النقوش التي رسمت علي جدران اهرامات البجراوية تعكس مكانة المرأة في مملكة مروي وعظمتها ، حيث تظهر النقوش الملكات وهن في كامل زينتهن ، فصاحبة الهرم رقم «6» في سلسلة اهرامات البجراوية هي اشهر ملكات مروي ، الملكة اماني شيختوا ،ويعد اجمل الاهرامات حيث بلغ عدد درجاته 64 درجا، وارتفاعه نحو 30 مترا، كما يكشف مشهد جمالي للملكة اماني شيختوا بالهرم رقم 11 الثراء الذي كانت تعيش فيه الملكة ، وقد وقفت بكامل زينتها، ولكن في وضع حربي وهي تمسك بيدها اليسرى مجموعة أسرى وتحمل اسلحة بيدها اليمنى، وفي مشهد آخر ترتدي كامل زينتها وعلى رأسها التاج الملكي وعليه رأس كبش للاله امون ، بينما تمسك بيدها اليسرى حبلا ينتهي بمجموعة من الاسرى المربوطين ، وبحسب المؤرخين ان اعظم الاعمال الحربية والمعمارية تركتها الملكة اماني شيختوا في ذكرى انتصارها على الجيش الروماني عند اسوان، وقد غنمت منهم رأس الامبراطور اغسطس والذي كان الجنود الرومان يحملونه معهم اثناء حروبهم. وقد خلدت هذا الانتصار باقامة معبد لها داخل مدينة مروي، ووضعت رأس الامبراطور تحت سلالم المعبد عند موطئ قدمها عند صعودها درج المعبد. بذات العظمة خلفتها ابنتها الملكة اماني تيري التي تولت الحكم بعد وفاتها ، وقد شكلت مع زوجها الملك نتكاماني ثنائيا متكاملا في الحرب والسلم، واهتما بالمنشآت العمرانية والحربية والدينية والمدنية، وقد قاما باعادة ترميم وصيانة معبد آمون بمروي، وكذلك قاما بتشييد العديد من المعابد مثل معبد الاسد ومعبد آمون، والمشاهد التي خلفتها الملكة اماني تيري وهي تلبس زيا حربيا مع زينتها وتمسك بيدها اليسرى سيفا مرفوعا لاعلى، وبيدها اليمنى تقبض على الاعداء بينما في الاسفل مشهد لمجموعة من الاسرى مقيدين الى الخلف، وتظهر الملكة في كافة جدران المعبد، وهناك الكثير من «الكنداكات » حفرن التاريخ علي الجدران مثل الملكة اماني ريناس ،و اماني خابالي ، اماني خادشان ، واماني كليكه . ويقول المؤرخون ان من ملامح تلك الحقبة التاريخية التي وجدت فيها المرأة موقعا مميزا في تاريخ السودان القديم ، انها كانت تمثل دلالة في شكل ونظم الحكم وادارة الدولة ، وقد كان مظهر المرأة الممتلئة دلالة علي الثراء والقوة فكانت الملكات بدينات كما تظهر النقوش ولم يبق من تلك الفترة النسائية العظيمة الا تلك الملامح كرمز جمالي عرفت به السودانيات . وربما استعاد التاريخ شيئا من ذاكرته في تلك اللحظات عندما وطأت اقدام النساء المغتربات ارض البجراوية ، وهن قادمات من كل انحاء العالم حتي بلاد الرومان التي جئ منها برأس تمثال اغسطس ملك الرومان تحت درج معبد اماني شيختوا والتي تجولت النساء المغتربات علي مقربة منه ، وسمع التمثال حسيس اقدامهن علي الارض فلا تزال هناك فصول لنساء السودان في قصة الثروة والسلطة بدت واضحة ، فهن لم يختلفن كثيرا عن جداتهن من حيث الرمز والطموح ، وربما وضع اولئك النساء انفسهن في تحد اخر عندما قدمن مبادرة تسهم في استقطاب استثمارات من كل انحاء العالم وقد تسهم في النمو الاقتصادي في البلاد ، فهل تقدر الحفيدات علي فعل ماصنعته الجدات ؟ وكانت هذه الزيارة هي جزء من مؤتمر اقامه جهاز المغتربين للنساء السودانيات في المهجر، تحدثن فيه عن كل شئ ،عن السياسة والاقتصاد والمجتمع ومشاكل ابنائهن في الغربة وموقفهن من الهوية السودانية ولكن ماغاب عن ذلك المؤتمر هو وجود بسطاء المغتربين والذين يمثلون السواد الاعظم للمغتربين السودانيين ومشاكلهم وهمومهم وكيفية حلها ، وهذا المؤتمر لم يكن الاول من نوعه الذي يجمع نخبة من المغتربات فهو التاسع ، ويقترب ذلك الشئ من مقولة قالها البرت انشتاين في وصفه للجنون عندما قال عنه «هو ان تكرر فعل الشئ نفسه لعدة مرات والا تتوقع ان تحصل علي نفس النتيجة » فهل يمارس جهاز المغتربين الجنون ؟ ام انه الجنون الي حد العبقرية ؟ كانت الزيارة ممتعة يسودها جو من الالفة ، كعادة النساء السودانيات دوماً ، وضحكات هنا وهناك تكسر رتابة الطريق الا ان جمال تلك الرحلة كان في مشاهدات بامتداد الفيافي والجبال الراسيات من شندي الي كدباس الشيخ الجعلي وارض الروحانيات الممتدة مابين الارض والسماء . وخلال هذه الزيارة عرضت الولاية مجموعة من النماذج لمشروعات استثمارية ، منها مزارع ومصانع شكلت خطوط استثمارات جديدة علي وجه المنطقة وتمثل نماذج يمكن الاهتداء بها للراغبين من اصحاب الاموال ، وفي حاضرة الولاية الدامر قال والي الولاية الفريق الهادي عبدالله انهم سيستوعبون كل المشاريع الوافدة من الخارج في مختلف القطاعات ، مؤكدا علي انهم سيعملون علي تسهيل الاجراءات والمساعدات حتي تستقر هذه المشاريع ويكتب لها النجاح ، فولاية نهرالنيل مازالت في خطواتها الاولي نحو التنمية ، ولم يخف حديث الوالي دهشة المغتربات وهن يشاهدن مصانع الالبان ومشتقاتها حيث كانت محطتهن الاولي ، وبدا لجودة الانتاج تأثير كبير لدي الحاضرات وهن يقارنها بما ينتجه العالم في المهجر، اما مصانع الاسمنت التي بدت مداخنها تتطاول في السماء فكانت قصة اخري تقف في الصحراء كأهرام البجراوية يملؤها الامل بالنجاح وتحاصرها المشاكل ، وعلي مقربة منها بيوتات صغيرة من الطين لمزارعين فقراء . واختفت عن نهر النيل ملامح الضجيج والزحام وتبدو المنازل من بعيد وكأنها خالية من السكان وعندما سألت احد ابناء المسؤولين في الولايه عن سر هذا الهدوء ، رد علي قائلاً : ان معظم السكان قد هاجروا الي العاصمة الخرطوم بحثا عن حياة افضل علي الرغم من ان معظمهم في وضع معيشي جيد هنا ، ولكن للعاصمة بريقا خاصا . وكان الطريق من الدامر الي كدباس مرهقا لكنه كان معبقا بالامل ومابعده ، وعندما وصلنا الي خلاوي كدباس حيث الشيخ الجعلي ومسجده الكبير مركز اشعاع الطريقة القادرية في السودان بدأ لنا الامر واضحا كيف اجتمع هؤلاء الناس في قلب الصحراء ليرسموا طريقا اخر ، تحفه آيات القرآن والذكر يملأن ارجاء المكان ، وتعلو اصوات طلاب الخلاوي وهم يحفظون القرآن في تناغم جميل وصوت الشيخ محمد الجعلي يتهدج لنا بالدعاء الذي تردد في اذاننا في طريق عودتنا وقد ذكت النفوس بعد هذه اللحظات المحاطة بذكر الله . وقبل ذلك كانت ادارة الاستثمار بالولاية قد عرضت مجالاتها التي تحتاج فيها للاستثمار مبينة عدد الفرص ونوع الاستثمار في كل محلياتها ، وكان ذلك بعرضها لافلام في مجال الزراعة والصناعة والتعدين ، لننطلق بعد ذلك نحو ليله ثقافية اقامتها بنات يافعات ، وكأنما اردن ان يثبتن ان للمرأة قوة لاتضاهي ، فقد انطلقت اصواتهن مغنية للوطن الي مابعد منتصف الليل ، في ليلة حملت كل اشكال الثقافات في بلادي ، ومالاحظته انهن حرصن علي ارتداء زيهن المدرسي حتي يوضحن الي أية الفئات ينتمين ، فقد قصدن ادخال البهجة في نفوس الحاضرات من بنات بلادهن المهاجرات ، وكأنما اردن تذكيرهن بأن لنا عادات وتقاليد عليهن ان يحملنها اينما ذهبن . وفي طريق العودة كانت النساء المغتربات يتبادلن الاحاديث وبعضهن يسابقن الزمن للوصول فقد اقتربت لحظة المغادرة الي بلاد المهجر ، القيت نظرة من النافذة كانت اشعة شمس الاصيل تتكسر اشعتها علي الاهرامات الضخمة ، وعلي البعد كانت تقف صبية صغيرة تبدو كأميرة مروية تنظر الي الجبال البعيدة في وادي العواتيب ، فقد جاءت جيوش الملك كاركمني من هذه الجبال ، وهو رجل سوداني من صنف اخر ، ثار علي الكهنة ودمر معبد الاله امون ، ونصب الاله الاسد رمزا ليعبده ، وبني جمهوريته بالطريقة التي يراها ، وغير نظم الحكم والسياسة وفق رؤي جديدة لم يعهدها السابقون ، دون ان يلتفت الي ماضي الاله امون ، ولربما كانت هي جمهورية كاركمني الثانية ، ولم يختف ذلك المصطلح السياسي القديم في الحضارة السودانية من افكار ومناقشات النساء السودانيات ، بل كان جزءا من مطالبهن السياسية بأن يكون لهن وضع اكبر في الجمهورية الثانية بعد انفصال الجنوب ، دور اعترف بان مايتمعن به الان هو الافضل علي مستوي دول الاقليم ولكن طموحهن بمشاركات افضل هو مطلب اساسي لازال متجدداً .