* عندما تتبادل «النسوان الكُباريات» في حلتنا ماضي الذكريات.. كُنَّ يردِّدْن «حليل وكت الزمان كان زين والشعر مغطِّي الأضنين» فتردف أخرى :- «زمن الغنماية تتشابى وتشرب من السحابة».. وترنو كل واحدة منهن إلى الأفق البعيد وتحدِّق في اللاَّشئ.. الحسرة تكسو وجوههن فتزداد خدودهن تَغَصُّناً وعيونهن ضِيقاً ولسانُ حالِهن يقول «زمانَّا فات وغناينا مات» وقد أثار شجوني حديث تبادلته مع الصحفي النابه محمود الشين والحديث ذو شجون ومحمود الشين ليس من لُداتي ليشاطرني حديث الذكريات لكننا إلتقينا على الواقع المعاش في «نيالا ?لبحير» أو «نيالةُ الله وأراضيها الواسعة» كما كان يحلو للأفندية فيها أن يصفونها.. فقد كانت نيالا بمثابة القلب في «مستطيل» دارفور الذي تبلغ مساحته (140) ألف ميل مربع مائه وأربعون ألف ميل «بالقديم» وفي شماله الصحراء الكبرى.. وفي جنوبه بحر العرب.. وفي غربه إقليم ودَّاي بتشاد..وفي شرقه كثبان كردفان الرملية وقيزانها.. ويقع مستطيل دارفور بين خطي العرض 10درجات و16درجة شمالاً.. وخطي الطول 22درجة و27,30درجة شرقاً وتختلط فيه القبائل العربية وغير العربية إختلاطاً لا تستبين فيه فروقاً واضحة ففي الشمال الزيادية.. والمحا?يد.. والنوابيه.. والماهريه.. والعريقات.. والزغاوه.. والبرتي.. والميدوب.. والبديَّات .. وفي وسطه الفور.. والمساليت.. والقِمِر.. وبني حسين.. وبرتي شرق.. والمناصرة.. وبني فضل.. والميما. وفي جنوب دارفور الرزيقات.. والهبَّانية .. والتعايشة.. والبني هلبه.. والمعاليا.. وبين هؤلاء نجد الداجو.. والبِرقِد.. والبيقو.. والمُسْلات.. وسادت في دارفور حضارات وممالك ثمَّ بادت وأولها سلطنة الداجو وأعقبهم التُنْجُر ثمَّ جاءت بعدهما سلطنة «أسرة كيره» وأولهم سليمان «سولونج» أي إبن العربي وكان ذلك في (1640م - 1670م) وامتد حكم أ?رة كيره لعشرة سلاطين آخرهم إبراهيم بن محمد حسين (1873م - 1874م) وهم حفدة أحمد المعقور ويعود الفضل في إنشاء دولهة حديثة في دارفور للسلطان سليمان سولونج الذي اعتمد الإسلام ديناً رسمياً لدولته وسعى لنشره بين الناس.. ونعود لنيالا. * «ونيالا في دارفور وعاصمتها الفاشر».. مثل «عطبره» في نهر النيل وعاصمتها الدامر فالعاصمة السياسية الفاشر والعاصمة الإقتصادية نيالا .. ومثل الفاشركالدامر .. قال الشاعر توفيق صالح جبريل :- «ألا يا دامر المجذوب لا أنْتِ قريةٌ بداوتها تبدو ولا أنْتِ بندرُ» وكذلك الفاشر أما نيالا فقد كانت على أيامنا مطلع السبعينيات من القرن الماضي تبدو أبهى مدينة وأجمل بقعة سودانية تجمع بين كل قبائل السودان بحدائقها الغنَّاء وطقسها البديع وتجارتها الرائجة وعطرها الفوَّاح وتنوعها الممزوج بالأصالة، فقد كانت سوداناً مصغَّر في كل شئ.. وقد يجود الطقس في بعض المواسم فيبدو جبل مرة قبيل الغروب بمنظره المهيب وبينه وبين نيالا مئات الفراسخ وكانت نيالا تنعم بخير وفير فتجارة الحبوب الزيتية مرتبطة بأسماء معروفة.. علي الشريف آدم.. والخير على موسى.. وكامل دلَّاله.. والأمين محمد خير.. وتج?