوطنية بين ثورة مايو والجبهة الوطنية: تلك المصالحة التي أكملها باقتدار الأخ السيد فتح الرحمن البشير. وأرى أنه آن الأوان أن يفكر الجميع وعلى رأسهم سيادتكم في مخرج لوطن بالنظر الى آراء الآخرين بدرجة أكبر مما حدث حتى الآن، خاصة انه قد ظهرت عدة مبادرات من القوى السياسية المعارضة ومن مواطنين حادبين على البلاد بل ومن بعض الزعماء العرب، ولكنها لم تصل الى الغارية المنشودة، ورغم ان المسؤولية في تقديري تقع على جميع السودانيين حكاماً ومحكومين، إلا أن كلمة الحق تقضي بالقول بأن المبادرات في مثل هذه الحالات بالذات تأتي من الحكومات وليس من المعارضة، وبالطبع لا يعتبر الدستور ولا قانون التوالي السياسي مبادرات للوفاق، لأنهما يمثلان وثيقتين حسمتا أمر الحكم من وجهة نظر الحكومة. بل أن الحكومة لم تصدر حتى الآن أية مبادرة، والتقدم بالمبادرات دليل قوة وليس بمؤشر ضعف.
السيد الرئيس: باعتراف الجميع فإن كوادر الجبهة القومية الإسلامية السابقة ساندت الإنقاذ في بدايتها وعلى طول مسارها، كما لم يعد خافياً أن تلك الكوادر استولت تدريجياً على مقاليد الأمور في الدولة والحياة العامة وهذا طبيعي.. لكن ليس على الطبيعي كل أو جل المواقع، خاصة بعد أن تقدمتم للاستفتاء للجميع، والذين قالوا كلمتهم ليسوا هم جماهير الجبهة فقط. غير أن ما يشكل التساؤل وعدم الرضاء هو إبعاد الكوادر القومية عن مواقع العمل العامة، وقد كان الابعاد والتعيين بقرارات جمهورية تحمل توقيع سيادتكم. كما أن التحكم في العمل العام قاد الى جنوح الغالبية من تلك العناصر الى بسط سيطرتها على الحياة العامة، مما أدى إلى تمييز غير عادل في نظر المواطنين يشعر به المواطن في كل خطواته، وسواء صح هذا الشعور او لم يصح فإن العدالة كما تعلم سيادتكم إحساس حتى صار بعضهم يتندر بألم بأنه لا يعمل لأنه ليس لديه كفيل من عناصر الجبهة، ومن جهة اخرى وانا انقل احساس المواطن العادي، فإن كل الذي يحدث يتم تحت حماية الجيش القومي لفئة على حساب الآخرين، وقد خلق هذا الأمر مرارات اجتماعية بالشمال، اضافة الى المرارات الانسانية بالجنوب.. وأخشى أن تمتد مرارات المواطن نحو الجيش القومي.
السيد الرئيس: أقدم لكم مقترحات بكل الإخلاص والتجرد والصدق، خاصة أنكم تتولون الآن المسؤولية وحدكم بعد حل مجلس قيادة الثورة، وابتعاد كل زملائكم في المجلس عن موضع القرار والمسؤولية وخاصة أنكم تسعون كما طالعتنا الصحف للوفاق بين طالبان وإيران وخاصة أن امامكم فرصة لا تتكرر من سمو الشيخ زايد بن سلطان الزعيم العربي المتجرد، وأخرى من فخامة الرئيس محمد حسني مبارك الجار العربي المخلص.
مقترحات مشروع الوفاق السوداني
أولاً: أن يتصل سيادتكم شخصياً بكل من كل سمو الشيخ زايد وفخامة الرئيس مبارك، بأنكم على استعداد للدخول في حوار مع المعارضة لمبادرة سمو الشيخ زايد وتصريحات الرئيس مبارك وبرعاية مشتركة منهما للوصول خلال فترة انتقالية وبترتيبات انتقالية إلى حل نهائي للمشكل السياسي السوداني.. ويقيني انهما سيوافقان بل سيرحبان.
