سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار في السودان اليوم الإثنين 20 مايو 2024 .. السوق الموازي    البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته ومرافقيه إثر تحطم مروحية    والى ولاية الجزيرة يتفقد قسم شرطة الكريمت    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    الجنرال في ورطة    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سواكن.. الآثار الإسلامية والعهد العثماني

لربط الأجيال الحالية بتاريخ وآثار فترة مهمة من سفر السودان الضارب بجذوره في أعماق التاريخ البعيدة، لزاما علينا ان نلقي الضوء على منطقة تعتبر احدى اهم بوابات دخول الاسلام بلاد السودان وهي منطقة سواكن. وهي من الفترات التي لم تنل حظها الوافر من الدراسة والاهتمام، عدا القليل من الكتابات. ونحاول ابراز أهم آثار تلك الفترة الموجودة من تاريخ سواكن التي تضم الأرض الساحلية، الجزيرة وجزيرة اخرى تعرف بالكنداسة. ونوضح ابرز أنواع العمارة الاسلامية الموجودة بها مثل التحصينات، المساجد، الخلاوي، الزوايا والمنازل. ذلك لأن هدفنا هو التعريف بهذه الفترة وتلك المنطقة ووضعها في اطارها الصحيح داخل منظومة الآثار الاسلامية بصورة عامة والعثمانية علي وجه الخصوص.
تقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر، على خط طول 19: 7 شمالا، ودائرة عرض 37: 20 شرقا. وتربط سواحل البحر الأحمر بالسودان وإفريقيا، حيث تبعد من السويس 720 ميلاً، ومن جدة 200 ميل، ومصوع 285 ميلاً، وعيذاب 1349 ميلاً، ومن بربر 247 ميلاً، أما طوكر 56 ميلاً ومن كسلا عن طريق طوكر 298 ميلاً «ضرار 1982:23». وتبعد حوالي60 كيلومتراً جنوب ميناء بورتسودان الحالي، وتعد من الموانئ المهمة للتجارة على الساحل الشرقي مثل ميناء العقبة في الأردن وجدة وينبع في السعودية ومخا والحديدة في اليمن، كما تتوسط موانئ الساحل الغربي مثل عيذاب في السودان ومصوع في اريتريا ورأس بنياس والقصير في مصر «ضرار: المصدر السابق:25». وتتكون سواكن من ثلاثة أجزاء متكاملة، الجزء الأول منها يقع على الأرض الساحلية، أو ما يعرف بالقيف، أما الجزء الثاني وهو الجزء الرئيسي «يقع داخل الجزيرة ويبلغ محيطها حوالي 2500 متر تقريباً، والجزء الثالث فهو جزيرة تعرف محلياً باسم الكنداسة وذلك بسبب وجود مكثفات لصناعة الملح، كما كانت تستخدم لربط السفن وبعض الأعمال الإدارية.
السكان:
أشار نعوم شقير إلى البوانيت «باعتبارهم أقدم سكان المنطقة الذين قطنوا ما بين طريق بربر وسواكن وجبال الحبشة، حيث ورد بأنه في أيام المملكة المصرية الوسطى «3064 2851ق م» أرسل احد ملوكها إلى بلاد البوانيت بطريق قفط والقصير لجمع الجزية من أمراء تلك البلاد، حيث سار بالبحر الأحمر حتى وصل بلاد البوانيت «شقير: 36: 1972». ومن أشهر الجماعات التي تسكن هذه البيئة القاسية هم جماعات البجة، وينقسمون إلى أربع أقسام:
1/ البشاريون. 2/ الامرأر. 3/ الهدندوة. 4/ البني عامر.
وهنالك جماعات أخرى مثل الأشراف، الارتيقا، الكميلاب والحلنقة، أما أهل سواكن كاهل البحر الأحمر جميعاً، أخلاط من الناس، إلا أننا نلحظ أن الأسر الكبيرة كانت من عرب حضرموت «الحضارمة الحداربة»، أما الآخر فيسمون«سواكنية» ويدخل في هؤلاء السواكنية عدد كبير من القبائل مثل البدو، الهدندوة، البشاريين، الامرأر وغيرهم.
