مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العوامل الاستراتيجية للتنمية المستدامة بالمجتمع والدولة ما بعد الحرب الاهلية (2)

إن طبيعة الإجابة على التساؤلات التى تفرضها (إنماط التحول التنموي) ستساهم فى تشكيل الملامح العامة لسودان مرحلة مابعد الحرب والأبعاد التنموية الاقتصادية والسياسية بل وحتى المجتمعية والثقافية التى ستستند عليها انماط هذه التحولات . هل انتهت الحرب عبر التسوية الشاملة (ذات الطبيعة المتعددة) ؟ وهل كان الحل حلاً تفاوضياً تساومياً (ذو طبيعة تاريخية)=روعيت فيه المصالح المشروعة لكل الاطراف المتصارعة ؟ أم هو حل (صفرى) يقوم على حرمان الاطراف الاخرى بصورة تلقائية من المشاركة فى عبء صناعة المستقبل والتعبير المشروع الذى يضمن أدوارها الثقافية والمجتمعية والسياسية بل وحتى فى حقها فى الوجود الحر والمستقل .
ثانياً: المضامين الإجتماعية للتنمية بالمجتمع والدولة مابعد الحرب الأهلية
التفاوت الإجتماعى والتباين الثقافي والتهميش السياسي من العوامل المؤثرة في مرحلتي السلام والحرب ولنهايتها. وإحلال السلام لايؤدي بصورة ميكانيكية لزوال هذه الأسباب ،وبدء الإنطلاقة التنموية لدولة ومجتمع مابعد الحرب ، وللخروج من هذه الدوامة بنبغي لمشروع التسوية السلمية أن يتجه لحل هذه النتاقضات بإعادة صياغة السياسات الإجتماعية: التنموية والسكانية لمعالجة ثالوث : التفاوت ، التباين ، التهميش.
وهذه المعالجات سوف تأخذ أبعاداً متعددة : فمنها ماهو متعلق بالمفاهيم والسياسيات (=من حيث إعادة تعريف وتفكيك المفاهيم لتتناسب والتعبير عن هذه القضايا وإستيعابها ، ومن ثم إقتراح أنسب السياسيات لإحتواء آثارها) أو ماهو متعلق بالآليات والوسائل اللازمة للتصدى لهذه القضايا (= من حيث المؤسسات والآليات التى يتم بها تنفيذ السياسيات الإجتماعية للسلام والتنمية بعد النزاع ) ...
1/ تتعدد مداخل المفاهيم والسياسيات التى يطمح من خلالها مناقشة الصياغات التنموية الاجتماعية=
* فهنالك المستوى القانوني الذى يُخاطب بالقانون الجنائي الممارسات التى تؤدي الى تجريم اعراف وتقاليد بعض الجماعات التى تمارس جرائم الحرب والقتل والاختطاف والإغتصاب ووضع الترتيبات لمعالجة جرائم ماقبل إستيعاب العائدين المسلحين، الأمر الذى يمهد الأرضية للإنطلاقة الإقتصادية بتوفير الامن الإجتماعى ....
* وهنالك المستوى الفئوى الإجتماعي ، الذى يُخاطب بالمعالجات الإجتماعية ، إستهداف اكثر الفئات تضرراً بخطط التنمية الإقتصادية وإعادة الإعمار والتأهيل: النازحين واللاجئيين والجنود واطفال الحرب ، وكيفية إدماجهم من جديد داخل النسيج المجتمعي وتحويلهم الى قوى إنتاجية إقتصادية ...
