تعادل الزيتونة والنصر بود الكبير    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    شاهد بالفيديو.. "جيش واحد شعب واحد" تظاهرة ليلية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور    لأهلي في الجزيرة    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    وزير الخارجية : لا نمانع عودة مباحثات جدة وملتزمون بذلك    شاهد بالصورة والفيديو.. المودل آية أفرو تكشف ساقيها بشكل كامل وتستعرض جمالها ونظافة جسمها خلال جلسة "باديكير"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    معظمهم نساء وأطفال 35 ألف قتيل : منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة    عقار يؤكد سعي الحكومة وحرصها على إيصال المساعدات الإنسانية    قرار بانهاء تكليف مفوض العون الانساني    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر يطلع على الخطة التاشيرية للموسم الزراعي بولاية القضارف    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالأربعاء الرائعة نصبوا بروج الموت فوق الجامعة
على شرف الذكرى (47) لثورة (21) أكتوبر المجيدة

في لحظة ما تشعر وكأن عمرك قد سرق منك وتبدو وكأنك اكتشفت فجأة ان السنوات قد قفزت بسرعة دون ان تدري وتلتفت وراءك بحثا عنها وتتساءل اين انفقتها؟ وكيف ضاعت وتشعر وكأنما احد قد غافلك وسحبها منك دون ان تدري، وهكذا مضت الاعوام بل هكذا مضت بنا الاعوام لتطل علينا اليوم الذكرى (47) لثورة (21) اكتوبر المجيدة هذه الثورة الخالدة التي زلزلت عروش الطغاة واذهلت شعوب العالم اذ كيف بشعب اعزل الا بالايمان بربه وبوطنه وبقضيته الوطنية وهي الديمقراطية التي اطاح بها عسكر 17 نوفمبر عام 1958م فأراد الشعب السوداني ان يسترد وديعته «?لديمقراطية» وينزعها من مخالب النظام العسكري فكان له ما اراد ولكن بعد ان دفع الثمن غاليا دموعا ودماء وشهداء وجرحى ومصابين في سبيل الحرية والديمقراطية، وللاسف الشديد الكثير من الناس لا يعلمون عن اسرار وخفايا هذه الثورة العملاقة فكانت جمعية الفلسفة بجامعة الخرطوم والتي كان يرأسها الطالب مصطفى أبشر بينما كان الطالب محمد مالك عثمان سكرتيرها والطالب مختار الاصم سكرتيرها الثقافي والطلاب عثمان حاج الزاكي والسر مكي وطه امير طه اعضاء المكتب الثقافي بجمعية الفلسفة وغيرهم من الطلاب هذه الجمعية كانت السبب الرئيسي للتمه?د لاندلاع الشرارة الأولى للثورة، فرئيس الجمعية واعضاؤها كانوا ملمين بكل سطور التاريخ السرية لملحمة ثورة 21 اكتوبر 1964م ولكن لا يوجد توثيق تاريخي لاحداث هذه الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في العالم العربي والقارة الافريقية لا يوجد توثيق لها بدار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم قلعة الصمود وعرين الابطال.
فقد أراد طلاب جامعة الخرطوم التحدث عن مشكلة الجنوب فقد كانت جمعية الفلسفة جزءً من اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والذي كان يرأسه الطالب «حافظ الشيخ الزاكي».
* قيام الندوة الاولى في 10/10/ 1964م
في تلك الايام التي سبقت قيام الندوة في العاشر من اكتوبر 1964م بجامعة الخرطوم والتي كانت بعنوان «التقييم العلمي لمسألة الجنوب» كما ذكرت في تلك الايام التي سبقت قيام الندوة حينما كان الموقف السياسي في البلاد مضطربا سياسيا وامنيا اذ ان الوضع استفحل وتدهور خاصة بعد قيام النظام العسكري بطرد القساوسة الاجانب من الجنوب والذين وجدوا تعاطفا انسانيا دوليا في العالم فجاءت فكرة قيام الندوة يوم 10/10/ 1964م من قلب جمعية الفلسفة بجامعة الخرطوم وبالفعل تم التجهيز لقيام هذه الندوة وكان الحضور غير كبيد وذلك بسبب الصعوبة ال?ي وجدها أعضاء الجمعية من الناحية الاعلامية ورغم ذلك كان هناك حضور للندوة لا بأس به وكان البوليس على علم بقيام هذه الندوة ولأول مرة في تاريخ الجامعة يقتحمها البوليس منذ انشائها وتأسيسها عام 1902م اقتحمها عنوة واستدعى رئيس الاتحاد حافظ الشيخ وطلب منه فض هذه الندوة لكن البوليس قام بفض الندوة بالقوة ومثلما قال الطالب «مختار الاصم» ان النظام العسكري استخدم مع طلبة الجامعة بل استخدم ضدهم سياسة الارض المحروقة وان النظام شعر بفشله الذريع في حل مسألة الجنوب فأراد ان يخمد كل الاصوات في الشمال وكان من المفترض ان تقام?هذه الندوة بدار الاتحاد ولكن اغرقوا الدار بالماء وتم اعتقال رئيس الاتحاد الطالب حافظ الشيخ واعضاء الاتحاد في 10/10/ 1964م.