خلفية تاريخية:
منذ فجر التاريخ كان البحر الأحمر طريقاً عالمياً للتجارة، وقد ازدهرت الموانئ فيه خصوصاً في شاطئه الغربي مثل باضع، عيذاب، سواكن ومصوع. ومن هذه الموانئ ميناء سواكن، وهو ميناء معروف منذ قديم الزمان، حيث اتخذه قدماء المصريين «المملكة المصرية القديمة2635 2570ق م، والمملكة المصرية الحديثة1550 1305ق م» قاعدة لأسطولهم التجاري الذي كان يرتاد ثغور البحر الأحمر والمحيط الهندي لتسهيل سبل التجارة بين بلاده والشرق الأقصى، وقد أشارت الملكة حتشبسوت إلى أنها أرسلت حملة إلى بلاد بونت جنوب ساحل البحر الأحمر المصري. وعندما استولى البطالسة على مصر أرسل بطليموس الثاني البعثات لاستكشاف سواحل البحر الأحمر، وعندما وصل إلى سواكن أعجب بموقعها وتم احتلالها، وأقاموا محطات تجارية على الموانئ الساحلية السودانية التي كانت تقوم باستيراد بعض أنواع من الحيوانات من القارة الإفريقية لملوك البطالمة، كما كانوا يطلقون عليها «ايفان جلون بورتس»، أما في عهد الرومان فقد تضاءلت أهمية سواكن بعد استيلائهم على مصر، على الرغم من أنها كانت احدى موانئها. اما الدور التاريخي لهذه الموانئ فقد تشكل على يد العناصر العربية قبل وبعد الإسلام. وبعد زوال دولة الرومان على يد قائد المسلمين في سنة30ه «640م»، بدأ الخراب يدب في سواكن، وعلى العكس تماما بدأ العمران يزدهر في عيذاب، حيث كانت الطريق الوحيد لحجاج بيت الله الحرام من مصر والمغرب. وقد قام ابن سليم الأسواني بوصف سواكن وربطها بكرفان «شانكير» بالقرب من بربر«975 996م» عن طريق بعض الطرق، لكن الآن هذه الطرق بها مشكلات، كما أنها هجرت من قبل الناس. وخلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين أي خلال الفترة المسيحية في السودان كانت سواكن نقطة تجارة مهمة على البحر الأحمر. ومن خلال الكثير من الكتابات المبكرة نجد أن الميناء كان مشتركاً بين التجار وقبائل البجة المحليين، فهذه الروابط المبكرة مع وادي النيل وإثيوبيا أعطت إشارة قوية لأهمية الميناء، إضافة إلى أن تدهور واضمحلال عيذاب في القرن الخامس عشر الميلادي المبكر زاد من أهمية مدينة سواكن. وفي القرن الخامس عشر الميلادي ضعف النظام المملوكي، وكانت التجارة تأتي من مناطق من الهند. وفي عام1516م اصطدم الأسطول البرتغالي بالأسطول المصري ودارت معركة انتصر فيها الأسطول الأول واستولى على موانئ البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وبعد انتهاء السلطان سليم الثاني العثماني من فتح الشام، توجه إلى فتح مصر، وتم له ذلك في عام1517م، ثم بعد ذلك خرج بأسطوله لتطهير البحر الأحمر من الأسطول البرتغالي الذي كان قاعدته مصوع، فانتصر عليه واحتل سواكن ومصوع وجدة وغيرها، وقام بتعيين موظف تركي ينوب عنه في كل مدينة ومعه حامية من الجنود، وجعل الجميع تحت سلطة والي الحجاز، وهذا الموظف يمثل الحكومة ويسكن الجزيرة ويحمل لقب أغا، ويتبع لوالي جدة، ومن مهامه جباية المكوس على تجارة البحر في سواكن، ويدفع لخزانة الدولة في جدة 32 ريالاً مقابل هذا الامتياز، كما يجبي