ثانياً: بمجرد الحصول على موافقتهما يوفد سيادتكم مندوباً لرئاسة التجمع بالخارج، وآخر يلتقي بالقوى السياسية بالداخل لابلاغهم الامر.
ثالثاً: يصدر سيادتكم بوصفكم رئيساً للجمهورية (اعلان الخرطوم) لكل قيادات السودانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية لحضور مؤتمر جامع للتفاكر حول مشاكل الوطن والوصول الى حلول لها دون شروط مسبقة من أى طرف، وأرى ان توجه الدعوة للآتية أسماؤهم وفق الحروف الابجدية:
السيد أبيل الير السيد احمد ابراهيم دريج السيد بدر الدين مدثر السيد الدكتور حسن عبد الله الترابي المشير جعفر محمد نميري الفريق جوزيف لاقو العقيد جون قرنق السيد الدكتور رياك مشار السيد زين العابدين الشريف الهندي العميد عبد العزيز خالد الأستاذ غازي سليمان السيد صادق عبد الله عبد الماجد السيد الصادق المهدي الأستاذ الدكتور لام أكول السيد محمد إبراهيم نقد السيد محمد شنقراي السيد محمد عثمان الميرغني السيد يوسف كوة.
رابعاً: يشمل الإعلان الاعتراف كأمر واقع بالاحزاب السياسية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية السابقة، وكذلك بالحركة الشعبية بقيادة العقيد جون قرنق، وكذلك بكل الكيانات السياسية المعروفة التي ظهرت دون عزل، فهذه الأحزاب والكيانات واقع ملموس في الحياة السياسية السودانية، مهما تحدثنا عن وضعها القانوني، ومهما تحدثنا عن حدة الخلافات السياسية والعسكرية معها. فلولا اعتراف من المسلمين بالمشركين لنا تم صلح الحديبية، ولولا اعتراف ثورة مايو بحركة الأنيانيا لما وقعت اتفاقية أديس أبابا، وبالمثل فلولا اعتراف ثورة مايو بالجبهة الوطنية لما تمت المصالحة الوطنية، ولنا في اعتراف حكومة المملكة المتحدة بالأحزاب الجمهورية وأجنحتها العسكرية في إيرلندا الشمالية مثال للواقعية السياسية الراشدة، وفي كل هذه الحالات كانت المبادرات من الحكومات.
خامساً: أن يصدر سيادتكم عفواً شاملاً عن الجميع وأن يضمن سيادتكم شخصياً أمان كل المشاركين، أماناً يشمل أشخاصهم وأسرهم وممتلكاتهم ولا يتعرضون لأية مضايقات علنية أو سرية من أى جهاز بالدولة او من وسائل اعلامها المختلفة.
سادساً: يشمل الإعلان تحديد مقر (المؤتمر)، وارى ان يكون بالقصر الجمهوري إذا ما عقد بالخرطوم.
سابعاً: يتم تعيين أمين عام وسكرتارية، وان يكونوا جميعاً: الأمين العام والسكرتارية من شخصيات غير حزبية، وتحدد لجهاز السكرتارية ميزانية تحت تصرف الامين العام وبإشراف سيادتكم.
ثامناً: السعي لأن تبدأ جلسات المؤتمر اولاً في ابو ظبي لاسباب تتعلق برعاية سمو الشيخ زايد وفخامة الرئيس مبارك= ولدواعي السرية وهواجس الأمن التي تكون لبعض المشاركين، ثم ينتقل بعدها للخرطوم اذا رأى المشاركون ذلك.
تاسعاً: يحث الاعلان على ان تحضر جلسات المؤتمر القيادات التي ذكرت بالاسم مع احترامنا لرجالات الصف الثاني إذ ان بعضهم قد لا يستطيع اتخاذ القرارات المصيرية، غير ان هذا لا يمنع ان يحضر مستشارون او معاونون للسادة المشاركين من مؤيديهم سواء الذين بالداخل أو الخارج.
