لاوقات طويلة لم تخف الكثير من قيادات حزب المؤتمر الوطنى امتعاضها وتبرمها من مواقف وتصريحات الامين العام للحركة الشعبية باقان اموم حول المفاوضات حول القضايا العالقة بين السودان ودولة جنوب السودان ، وليس اخرها ماذهب اليه قبل نحو اسبوعين عندما قال ان الجنوب يعرض 14 سنتا كرسوم لنقل برميل واحد من نفطه من الجنوب عبر الشمال فى الوقت الذى يطالب فيه الشمال ب «32» دولارا كرسم عبور للبرميل، وباقان نفسه صاحب التصريح الشهير التى وصف فيها طلب الشمال 32 دولارا لعبور البرميل من الجنوب الى الشمال «بالسرقة». بل ان امين الاعلام فى الحزب الوطنى البروفسير ابراهيم غندور لم يستطع اخفاء فرحته عندما تقدم باقان باستقالته قبل نحو شهر ونيف من وزارة السلام التى كان يتقلدها ، وقال غندور وقتها ان هذا الامر سيسهل من عملية التفاوض مع القادة الجنوبيين فى الملفات العالقة. ويبدو ان قيادات الوطنى الحانقة على وزير السلام فى الجنوب سعدت كثيرا عندما تم استبعاد باقان من اول حكومة شكلها رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت. حيث خلت قائمة الحكومة الجديدة من الامين العام للحركة الشعبية ونائبته آن ايتو من التشكيلة الجديدة التى تم استبعاد كبار السن منها ، وتقليص عدد الوزارات الي «29» بعد ان كانت «32» وزارة. وفى هذا الصدد يقول وزير الاعلام فى حكومة الجنوب برنابا ميريال بنجامين الذى احتفظ بنفس حقيبته الوزارية ان «وزارة السلام التى كان يتقلدها باقان اموم تم الغاؤها بعد ان ادت مهامها على الوجه الاكمل.. ولقد رأت القيادات فى الحركة الشعبية لتحرير السودان ان يتفرغ باقان لبناء الحزب وجعله حزبا قويا يستطيع مواجهة التحديات المقبلة». ونفى ميريال الذى كان يتحدث الى «الصحافة» خلال اتصال هاتفى وجود خلافات بين قيادات الحكومة وباقان « لا، لا توجد خلافات وهذه مجرد شائعات.. باقان سيظل يخدم الجنوبيين من الحزب وسيقوم بدوره كما نريد.. كما اننا نريد ان نؤسس لثقافة الفصل بين الحزب والدولة وجعلهما جسمين منفصلين وليس جسما واحدا». وعلمت «الصحافة» من مصادرها ان ملف المفاوضات بين الشمال والجنوب مازال فى اروقة الحزب ولم ينتقل الى الحكومة. وقالت تلك المصادر بعد ان اشترطت ،حجب هويتها، «باقان مازال ممسكا بملف المفاوضات.. وهو الان يقوم بالترتيبات اللازمة لتكوين فريق تفاوض جديد يدخل به المباحثات خلال الفترة المقبلة» ، وتضيف المصادر قائلة « الرئيس سلفاكير منح الامين العام للحركة الشعبية باقان الضوء الاخضر ليقود المفاوضات مع الشمال ومنحه صلاحيات جديدة تشمل الاستعانة بمن يراه مناسبا من الشخصيات الجنوبية خاصة فى تلك القضايا المتعلقة بالبترول». ويرى الصحافى والخبير بشئون جنوب السودان عمار عوض ان بصمات باقان ستظل موجودة فى الحكومة الجديدة «لأنه هو من ساهم فى تشكيلتها وهو صاحب فكرة برنامج المائة يوم التى ظلت تروج لها الاذاعة والتلفزيون فى الجنوب وهى من بنات افكاره.. ولو لاحظت ان من يقوم بالترويج هو يان ماثيو وآن ايتو وهما من القيادات الحزبية وليس قيادات فى الحكومة». ويرى عمار الذى يقيم حاليا فى لندن خلال رسالة بعث بها عبر الفيس بوك « باقان سيظل الامين العام للحزب الذى تنفذ الحكومة سياساته التى يضعها .. بما فى ذلك مسار التفاوض مع الشمال والقضايا العالقة.. كما ان وجود باقان فى الحزب يجعله يتفرغ للعمل السياسى الذى يجيده اكثر من العمل التنفيذى وبالتالى مساهمة اكبر فى القضايا المعلقة بين الشمال والجنوب». ويعتبر اموم زعيما لما يتم اصطلاحه فى الصحافة السودانية باسم «اولاد قرنق» ويعنى هذا المصطلح قيادات الحركة الشعبية التى تتصدر المشكلات التى تقع مع حزب المؤتمر الوطنى بالاضافة الى سعيهم وراء ادانة موقف الحكومة السودانية فى المواقف الدولية كما تزعم قيادات الحزب الوطنى. وتضم هذه القائمة اسماء مثل وزير الخارجية السابق فى السودان دينق الور والذى اصبح وزيرا لشئون مجلس الوزراء فى الجنوب ، ووزير شئون الجيش الشعبى فى الحكومة الفائتة فى الجنوب نيال دينق الذى اصبح وزيرا للخارجية ووياى دينق الذى اختير فى منصب وزير شئون الامن القومى ، بالاضافة الى رئيس الحركة الشعبية فى شمال السودان مالك عقار والامين العام للحركة ياسر عرمان واخرين. ويقول القيادى فى حزب المؤتمر الوطنى الدكتور ربيع عبد العاطى ان «عدم اختيار اموم فى التشكيل الوزارى يمثل خطوة صحيحة فى اتجاه تدعيم العلاقات بين الشمال والجنوب عموما ومناقشة القضايا العالقة بشكل اخص» ويضيف عبد العاطى قائلا «باقان ومن يسير على شاكلته يثيرون القلاقل ولايريدون للعلاقات ان تتحسن ويدقون طبول الحرب والمماحكات السياسية.. وابعادهم عن عملية صنع القرار يسهم فى شكل كبير فى تقريب وجهات النظر بين الشمال والجنوب خصوصا فى قضية البترول». ويجرى شمال السودان والدولة الجدية فى الجنوب مفاوضات شاقة ومارثونية تحت رعاية الوسيط الافريقى ثامبو امبيكى حول قضايا النفط والحدود ، وقضية أبيى ، ولم يتوصل الطرفان الى اى اتفاق بشأن هذه القضايا سوى التوافق على نشر قوات اثيوبية يبلغ قوامها «2400» جندى فى منطقة أبيى بالاضافة الى اتفاق على نشر «300» جندى اثيوبى فى مناطق عازلة على الحدود المشتركة بين الشمال والجنوب التى يبلغ طولها نحو ألفى كيلومتر مربع. واتفق الطرفان على استئناف الحوار الذى توقف مؤخرا بعد عطلة عيد الفطر فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا بالرغم من ان الوسيط الافريقى كان قد حدد مطلع الشهر المقبل موعدا لنهاية هذه المفاوضات.