الضرائب على الواردات مثل سلع الهند التي ترسل إلى السودان، وكذلك على السلع الواردة منه، ومن أهمها العبيد والتبغ والخيل. أما السلطة الإدارية فقد كانت في يد الوطنيين. وكانت أسواق سواكن التجارية تحت سلطة الأرتيقا الذين كانوا يحصلون على الزكاة من حصة الجمارك وأموال الأهالي. وفي القرن السادس عشر الميلادي تطورت مدينة سواكن «الميناء»، وظهر ذلك في كثير من المباني أو المنازل جيدة البناء. ومنذ ذلك وحتى القرن التاسع عشر الميلادي كانت سواكن خاضعة للأتراك العثمانيين، حيث قاموا بإنشاء حامية عسكرية بها قلعتان صغيرتان تم بناؤهما خارج الجزيرة، وفي القرن السابع عشر الميلادي، استخدمت الأولى قاعدة للأسطول الحربي العثماني في حربه ضد الأسطول البرتغالي. وفي عام1540م أصبحت القاعدة العثمانية في سواكن تقوم بتزويد الجيوش لغزو إثيوبيا، ومركزا أو «سنجوقية» لايلات الحبش، وبفشل النظام عادوا مرة أخرى إلى ايلات مصر. وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أصبحت المدينة تحت الحكم التركي المصري، مبدئياً تحت حكم محمد علي باشا، ومن ثم باستمرار وثبات حكمت من قبل الخديوي اسماعيل 1765م. وازدهر الميناء مرة ثانية مع افتتاح قناة السويس في عام1869م، إلا أن هذا الرخاء والازدهار لم يدم طويلا حيث كانت فترته قصيرة، كما نجد أن اغلب المباني العامة والكبيرة كانت لمسؤولين. وفي أثناء قيام الثورة المهدية كانت سواكن محصنة بواسطة كتشنر حتى عام1888م، ولم تخضع لجنود المهدية، وفي هذه الفترة انتعشت التجارة. وبعد ذلك دمرت سواكن بوصفها ميناء، وتم بناء ميناء جديد يبعد حوالي60كلم شمال مقبرة شيخ برغوث «حاليا بورتسودان»، وفي عام1922م أصبحت جزيرة سواكن مهجورة. وحتى عام1951م كانت غالبية المباني باقية وتم رسمها بواسطة المهندس قرين لو.
سواكن والعثمانيون:
سيطرت الإمبراطورية العثمانية على أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا في الفترة من القرن السادس عشر الميلادي وحتى القرن التاسع عشر الميلادي منه. ولعل من اقوى الأسباب التي أدت إلى توغلها داخل السودان عبر النيل وعلى شواطئ البحر الأحمر، هو اهتمامها بسلامة ولاية مصر من جهة وسياسة التحكم في الجزيرة العربية وشواطئ البحر الأحمر من جهة أخرى من أجل التجارة مع الهند. وبدأ هذا التوغل والسيطرة في السودان منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، أي قبل أكثر من ثلاثة قرون من الغزو التركي المصري للسودان 1821م.
وتعتبر فترة الثلاثمائة عام الواقعة بين1517م و1827م من الفترات المهمة في تاريخ وادي النيل، وبالأخص في السودان، في الوقت الذي كانت فيه حدود الإمبراطورية العثمانية قد امتدت ووصلت بلاد النوبة بين الشلالين الأول والثالث. وقد كانت البداية احتلال سواكن1532م وضمها لسنجوقية الحبش، ثم تقدمت جيوشهم جنوبا على النيل بسبب ضغط الفونج وحلفائهم، حيث تقدمت الحدود إلى منطقة الشلال الثاني، وذلك في الستينيات من القرن السادس عشر الميلادي، وكان قصر ابريم هو الموقع الدفاعي الرئيسي وقاعدة حدودية مهمة.