عاشراً: يسمح الإعلان لمراقبين من الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية ودول الإيقاد والأمم المتحدة والمجموعة الاوروبية بل الولايات المتحدة، يسمح لهم بالحضور في مرحلة او مراحل يحددها المؤتمرون: سيادتكم والمشاركون.
حادي عشر: يصدر سيادتكم وكذلك المشاركون في اول جلسة، التزاماً متبادلاً بقبول مقررات المؤتمر.
ثاني عشر: يصدر المشاركون في اول جلسة التزاماً بأن يشمل اي اتفاق يتم التوصل اليه بقبول سيادتكم للبلاد خلال الفترة الانتقالية التي يتم التوصل اليها، والتي لا تقل بحال عن بقية فترة رئاستكم وتشارككم خلال تلك الفترة الانتقالية حكومة قومية من شخصيات مقبولة للمشاركين ولكم: على وجه العموم.
ثالث عشر: تكون المهام الأساسية للحكومة الانتقالية:
1/ السلام والعلاقة بين شطري البلاد.
2/ إعادة القومية لكافة مؤسسات الدولة ومرافقها المدنية والعسكرية، ولا يعني هذا عزل العناصر المقتدرة من أى اتجاه وتتولى الآن مواقع قيادية.
3/ إصلاح العلاقات مع دول الجوار والمجتمع الدولي.
4/ وضع برنامج إسعافي اقتصادي واجتماعي لكافة المناطق التي تأثرت بالحروب، وإعادة توطين النازحين واللاجئين خارج السودان مع البدء جنباً الى جنب في وضع برنامج للاصلاح الاقتصادي.
5/ إنهاء كل أسباب مظاهر التناحر الجهوي والقبلي والأمني في مختلف أنحاء السودان.
6/ وضع سجل قومي عام بعد إعادة توطين كل النازحين واللاجئين في كافة أنحاء البلاد.
7/ وضع قانون جديد لإجراء انتخابات عامة تحت إشراف قضائي (وإقليمي ودولي: وهو ما أيده السيد النائب العام في الصحف باعتباره قبولاً لتحدي الحيدة)، ويكون هذا الإشراف من مرحلة التسجيل والطعون والتصويت والفرز وإعلان النتيجة، أسوة بما حدث في عدة بلدان ذات ظروف مشابهة.
الخاتمة:
٭ السيد الرئيس: ما قدمته انطلق فيه كما ذكرت من تجربة سابقة ومن واقع المواطنة والمسؤولية، وكما ذكرت أيضاً فإن المبادرات في هذه المواقف تأتي من ولي الأمر، وأعتقد أنك لا تريد كما لا نريد لبلادنا أن تعيش مهددات التقسيم كالصومال والعراق ودول شرق أوربا ولا للمواطن أن يرزح أكثر مما عانى تحت شعار الابتلاء، إذ أن عام الرمادة كان عاماً واحداً، وسنوات شعب مكة كانت ثلاثاً، وأعوام يوسف كانت سبعة.. ولا أزيد.. وهناك ما لا يكتب في مثل هذه الحالات كما يعلم سيادتكم. وإذا اتفقتم معي في بعض او كل المقدمة او في بعض او كل الخاتمة او لم تتفقوا: آمل أن تجد المقترحات عنايةً منكم، ذلك أن مجرد صدور الدعوة منكم يؤكد رغبتكم في الحوار وفي الوفاق، بصفتكم المسؤول الأول عن البلاد والعباد.. وعن الجيش. كما أنها تبرئ ذمتكم أمام الله والناس والمجتمع الدولي. واذا كان من نتائجها إحياء روح واحدة فكأنما أحييت الناس جميعاً.
نسأل الله التوفيق لكم ولنا وللجميع.
المخلص
ابراهيم منعم منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.