نعى لنا د. الصادق عوض بشير بصحيفة السوداني في عدد السبت الموافق الثالث من سبتمبر 2011م الراحل المرحوم حسن عباس الخبير الدولي لوقاية النباتات والذي لبى نداء ربه في السابع والعشرين من رمضان 1432ه. وبعد التأمين على أن كل نفسٍ ذائقة الموت والتسليم بقضاء الله الذي لا رادَّ لأمره أحد شعرتُ بالحزن على فقد رمزٍ وطنيٍّ مهنيٍّ وتقيٍّ نقي، ذلكم هو حسن عباس الذي جمعتني به الأيام لبرهة من الزمن حينما كنت أعمل في الحكم المحلي بمجلس ريف المزروب التابع لمحافظة بارا بولاية شمال كردفان. كنتُ قد فرغتُ لتوِّي من فترة تدريبية قصيرة بمدينة الأبيض عندما وصلني بعض أعضاء المجلس يبلغونني باجتياح الجراد الصحراوي للمنطقة. كان ذلك في بداية شهر سبتمبر عام 1993م فذهبت وإياهم إلى منزل وزير الزراعة الولائي آنذاك د. عبد الله سيد أحمد الذي استقبلنا وعرَّفنا بشخصٍ كان في ضيافته، كان رجلاً وقوراً هادئاً جمَّ التواضع، نظرهُ إلى الأرض أطولُ من نظره إلى السماء، دائم الفكر، طويل السكوت، متواصل الأحزان: أي يحمل ذات السجايا الأخلاقية التي وردت في الوصف النبوي في (المَولد العثماني). وعرفنا من الوزير أن هذا الرجل هو حسن عباس خبير وقاية النباتات القومي ومستشارها الإقليمي والدولي، فأبلغه أعضاء المجلس بموجة الجراد الصحراوي التي اجتاحت المنطقة، وكان على طول فترة الحديث يومئ برأسه إيماءاتٍ خفيفة وهو يؤمِّن على حسم المشكلة والقضاء على الجراد في الحال مع فريق وقاية النباتات المرابط في الأبيض. وما أن عدنا إلى المزروب وما هي إلا يومٌ أو يومان حتى هبطت ثلاث طائرات رشٍّ بلغارية مستأجرة في المطار المحلي لقرية المزروب. وأعدت لجنة الزراعة المحلية برئاسة رئيسها الأستاذ أحمد حاج الخضر عدتها وعقدت اجتماعاً وزعت خلاله العمل مع ورديات الطائرات وحددت أماكن التغطية التي تمسحها طائرات الرش. وبالفعل بدأ التحرك سريعاً، وفي أثناء عملية الرش زارنا المرحوم حسن عباس بنفسه ليطمئن على سير العمل الذي كان ينفذه فريق الوقاية برئاسة اختصاصي إدارة وقاية النباتات بولاية شمال كردفان كمال محجوب (من أبناء بربر) الذي انضم إليه آخرون من إدارة وقاية النباتات المركزية حيث أنجزوا عملية رش الجراد وإبادته خير إنجاز إذ كنا ننطلق جميعاً من مباني الوقاية بالمزروب ونجوب المساحات الشاسعة حتى انتهت المهمة. ومما أذكر أن أحد موظفي الوقاية المركزيين قال لي إن عملهم كان يقتضي البقاء في الإدارة المركزية ومتابعة أعمال أخرى ولكنهم أتوا إلى هنا إكباراً وإجلالاً لهذا الرجل حسن عباس الذي يُكنُّون له كل الود والاحترام، ثم حدثني عن سيرته التي يغلب عليها الزهد وحبّ الصالحين وقد بلغ من تواضعه أنه يؤثر الجلوس على الأرض والبروش ويفضل المأكولات البلدية على سواها. إن (التكنوقراط) من أمثال حسن عباس الذين يحملون هذه الصفات نادرون جداً بل لا تكاد تجدهم، فالتكنوقراط المُسيَّسون الذين نشاهدهم اليوم وهم يملأون الدنيا ضجيجاً مشغولون بالبحث عن ذواتهم النكرة التي تحتاج إلى التعريف بالإضافة إلى (الإمارة) أو (الوزارة) أو (السفارة) وهلمجراً، أما أمثال حسن عباس فهم من أهل البصيرة الذين جُبلوا على حبِّ الناس وخدمتهم والالتصاق بهم والاستماع إليهم في غير ما رياءٍ ولا تكلف (صحابة هذا الزمان) فانطبق عليهم الحديث الشريف: (إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس حبّبهم في الخير وحبَّب الخير إليهم)، وهم الذين عناهم الحديث: (أفاضلكم أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويُؤلفون). وفي الختام نسأل الله أن يتقبل أعمال حسن عباس قبولاً حسناً ويبدله داراً خيراً من هذه الفانية ويمتعه بالنظر في وجهه الكريم، والعزاء لأسرته وعشيرته وأهله بقرية النوبة بريف المسيد. سيف الدين عبد الحميد