وهكذا أصبحت التركية الأولى هي الفترة الممتدة من 1532م 1821م، تليها تركية محمد علي باشا1821م 1885م، ثم تركية الحكم الثنائي «المصري البريطاني» 1898م 1916م. وتم ذلك بالدراسة المتأنية والعميقة للوجود العثماني في السودان من قبل جون الكسندر «من جامعة كمبردج، وهو الذي بدأ صحوة إعادة دراسة آثار الإمبراطورية العثمانية في السودان».
أنواع العمارة الإسلامية:
يختلف العمران في سواكن عن غيره من أنماط البناء في بقية أنحاء السودان، حيث يشمل العديد من أنماط المعمار الخاص بطراز البحر الاحمر، خاصة الأسلوب العثماني القديم، بالإضافة إلى أسلوب البحر الأحمر المتمثل في المشربيات والبناء متعدد الطوابق، حيث يشكل أسلوب البناء في سواكن جزءاً من تقاليد البناء حول شواطئ البحر الأحمر، كذلك المنازل المبنية على الطراز التركي المصري. كما تحتوي على أماكن الحجر الصحي للحجاج، وقد كان الجزء الرئيسي لسواكن مسكوناً لحوالى500 عام متواصلة».
العمارة المدنية:
عني المسلمون بنشر العمران والاهتمام به، وكان من أهم وسائلهم إلى ذلك إنشاء المدن الجديدة، ولم تكن هذه المدن تنشأ اعتباطا، بل يجرى على تأسيسها تخطيط مسبق سواء من حيث اختيار الموقع أو نوع العمارة أو التحصين.
أما مدينة سواكن فهي مثلها مثل المدن القديمة الأخرى، فقد نمت وازدهرت كغيرها من المدن القديمة، فالخريطة الدائرية العامة لطرقات وتخطيط المدينة وضعت لتلائم شكل الجزيرة، ذات شوارع ضيقة وغير مستقيمة تقريبا، ومنافذ صغيرة بين شرفات المنازل مما جعل تخطيطها العمراني مميز لسواكن، وقد قامت لتكون ميناءً. كما تحيط بها تحصينات كتشنر التي أقامها عام1890م ذات المدخل الحصين، وتشمل العمارة المدنية المنازل وقصر القوافل وبعض المباني الإدارية التي ازدهرت في الفترة المتأخرة «انظر صورة رقم 2».
المنازل:
تحتوي المدينة على ثلاثة أو أربعة منازل كبيرة، وحوالى200 من المنازل الصغيرة، تم تقسيمها إلى نوعين: النوع الأول: التقليدي، وهذا النوع يتكون من طابق واحد، من غرفتين أو ثلاث غرف، ويتكون المنزل من قسمين، قسم للعائلة وآخر للضيوف. هذا يشبه نظام الخيمة عند البدو. ولهذا النوع من المنازل نفس مميزات المنازل الكبيرة الاخرى، مثل الرفوف داخل تجويف الجدران، وهي عادة من الخشب ومنظمة في ثلاث ادوار ومنفصلة بواسطة فواصل خشبية، كذلك نجد الزخارف أعلى المداخل والنوافذ الخشبية المفرغة.
النوع الثاني: وهو الذي يتكون من طابقين أو أكثر، ولهذا النوع غرفة استقبال كبيرة، تجاورها غرفة صغيرة وحمام، وعندما تكون الغرفة في المدخل فإنها تعرف بالدهليز، وفي نهاية هذه الغرفة يوجد الديوان، الذي يتكون من جزءين، ويرتفع الجزء الثاني منهما على الأقل بدرجتين أو ثلاث درجات، ويحتوي الديوان على مساطب للجلوس بارتفاع50 سم من الأرض.
أما الطابق الأول وما بعده من طوابق، فهو اكبر حجما، ويحتوي على «الحرملك» وهو للعائلة. ويتكون عادة من عدد من الأجنحة وغرفة للجلوس تسمى «المجلس». ويحتوي كل جناح على غرفة صغيرة تسمى «الخزانة»، كما يوجد مطبخ مستقل إلى جانب الحمام.