ويتضمن هذا المدخل ، ايضاً مستوى مفهوم راس المال الإجتماعي وإرتباطه بقضايا الهوية الاجتماعية ، والتعريف البنيوى والوظيفي للمفهوم الإجتماعي (المقترن بالهوية) = يتضمن الإطار الذى يجمع مكونات (أفراد ، جماعات ، أمم ، طبقات) تربط بينها علاقات على مستويات متعددة : أفقية ، رأسية ، وتحركها احياناً قيم مشتركة متباينة إعتماداً على ظروف بيئية موضوعية وذاتية ، فقضايا الهوية الإجتماعية لمجتمع ما هى المحور الأساس الذى يتحدد من خلال آولويات تختلف من مجتمع لآخر: مجتمع متعدد الإثنيات والثقافات متفاوت البناء المجتمعي مجتمع متعدد الموارد الطبيعية وبالتالى متفاوت القطاعات الإنتاجية الإقتصادية (زراعي ،صناعى طابعه العام قد يكون مجتمع تقليدى او حديث) ، مجتمع متعدد التركيبة الاجتماعية والاقتصادية وبالتالى متفاوت البناء الطبقى .
وهذا الإختلاف فى التراتيبة المجتمعية يساهم فى إغناء تحديات الهوية الإجتماعية من ترتيب مجتمعي لآخر ، فتحديات الهوية الإجتماعية فى إطار التعددية الإثنية تختلف عن تلك التى تواجه اطر التعددية الطبقية الإنتاجية (علاقات وتوزيع) ، وكيفية إدارة هذه التحديات فى المجتمع تحدد درجة محورية قضية الهوية الإجتماعية وموقعها من البناء الإقتصادي والسياسي للدولة والمجتمع مابعد الحرب الاهلية.
التعريف البنيوى الوظيفى للمفهوم الإجتماعى المقترن برأس المال يتضمن توصيف العلاقة بين القضية الإجتماعية ورأس المال : التمييز بين رأس المال المادى المرتبط بالموارد الطبيعية , ورأس المال الرمزى المرتبط بالموارد المجتمعية من قيم ومهارات وسلوك ووضعية إجتماعية . فمفهوم التنمية الإقتصادية الإجتماعية هو جماع = رأس المال (الإقتصادي:الذى يتحدد فى إطار العلاقات العمودية القائمة على رأس مال منظور نقدى ومالى مستند على موارد مادية وطبيعية وهو عادة مملوك للأفراد أو الدولة بعلاقات التبعية الإقتصادية والطبقية التى تستفيد منها القوى المهيمنة والنخب المتنفذة) ، ورأس المال الرمزى (المجتمعي : الذى يتحدد فى إطار العلاقات الأفقية القائمة على رأس مال غير منظور, تراكمى معرفى مجتمعى مستند على القيم السلوكية والمهارية التعليمية والإبداعية المرتبطة بمدى إتفاق المجتمع على قواعد قيم مشتركة وقواعد سلوك مقبولة ، وقواعد نظم قانونية وسياسية موضوعية, فهو عادة متعلق بالمصلحة المشتركة العامة التى قد تستفيد منها الجماهير المهمّشة ) .
إن إعادة تعريف مفهوم العلاقة بين رأس المال والقضية الإجتماعية فى إطار مشروع التسوية السّلميّة للنزاعات تعنى إقامة التوازن والتكامل بين مفهومى رأس المال : الإقتصادي والمجتمعى لصالح التنمية المستدامة لدولة ومجتمع مابعد الحرب ، وهذا الطرح الشمولى والمتعدد يتكفل بالإجابة على اسئلة مابعد الحرب:
* أزمة الدولة متعددة الوجوه , سواء تعلق الأمر بأزمة مشروعيتها السّياسية والإقتصادية أو أذمة فاعليّة مؤسساتها وأجهزتها المختلفة .
* أزمة الهوية المجتمعية المتمثلة فى التجانس الثقافي والتماسك القومى وعجز الصيغ السائدة للهويّة للتعبير عن (موزاييك) التباين المطلق,المطاق لاينبغى أن يلتهم النسبى والكلى لاينبغى أن يبتلع خصائص المكونات الجزئية.