* قيام الندوة في 21 أكتوبر
قررت جمعية الفلسفة بجامعة الخرطوم ان يتم قيام الندوة يوم 21 اكتوبر 1964م أي بمعنى ندوة 10/10 التي فضها البوليس عنوة تقام من جديد وبالفعل تهيأ الطلاب لتقام هذه الندوة التاريخية التي غيرت مجرى خريطة السودان السياسية وفي المساء تجمع الطلاب والطالبات باعداد هائلة للمشاركة في هذه الندوة والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بينما كان البوليس يتجول خارج الحرم الجامعي ويراقب الموقف عن كثب فكانت عيونه داخل الجامعة عن طريق «البوليس السري» وسلاحه خارجها وكانت جمعية الفلسفة قد وجهت نداء سلفاً الى طلاب كلية الطب للحضو? مبكرا ولأن الاتحاد كان يعلم سلفا ان البوليس سيتدخل وقد تقع اصابات بين الطلاب والطالبات لذلك طلبوا من طلاب كلية الطب الحضور لعلاج أي اصابات قد تقع بينهم وبالفعل جاء طلاب كلية الطب لعلاج الطلبة المصابين.
* البوليس يقتحم الجامعة عنوة
اقتحم البوليس الجامعة منتهكاً الحرم الجامعي بقيادة ضابط برتبة «حكمدار» ووقع الصدام الدموي بين الطلبة والبوليس وتحولت ساحة العلم والثقافة ومنارة المجد تحولت الى ساحة قتال وقبل بداية المعركة كان الطالب الشهيد بابكر حسن عبد الحفيظ «ثانية قانون» كان يهتف مخاطباً زميله محمد مالك عثمان قائلا له «الليلة يوم الموت يا ود مالك والليلة لابد للقيد ان ينكسر» فكان الشعور الوطني يغلي حماساً في نفوس الطلاب والطالبات واستشهد الطالب احمد القرشي بكلية العلوم «وكان القرشي شهيدنا الاول» وقبل اطلاق الرصاص امطروا الجامعة بوابل ه?ئل من القنابل المسيلة للدموع في ذلك اليوم المشهود يوم الاربعاء 21 اكتوبر 1964م حتى قال عنه الشاعر محمد المكي ابراهيم بالاربعاء الرائعة نصبوا بروج الموت فوق الجامعة.
بالاربعاء طبولنا دقت وزوبعت الفضاء..
وتفجر الغاز البذيء على العيون مدامعا
وتوحش البارود لعلع في الحياة وفي الرئات وفي الصدور
سنعلم التاريخ ما معنى الصمود وما البطولة، وأصيب المئات من الطلبة وكانت اصابة الطالب بابكر حسن عبد الحفيظ اصابة بالغة حيث توفي بعد شهر بمستشفى الخرطوم من انتصار الثورة وتوجه بعض الطلاب الى نادي الاساتذة واخبروهم ان هناك مجزرة ارتكبها البوليس داخل الجامعة فهرعوا منزعجين الى الجامعة وحملوا بسياراتهم المصابين الى المستشفى بينما قام البوليس باعتقال بعض الطلبة ومن ضمنهم الطالب فضل الله محمد والطالب محمد مالك وعشرة من الطلاب ولم يطلق سراحهم الا بعد نجاح الثورة. وفي مستشفى الخرطوم تدافع الاساتذة والطلاب والجماهير ?الزعماء السياسيون للاحزاب تدافعوا نحو مستشفى الخرطوم التي اصبحت مرجلا يغلي وبركانا يفور من الغضب والسخط على النظام العسكري. وكان الطلاب يهتفون بسقوط النظام بينما كان جثمان الشهيد القرشي مسجى داخل المشرحة وأصر الطلاب على اخذ جثمان الشهيد القرشي بينما السلطات كانت تود حمل الجثمان رأسا الى مسقط رأسه «القراصة» خشية من الطلاب ان يطوقوا الجثمان كل انحاء العاصمة المثلثة ولكن تحت اصرار ارادة الطلاب تراجعت السلطات عن قرارها باستلام الجثمان ليستلمه الطلاب.