من الملاحظ أن الطوابق العليا للمنازل تتصل مع بعضها البعض لتسهل عملية خروج النساء دون اللجوء إلى الشارع. وكما هو الحال في منازل أبريم وصاي، يوجد مدخلان للمنزل مدخل خاص للنساء والآخر للرجال.
ومن الملامح المهة في منازل سواكن وجدة وجود المشربيات التي تعرف بالروشان، الذي يطل على الشارع، ويصنع من أشجار التك المستورد من «جاوة» ويؤتى به من شرق الانديز. يمكن تتبع الروشان حتى الهند شرقا وليما في بيرو غربا، وهو ظاهرة معروفة في جنوبي اسبانيا ومالطا ومصوع والصومال، ومن الثابت أن حجم الروشان له علاقة بطول الإنسان، فهو عريض لينام الشخص فيه ومرتفع ليقف عليه ويطل على الشارع بنحو60سم. وإذا أضفنا هذا السمك لسمك الحائط يصبح الروشان أعمق وأعرض مما يسمح بجلوس اثنين أو ثلاثة لشرب القهوة، وتسمى أرضيته «الجلسة» ويضاء بمصباح ينزل من السقف، وتتنوع الرواشين في زخرفتها وحجمها وتتخذ الزخرفة أشكالا هندسية. ومن الملاحظ أن المنازل الأولى بنيت في الجزء الجنوبي من الجزيرة وهي مبنية قبل1680م، وذات طابع منازل جدة، وقليل منها في الجزء الشمالي، إلى جانب بعض المساجد مثل الحنفي والشافعي وهو الجزء نفسه الذي شهد مباني نهاية القرن التاسع عشر الميلادي والتي تضم المحافظة التي شيدت في عام1884م، الجمارك، البنك الأهلي المصري، رئاسة كتشنر وغيرها. وسنقدم نموذجاً للمنازل من النوع الاول، منزل خورشيد باشا، ويقع في الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة، ويمثل النوع الأول من أنواع المنازل في سواكن «ذو طابق واحد»، وله طراز وشكل فريدان يختلفان إلى حد ما عن طراز المنازل الاخرى في الجزيرة خاصة في التخطيط والمظهر الخارجي العام. ويعد من أهم المنازل الموجودة في الجزيرة، وذلك لموقعه الاستراتيجي، حيث يطل على البحر الأحمر من ناحية الشرق، إضافة إلى قربه من المسجدين الشافعي والحنفي وغيرها، ويتكون من حوشين وثلاث غرف إلى جانب عدد من المباني الاخرى غير واضحة المعالم، والتي اختفت تحت كمية من الحجارة المتراكمة فوق بعضها البعض، وهو بصورة عامة شبه متهدم تماما، عدا بعض الحوائط الخاصة بالغرف الثلاث في وسط المنزل. وتتكون مادة البناء المستخدمة فيه من الحجارة المرجانية، الطين الإسمنتي والأخشاب التي تصنع منها الأبواب والنوافذ والروشان والأرفف وغيرها «سعيد: 98:2005».
العمارة الدينية:
المساجد:
توجد العديد من المساجد في سواكن، من أقدمها المسجد المجيدي وهو المسجد الذي أمر ببنائه السلطان العثماني لأهل القيف لإقامة شعائر الدين الإسلامي والسنة النبوية فيه. ويتكون من رواق القبلة بمحرابه ومنبره ودكة المبلغ، وللمسجد ثلاثة مداخل، إضافة إلى خلوة ألحقت به ومئذنة في الجانب الجنوبي الغربي بنيت من الحجر على شكل مثمن بها مقرنص، وقد بنيت شرفتها من الحجر خلافا لبقية المآذن في سواكن التي بنيت شرفاتها من الخشب. ويلي الشرفة جزء اسطواني تعلوه قبة صغيرة . كما يوجد المسجد الحنفي وهو في عمارته أفضل من المجيدي علاوة على كثرة الزخارف على المحراب والمنبر، لكنهما متساويان في الحجم، أما المسجد الآخر وهو الشافعي فيقع في الجهة الجنوبية من المسجد الحنفي، وهو أكبر من المسجدين السابقين وأكثرهما زخرفة، ويتكون من أربعة أروقة، وملحقة به خلوة من الناحية الشمالية الغربية، ومئذنة في الجانب الجنوبي الغربي، وله ثلاثة مداخل، وقد قام بترميمه الخديوي محمد علي باشا، ونجد أن المسجد الشافعي قامت ببنائه الملكة شجرة الدر.