* الإشكالية الإجتماعية المتجسّده فى إقتصاد سوق مابعد الحرب الأهلية بافرازات العولمة (المشوّهة) ، ضرورات الإنتقال نحو بناء السلام والمصالحة ، ستجعل من إقتصاد السوق هو الرابط بين الدولة والمجتمع المدنى فى مرحلة مابعد النزاع . وهذه السياسات التنموية المعولمة (تتجه نحو: الوقاية من النزاعات والإستقرار الهيكلى والإغاثة وإعادة الإعمار والتأهيل والتنمية) التى تقصد إعطاء شرعية للقطاع الخاص على حساب هياكل الدولة ومؤسساتها ،فمصطلحات: السوق الحر ،حرية التبادل التجاري العالمى ،ومؤسسات المجتمع المدنى ،تنمو داخل هذه الحاضنة فى مقابل الإهتمام بالحقوق والخدمات الإجتماعية ,على الرّغم من تزامن هذا الخطاب التنموى المطبوع بايدولوجيا العولمة والإنفتاح والشّفافيّة وديمقراطيّة النّظم الوطنية.
إن الإهتمام التنموى للسياسات الإجتماعية فى مشروع التسوية السلمية السودانية مابعد الحرب والنزاع ،ينبغي أن يُصوّب إنحيازاً للفقراء الذين كانوا الأكثر تضرّراً من سنوات الإحتراب الأهلى الطويلة وذلك بتعديل آليات السوق لصالح هذه الفئات المهمشة بإدخالها فى دورة الإنتاج وتمليكها وسائل الإنتاج للإنتقال لحالة المشاركة والفاعليّة وصولاً للتمكين والإنحياز الواجب تضمينه هذه السياسات ليس فقط إستجداءاً أخلاقياً ومعنوياً وإنسانياً بل هو إلتزام موضوعى تنموى سياسي. والتوازن الإجتماعى الذى ينبغى أن تعبر عنه هذه السياسات ليس حياداً شكلياً بل حياداً إيجابياً يتم بالإنحياز الموضوعى لقضايا الأغلبية الفقيرة وذلك حرصاً عاى السلام والتوازن الإجتماعى للنسيج المجتمعى بكلياته ،وهذا الحياد الموضوعى يأتى إتساقاً منطقياً مع ضرورات أصبحت تفرضها تداخل الأنساق الوطنية والإقليمية والدولية فى التعاطى مع الشأن الإنسانى:إلتزاماً بمواثيق حقوق الإنسان المدنية والسياسية,الثقافية والإجتماعية والإقتصادية وبقضايا البيئة . وبدفع القضايا الإجتماعية بتناولها فى سياقها الإجتماعى الموضوعى والتاريخى.
2/ إن الآليات والوسائل المؤسسية لإنقاذ السياسات الاجتماعية للسلام والتنمية بعد النزاع يقوم باعبائها : الدولة ، المجتمع ، مؤسسات المجتمع المدنى بمختلف شرائحه النقابية والفئوية والنوعية قصد بناء تحالف عريض لصناعة سلام وتنمية مستدامين والمساهمة فى بناء شرعية مجتمعية جديدة للدولة والمجتمع تعالج:
* مشكلات الهوية والتنازع واثرهما على ولاء وإنتماءات الجماعات المتنازعة و مشكلات التحول بإفرازتها الدافعه للإستقرار والمهيئة للأوضاع الملائمة لتحويل أدوات الصراع لصالح العمل السلمى والمدنى ، وتذليل عقبات هذه التحول المدنى بالعون التقافى والتدريبي وتحسين مقدرات التواصل الإجتماعي وإستخدام تقنيات العلوم الاجتماعية لاثنوغرافيا محلية تعزز قدرات المجتمع قد التصدي السلمى لقضاياه النزاعية المختلفة .