رة الجلود مرتبطة بعمنا حسن الحاج «حسن جلود».. وإبراهيم حسن الصادق.. والصادق مصطفى.. والناظر حسن أبوصره.. وصلاح محمد صالح.. ومن الأغاريق مماكوس.. ومن الشوام كعيكاتي.. وفي مملكة التاكسي على بوهيه.. واحمد ضو البيت.. وفي الصيدلية دكتور خالد.. وفي المحاماة أستاذ طلحة.. وأستاذ عثمان.. وفي القضاء مولانا محمد عثمان السعيد.. وفي الشرطة معاوية حسن حمو والفكي سعيد وعصمت معني.. وعبد المنعم محمد صالح «بهجة».. وفي السجون هاشم الوقيع.. وموسى عيسى.. وفي الجنائن علي خليفة.. وفي المسجد الكبير شيخ الربيع.. وفي الدلالة محمود ?حمد سعيد «نائب المحافظ لشئون الدلالة»!!.. وفي الإدارة اللواء محمد عبد القادر.. وفؤاد عكاشة.. وكرم محمد كرم.. وفي الجيش رستم.. وسراج.. وفيصل عدلان.. وفي السوق عمنا عبد الماجد الأغبش.. والحبوب الطاهر.. ومحمد البشير دعَّاك.. وعبد المنعم الشاطرابي.. وكرفس.. وطيباتي.. ونمر عبد الحفيظ.. والكوارتي الكبير خضر كمبال.. وفي التحكيم محمد سعيد ساتي.. وفي الأكشاك دفع الله الجمل.. ومكتبة عبد القديم.. وموبليا على غربالي.. وفي المستشفى د. توم.. ونساء سوق أم دفسو يبعن منتجات الجنائن وفواكه جبل مرة .. وهناك لوكاندة عم عثمان ?السينما.. والى نيالا تُجبى ثمرات كل شئ وآخر صيحات الأزياء والعطور من الترقال وجميع الملبوسات الجاهزة إلى الكلونيا وكافن كافن ومختلف المنتجات الباريسية وواردات ليبيا .. وأحياء نيالا المزدهرة الجمهورية.. وأفرش.. ودردق.. والوادي.. وكوريا.. وبدايات حافظ عبد الرحمن.. وعمنا بيضه.. ومركز الشباب.. والمدرسة الصناعية.. ودار الرياضة.. والرحلات وليالي الأُنس. * إيييه يا محمود أنا ممكن أحدِّثك حتى الصباح عن دارفور عامة ونيالا خاصة لكن ماذا يفيد إجترار الذكريات ومضغ الحواشي والمتون ما لم تصحبها عبرة فما أكثر العبر وأقل الإعتبار .. كُنَّا نسافر إلى الفاشر عن طريق منواشي فنشبع «جداد ومناصيص» ونسافر عن طريق كتَّال فنرتوي «بركيب» لكن وادي كتال داير عربية إسكانيا ولساتك مرخيَّة ونمشي خزان جديد وشعيرية وكبنق والردوم وقلول ونيرتتي ونقارب حدود أفريقيا الوسطى وندخل حدود تشاد لا نخشى إلا الله .. واليوم يا محمود يتحرك أهل دارفور تحت ظلال الدوشكا.. تعرف يا محمود أكبر مشكل? حصلت على أيامنا.. إنو طائرة سودانير الفوكرز إصطدمت بحمار جاي من قد الهبوب إلى السوق فأمتنع الطيارون عن الهبوط بمطار نيالا فترة من الزمن .. وبس. والآن ها هو الزمان قد إستدار .. هل تستطيع يا محمود أن تعزمني رحلة إلى مكان ذكرته لك بدون طوف وسلاح!!؟ ولَّا ده حلم.؟ نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا وهذا هو المفروض