* تشييع جثمان الشهيد القرشي
خرج نعش الشهيد القرشي من مستشفى الخرطوم وسط كتل بشرية هائلة تجمعت داخل وخارج المستشفى وتقدم الموكب اساتذة جامعة الخرطوم والاطباء والقضاة والمحامون والمهندسون وفي مقدمة الموكب سسترات كلية التمريض العالي وجماهير الشعب السوداني، وكان المشهد مشهدا تاريخيا لا يوصف بقلم والجماهير الثائرة تهتف بسقوط النظام العسكري وتهتف بحياة الشهيد القرشي وتوجه الموكب الى ساحة المولد بالخرطوم جنوب وهناك ام المصلين في صلاة الجنازة السيد الصادق المهدي ثم خاطب الجماهير الدكتور حسن الترابي عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم وهاجم النظ?م العسكري وحيا كفاح الشعب السوداني وبطولته النادرة ثم حملت الجماهير جثمان الشهيد القرشي ووضعوه على عربة لتحمله الى مسقط رأسه «القراصة» بريفي الدويم ، وفي الطريق الى الدويم كان الصحفي محمود وصفي الذي كان يعمل بمجلة «هنا ام درمان» كان مرافقا للجثمان ويستقل عربة اخرى مع بعض الاشخاص وفي الطريق انقلبت بهم السيارة وتوفي الصحفي محمود وصفي فكان شهيد الصحافة الوحيد من بين الشهداء.
* استقالات جماعية لأساتذة الجامعة
فور وقوع الأحداث الدامية بجامعة الخرطوم تقدم اساتذة الجامعة باستقالات جماعية لمدير الجامعة البروفيسور النذير دفع الله وقدموا في مذكرة رفعوها الى مدير الجامعة احتجاجاتهم على انتهاك البوليس للحرم الجامعي واصدروا بيانا الى الشعب السوداني جاء فيه ما يلي «لقد فقدت الجامعة مقوماتها وأصبحت صورة بلا معنى وقد ديست قداسة العلم في أهله وان حرية الفكر في الجامعة خنقت ولن يقوم لاستقلال الجامعة قائمة في ظل الحكم العسكري».
* مذكرة القضاة والمحامين
الذين يمثلون نبراس العدالة في البلاد هالهم وأفزعهم ما جرى في جامعة الخرطوم يوم الاربعاء 21 اكتوبر 1964م فلعنوا الحكم العسكري الذي احال حرم الجامعة الى ساحة قتال والى دخان وبارود غطى ساحة العلم وحولها الى دماء ودموع فرفعوا مذكرة لقادة النظام العسكري الغاشم جاء في مذكرتهم «ان الاعتداء على الطلبة امر اهتز له ضمير العدالة ولن نستطيع أن ندوس على ضمائرنا ونسكت على هذا الامر وان حرم الجامعة محراب مقدس يجب عدم الاعتداء عليه».
* موكب القضاة والمحامين
توالت الاحداث عاصفة فخرج موكب القضاة والمحامين الى الشارع وشاركهم الاطباء والمهندسون حيث تحرك الموكب من امام الهيئة القضائية وكان الدكتور طه بعشر يقف امام القضائية مع زملائه الاطباء وتحرك الموكب ليعترض طريقهم حكمدار البوليس «قرشي فارس» اذ كان في مقدمة الموكب القضاة بابكر عوض الله وعبد المجيد امام وعابدين اسماعيل نقيب المحامين وعندما اعترض الموكب البوليس أمر القاضي عبد المجيد امام حكمدار البوليس قرشي فارس بالانصراف فورا لجنوده وفعلا انسحب مع جنوده وقد بدأ العد التنازلي في سقوط النظام العسكري بعد ان أعلن الم?امي عابدين اسماعيل الاضراب السياسي والعصيان المدني بعد ان طلب منه الاستاذ عبد المجيد امام اعلان ذلك وقد كان واصبح الشارع السوداني يغلي بالمظاهرات الصاخبة في كل اقاليم السودان واستمرت قافلة الشهداء فسقط الشهيد الطالب بمعهد المعلمين العالي بام درمان عبد الرحيم حران وكان وقتها عميد المعهد هو المرحوم محمد التوم التجاني كما سقط الشهيد مصطفى عتباني واستشهدت السيدة بخيتة الحفيان امام منزلها بود نوباوي عندما خرجت لاحضار حفيدتها من الشارع فأصابتها طلقة طائشة في مقتل وهي زوجة المرحوم شمام الشيخ قطب الاتحاديين بمدينة?