* مشكلات العدل والمصالحة ومايثيرانه من جدليتي العدالة والرأفة التى تحقق شرطى العدالة التى يستوجبها القصاص من إنتهاكات حقوق الإنسان اثناء وبعد الحرب والمصالحة التى تستوجبها ترتيبات القصاص وما قد يرافقه من انتهاكات مقدمة الانسان اثناء وبعد الحرب والمصالح التى يستوجبها الآلف المتجاوزة نحو إيجاد معادلة صحيحة بين ضرورة التسامح وتحقيق العدالة .
إن اهم وسائط بلوغ اهداف هذه السياسات هى:وسائط المجتمع المدنى بعديد أشكالها ووسائط الدور النسوى المحورى فى السلام تحديداً ...
* إن دور هذه الوسائط يتبلور فى عمليات إعادة صياغة العلاقات الثقافية والاجتماعية التى كان لها دور فى التسبب فى النزاع ،وهذه العمليات الصياغية سيتم بغرض :إزالة الخلل وإعادة صياغة العلاقات الإثنية والنوعية على اسس المساواة ومضمون هذه العلميات تعني من ضمن ماتعنى:
* إعادة الصياغه البنائية السياسية ، بإدراج مؤسسات المجتمع المدنى والمرأة فى الاجندة الوطنية ،وضمان تمثيلها السياسي والإداري وإزالة العوائق الهيكلية أمام مشاركتها فى صنع الخيارات والقرارات السياسية .
* إعادة الصياغة البنائية الإقتصادية ،بالاعتراف لها بدورها ومساهمتها فى القطاع الإقتصادي الرسمي وغير الرسمى قصد التعامل مع الآثار السالبة للحرب ومع سياسات المعالجة والتكيف والتحدى الاقتصادي وذلك لوضع أسس تنمية مستدامة لتمكين وسائط المرأة والمجتمع المدني من لعب دورهما الطليعى .
* إعادة الصياغة البنائية الإجتماعية ،استيعاباً وتأهيلاً لهذه الوسائط ولإحتياجاتها الخدمية الإجتماعية والتعليمية والصحية فى مرحلة الحرب وما بعدها .
* إعادة الصياغة البنائية النفسية والثقافية ، وذلك في اتجاهات النظر الجديد للمفاهيم والأعراف والتقاليد والقوالب النفسية والذهنية التي تصوغ العلاقة بهذه الوسائط ،والتى تعيد إنتاج علاقات التبعية والتهميش الثقافي والإجتماعى بما يعنيه ذلك من الإنتباه الى أن بناء الصياغات السياسية والاقتصادية والإجتماعية هي فى النهاية عمل ثقافي يقوم على تفكليك المفاهيم التقليدية السلطوية التى تنمو على حساب مؤسسات وثقافة المجتمع المدني والمفاهيم الذكورية (البطرياركية) التي تتغذى على التمدد والتغول على دور النساء في الحياة العامة.فالمرآة ما بعد النزاع هي ضحية لممارسات وثقافة العنف ،وهى ضحية للإختلالات الناشئة عنها : بالإعالة والنزوح واللجوء .
ثالثاً :- الإبعاد الإقتصادية للتنمية بالمجتمع والدولة مابعد الحرب الأهلية
سيصُوب الهدف داخل هذا المحور على بيان علاقة المنهجية الإقتصادية الكلية بالتحديات الماثلة لمرحلة مابعد التنازع الأهلى فى إطار مايعرف فى الخطاب السياسى الراهن بقضية قسمة الثروة الوطنية ،والواقع ان المشروعية البحثية فى الابعاد الاقتصادية للتنمية مابعد الحرب تتحدد فى الإطار المفاهيمي لنظريات التنمية التى نشأت بعد انتهاء الحرب الباردة،إستجابة للتفكك الإقتصادي والاجتماعي الذى نشأ نتيجة للتغيرات الدولية المعاصرة وإستجابة لتداخل السياسة الدولية الكثيف فى الواقع المحلى والوطنى من خلال ماتفرضه هذه السياسات الدولية من مشاريع سياسية وإقتصادية (إيدلوجية) لجذور الأزمة بمقترباتها الأربع:الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية .
لايمكن الحديث عن السلام والتنمية دون افق ليبرالي : أو بصورة اكثر تحديداً، دون افق الليبرالية الإقتصادية التى لايمكن تصور نمائها الطبيعى بمعزل عن الليبرالية السياسية ،ولكن هذه المزاوجة ينبغى ان تتم معالجتها (وطنياً ببعض مداخل التدخل الراديكالي لإستيعاب خصائص النموذج السودانى : كيف يمكن التحول لإقتصاد السوق الليبرالى ؟) ليس فقط من خلال ماتشيعه إيدلوجيا الخطاب السياسي السائد لمفاهيم قسمة الثروة ، والتى تتعامل مع المفهوم ببعده الإجرائى والميكانيكى فقط : الثروة الوطنية ليست أنصبة إحصائية بل هى نتاج جهد تاريخى تتدخل فيه عوامل معنوية مجتمعية وعوامل مادية إقتصادية ، والإجدر بالتصويب نحوه هنا هو : التعامل مع العناصر المعرفية والتاريخيه التى تُنتج هذه الثروة وتضمن شروط نمائها وإستمراريتها ، وعدالة نفعها العام ، وتوازن اسس بنائها ، قبل التركيز على التوزيع (الإثنو- غرافى) لريعها المالى على اسس الشراكة السياسية (المُؤدلجة) والتى يمكن ان تكون مجافية للحقائق الموضوعية فى بعض الأحيان . التعامل مع مكونات المسألة الإقتصادية للدولة والمجتمع مابعد الحرب يجب ان يتجاوز حسبان الامر كقسمة إقتصادية حسابية أو إحصائية نسبية (كما يروج لها الخطاب السياسي) بل فيما يمكن ان تحدثه من اثار في مجمل اسس البنيان المجتمعى إقتصادياً وسياسياً فى (دولة ماقبل المؤسسة ) التى تتحكم فيها الروابط التقليدية وإقتصاد السوق المشوه والإختلالات الإجتماعية بفعل ذلك وبوطء ظاهرة الاحتراب الأهلي .
الملامح العامة لسيناريو اقتصاديات مابعد الحرب الأهلية فى نموذج التسوية او مشروعها ينبغى ان يركز على ثلاثة عمليات تحولية اساسية = المعالجة (من اثار الحرب الأهلية) والتكيف (مع إقتصاد سوق السلام والتنمية) والتحدي (بالاستجابة لإستحقاقات السلام الاقتصادية على الصعيدين الإقليمى والعالمي) .
1/ والمعالجة الإقتصادية ، يبقى المقصود منها ضرورات التعامل الإجابى (المتجاوز) للتبعات الإقتصادية للحرب الأهلية وسلام مابعد الحرب : فكيف يمكن التعامل مع التدمير الذى استنزف راس المال بالانخفاض المتواصل الذى عرفه بالهجره ، وبالهروب المنتظم للإستثمار الوطنى والدولى ولإنخفاض معدلات الإدخار وقلة المخزون المالى الذى اثر على المحفظة المالية التى تدهورت خلال سنوات الحرب . مسألة اخرى لاتقل اهمية تتمثل فى تدارك ما اثرت عليه الحرب من قضاء على تعاملات اقتصادية واجتماعية تتطلب ثباتاً واستقراراً فى انظمة المواصلات والإتصالات التى تتطلبها الحركية الإقتصادية والتى عرفت قدراً من التبدل بفعل تقلبات الحرب وتحالفاتها المحلية : على مستوى منطقة النزاع ، الميلشيات المحلية وتاثيرها على السوق الوطنى وقواه الإقتصادية والإجتماعية ، التحالفات الإقليمية والدولية ومصالحها الإقتصادية فى ثروات مناطق الإحتراب الأهلي .