ومن خلال أعمال التنقيب التي تمت من قبل قسم الآثار بجامعة الخرطوم ضمن مشروع سواكن والبحر الأحمر بالمسجد، اتضح أنه يعود لما قبل القرن الثالث عشر الميلادي، وذلك من خلال المكتشفات التي تشير إلى ذلك، والتي كانت عبارة عن حوائط لمبانٍ سابقة للمسجد، والتي ربما تمثل جزءاً من مسجد قديم أو معبد. وفي مواسم لاحقة تم اكتشاف قواعد لأعمدة في منطقة صحن المسجد وأساسات لحوائط، بالإضافة لوجود بعض أنواع من الفخار وعظام حيوانات وقطع صغيرة من الفحم، كما تم العثور على أسورة تشبه تلك التي وجدت في ميناء عيذاب، والمسجدان الحنفي والشافعي يقعان في الجزء الرئيسي لسواكن. كما نجد عدداً من المساجد الأخرى في سواكن مثل مسجد الشناوي الذي بناه محمد بك الشناوي في حوالى سنة1290ه. ومسجد تاج السر الذي بناه السيد محمد عثمان تاج السر حوالى عام1890م وغيرها، وتوجد بعض القباب والمدافن التي ترجع لما قبل القرن العاشر الميلادي مثل قبة أبو الفتح الشاذلي المتوفي في منتصف القرن التاسع الميلادي، وهي عبارة عن غرفة مربعة الشكل بها مدخل تعلوها قبة وبداخلها يوجد ضريحان، وامام هذه الغرفة نجد صالة مفتوحة لها مدخل كذلك، وتتكون مادة بناء القبة من الحجارة المرجانية والمونة الاسمنتية والاخشاب.
العمارة العسكرية:
نجد أن العمارة العسكرية في سواكن كانت على شكل تحصينات وبوابات رئيسية تحيط بالمدينة مثل بوابة غردون باشا، وبوابة كتشنر باشا التي تعود للعهد الثنائي المصري البريطاني.
خاتمة:
لم يتم التعامل مع الآثار الإسلامية بصورة عامة والآثار العثمانية بصفة خاصة في السودان بصورة جدية، وربما يكون السبب عدم وجود دراسات كاملة وكافية عن تلك الفترة، خاصة أن التركيز كان على قيام دولة الفونج باعتبارها أكبر كيان سياسي إسلامي يظهر في السودان. كما أن قلة المعلومات عن السكان والنشاطات التجارية وأماكن الاستيطان وغيرها من الأسباب التي صعبت عملية إعادة بناء الأنماط الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية للمناطق المختلفة خاصة المحتلة من قبل العثمانيين. وعلى الرغم من ذلك ومن خلال الدراسات التي تمت في مناطق شمال السودان «ابريم وصاي والمحس» إلى جانب سواكن في شرق السودان وعلى الرغم من قلتها، إلا أنها لا تدع مجالا للشك عن وجود فعلي ومكثف للعثمانيين في السودان في تلك المناطق خلال تلك الفترة. وهكذا يتضح من الدلائل التاريخية والآثارية أن العثمانيين دخلوا السودان من القرن السادس عشر الميلادي وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبحت هذه المنطقة جزءاً من الخلافة العثمانية الإسلامية. وعليه أصبحت الفترة الإسلامية بصورة عامة والعثمانية على وجه الخصوص في السودان فترة أساسية في إعادة وفهم التاريخ الإسلامي بشكل متسلسل وبصورة خاصة، وإعادة وترتيب التطور التاريخي في السودان ككل بصورة عامة.
أستاذ مساعد قسم الآثار جامعة الخرطوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.