والمتابعة بالمعالجة تمتد للتحولات فى الأولويات الإقتصادية اثناء الحرب ، وماخلفته على معادلة التحول من تقديم الخدمات الإقتصادية الي التوسع فى الانفاق الحربي نتيجة حالة الدمار والتمزق وتعدد اوجه الصرف غير الإقتصادية (مايسمى بالسيادية) . كل ذلك يزيد من تكاليف النشاط الإقتصادي، بالذات تكاليف التبادلات التجارية والخدمية نسبة لإزدياد نسبة الخطورة مما يؤثر بدوره على معدلات النمو وكثافة رأس المال الموجه للقطاعات الإنتاجية ، خصوصاً فى القطاعات التى تتطلب استقراراً هيكلياً وامناً إجتماعياً مما يستدعى تحولاً جذرياً عن هذا النمط من التفكير فى الأولويات الإقتصادية . ومن المؤثرات السالبة ايضاً الأثار الاجتماعية والطبقية للإحتراب الأهلى ، فالحرب تحدث هزه طبقية ذات مدلولات قيمية مبدلة لخريطة التحالفات السياسية ومهددة للاستقرار الاجتماعي لصالح طبقات إجتماعية وفئات اثنية ونخب سياسية مستفيدة من ظواهر الاحتراب الاهلى (أمراء الحرب) الامر الذى قد يستوجب المعالجة الموجهة الراديكالية التى تعيد التوازن الاجتماعي والإقتصادي .
والمعالجة الإقتصادية ستطال بالرصد ايضاً حلولاً لتحول الاستثمار من الداخل الى الخارج واثره فى احداث التسوية السلمية للسلام والتنمية لظاهرة راس المال المهاجر بشقيه :رأس المال التمويلى (المادى ) وراس المال الانساني (المجتمعى والرمزي ) . فهجرة أو عودة المخزون الراسمالى الوطنى (النقدى ، البشري المتمثل فى الكفاءات) ، فذلك كله هو الذى سيحدد الإمكانات الواقعية لإستمرارية أو انهاء الاحتراب الاهلى من خلال امكانية العودة الطوعية لراس المال النقدي او استمراريته فى التواجد الخارجي التى قد تعززها هجرة راس المال البشري الذى يمكن ان يظل خادماً لهذه الاموال بالخارج فى إقتصاديات ربما الدول المتقدمة المتسببه فى إطالة امد الاحتراب الاهلى .
2/ إن التكيف مع اوضاع سوق التنمية والسلام يعنى من ضمن مايعنى من جهة اخرى إعداد السوق الوطنية لإستكمال قواعد السوق الليبرالية الموضوعية العامة ، ومن جهة اخرى تقديم التكيف الذاتى لهذه القواعد بشروط تراعى خصوصيات نموذج السوق الوطنى الذى قد يحمل بعض الحلول الراديكالية . ونتاج هذين الفعلين فى الإطار ألتكيفي يُصوب نحو الاوضاع الإقتصادية التابعة للنموذج السوداني (للدولة ، السوق ? المشوهين - التى تعرفها دول العالم الثالث ) ، وذلك لمخاطبة امهات القضايا التى يؤدى تجاهلها الى نشوب النزاعات والتعامل معها الى إخماد مسبباتها ، اى التعامل مع الافتراضات الاساسية التالية :
* العدالة الإقتصادية والاجتماعية ، سيكون مدخلها من خلال جدلية المزاوجة بين المنطلقين: الليبرالي التعددى والراديكالي المركزي ، وذلك بالاخذ بالمفهوم المتوازن للعدالة = الملكية الخاصة والكفاءة والانتاجية والحوافز المادية هى التى ستراعى بعقلانية السوق والمنافسة والمساواة والعدالة ، او فرض العدالة والمساواة التى ستقود الى الكفاءة والانتاجية واسس حوافزها المادية التى تقلل من الفوارق المجتمعية : طالما كان الهدف من المنطلقين واحد وهو تحقيق التقدم والسلام والتنمية.وهذه الاهداف المنهجية (الاخلاقية) المبدعة لايمكن تحقيقها فى النموذج الإقتصادي السوداني مابعد التسوية إلا من خلال منطق براغماتى عملى يجمع بين آليتى السوق والتخطيط المركزي .
* الحرية الإقتصادية والسياسية ، فى إطار عقد اجتماعى قائم على تجاوز (مفهوم حالة حرب الجميع ضد الجميع ) إلى حالة التطبيع الكامل للمؤسسات الدستورية والقانونية والحياة المدنية والسياسية التي تسمح بحرية تنظيم المجتمع المدنى وإقتصاد السوق والحريات الفردية والجماعية والحقوق الانسانية والإجتماعية التى هى وفقاً لهذا التصور حريات غير قابلة للانتزاع إذا ما أُريد التحول نحو نمط تنموي قابل للإستمرارية فى ظل (فسيسفاء) الخريطة السودانية الإثنية والدينية والثقافية ببعديها السياسي الضعيف والمليشوي الاقوى .
* العمل الإنسانى والبشري ، هو وحده مصدر الكسب الإقتصادي والملكية الخاصة عبر مصدر الإستحواذ الإنتاجي بكل عناصره = الأرض ، المال ، القوة المادية والمعنوية . وهذا الاستحواذ بمختلف اشكاله ينبغى ان يكون وحده الذى يحول المشاع الطبيعى العام إلى ملكية خاصة ، وليس أى عوامل اخرى تقوم على استخدام سلطة الدولة أو الهيمنة السياسية والتفوق الاقتصادي والتمايز المجتمعى للجماعات الإثنية والأيدلوجية المتنازعة فى سوق التنمية والسلام الوطني السوداني المرتقب .
* المساواة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية ، صحيح أن القدرات البشرية الإنسانية غير متساوية ، فالقدرات على العمل والإنتاج والكسب ليست متساوية من الناحية الطبيعية والإجتماعية (= بعض الأفراد لديهم طاقه أكبر وقدرات أكبر وبالتالى ممتلكات أكبر مما لدى الآخرين وبعض الأفراد يريدون مستوى معيشى أعلى وبالتالى الحرص على أكبر قدر من المنافع وإمتلاك عناصر القوة) ومن هاتين الخاصيتين بالذات تاتي مشروعية التفاوت الطبقي والإقتصادي والحق المقابل فى تنظيم قوى العمل : مؤسسات ونقابات لإقامة توازن المنافع المادية والسلطوية . فالسوق هو الذى يميز ويفاضل بين هذه القدرات البشرية غير المتساوية ، وهو فى نفس الوقت الذى يُعدل ميزان اللامساواة : فالعمل الأرض ، رأس المال ، السلع والخدمات عرضة لقوانين السوق الذي يحدد اسعارها ويوزع عوائدها ومواردها . ومن خلال هذه الآلية (المحايدة ، العقلانية ، الموضوعية) تتحقق العدالة والمساواة ، ولكن على الرغم من الإقرار بوضع الا تساوي فإن الليبرالية فى فلسفتها تؤكد على البعد (المساواتي) من حيث الإعتناء بكرامة الإنسان وفى حريته فى استغلال اقصى درجات قدراته شريطة ان لا يتدخل فى حريات الاخرين فى أن يفعلوا نفس الشئ ، ولكن ينبغى التمييز بين عدة مفاهيم للمساواة :
المساواة فى الحقوق التى تُركز على المساواة النظرية والقانونية التى ترعاها ايدلوجيا النظم المتنفذة .
المساواة فى الفرص وهى المساواة الواقعية أو ماتتيحه أيدلوجيا النظم من امكانات واقعية للمساواة .
المساواة المادية والمساواة فى النتيجة والتى هى مساواة فى المكاسب النهائية والمنافع المادية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.