بورتسودان حيث كان يعمل بها تاجرا كما استشهد في بورتسودان الشهيد «محمد الخليفة» وكان يعمل عاملاً بالسكة الحديد وتحولت بورتسودان الى مرجل يغلي بالمظاهرات وشيع الشهيد خليفة في موكب مهيب وخاطب الجماهير المرحوم الدكتور الحارث حمد، وكان وقتها يعمل اخصائي التوليد بمستشفى بورتسودان وحذر سيادته الحاكم العسكري ببورتسودان القائمقام صديق محمد طه الزيبق حذره من مغبة تدخل العسكر او اعتراضهم لموكب التشييع ،بينما كان قمندان البوليس ابراهيم خورشيد والذي كان متعاطفا مع الجماهير وكانت له مواقف وطنية في هذا الشأن بينما كان حك?دار البوليس المرحوم محمد مساعد فقد استخدم العنف ضد المتظاهرين وكان ملاحظ البوليس هو فيصل محمد خليل اما ضباط البوليس الذين كانوا يعملون في تلك الفترة هم الضابط الريح علي بابكر ومصطفى سربل بينما كان المرحوم بلال العوضي هو القاضي الوحيد الذي لم يشارك في اضراب القضاة وكان يرافق البوليس في فض المظاهرات حتى انه بعد استشهاد الشهيد محمد الخليفة خرجت جماهير الثغر تهتف بسقوطه وهي تهتف:
الموت الموت يا بلال
الثأر الثأر من الجزار
وكادت الجماهير ان تحرق محطة البنزين التي كان هو وكيلها لكن الجيش تصدى للجماهير وعندما اعلن الفريق ابراهيم عبود عند منتصف الليل يوم 27 اكتوبر 1964م قراره بحل المجلس الاعلى للقوات المسلحة بعد ربع ساعة فقط من القائه بيانه خرجت جماهير بورتسودان عند منتصف الليل في مظاهرات صاخبة وهي تحمل «فروع اشجار النيم وتهتف «بيان عبود تضليل للشعب».
* المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية
عقد وزير الداخلية بالانابة اللواء احمد رضا فريد مؤتمرا صحفيا بحضور وزير الخارجية احمد خير المحامي واللواء محمد نصر عثمان وزير الاستعلامات والعمل ووكيل وزارة الداخلية حسن علي عبد الله ونائب مدير البوليس اللواء احمد عبد الله أبارو بينما كان مدير البوليس هو اللواء عباس فضل وفي سؤال للصحافة «المعروف ان البوليس لا يدخل حرم الجامعة عندما يعتصم بداخلها الطلاب بل يظل مرابطاً خارج أسوار الجامعة حتى تعلن سلطات الجامعة عن اغلاقها فتصبح مباني حكومية وتزول عنها حماية العلم ولكن البوليس اخترق حرم الجامعة وضرب الطلاب أجا? وكيل وزارة الداخلية بان البوليس دخل الداخليات فقط وهي ليست ضمن الحرم الجامعي.. طبعا هذه اجابة عاجزة ومردودة عليه.. حتى ان في بيان اساتذة الجامعة قالوا فيه «انتهك اليوم حرم الجامعة واصبحت مسرحا لاراقة الدماء وديست قداسة العلم، كما ان وزير الداخلية بالانابة قال في المؤتمر الصحفي «ان الطلاب تحدوا الحكومة وقالوا لها «لابد للقيد ان ينكسر» وبالمناسبة كان وزير الداخلية وقتها هو اللواء محمد أحمد عروة.
* إعلان حظر التجول
بعد اعلان الاضراب العام والعصيان المدني انهار كل شيء في البلاد وتوقفت الحياة تماما وكل شيء اصبح مشلولا واعلن النظام العسكري حظر التجول ولكن كل هذا لم يثن جماهير الشعب السوداني لتخرج الى الشارع في تحد للنظام العسكري ولم تتوقف المظاهرات الصاخبة التي عمت كل انحاء السودان.
* دور الصحافة في الثورة
منع النظام العسكري الصحف بالخوض في احداث الثورة فتوقفت الصحف عن الصدور وأصدر رؤساء تحرير الصحف بيانا جاء فيه «لا تستطيع الصحافة ان تؤدي واجبها وهي مكبلة بالقيود واستنكروا الاعتداء الآثم على الطلاب وعلى انتهاك البوليس للحرم الجامعي كما ان رؤساء الاحزاب السياسية اصدروا بيانا عنيفا هاجموا سياسة الحكومة الرعناء وطالبوا بعودة العساكر الى ثكناتهم وكانت الجماهير تهتف «الى الثكنات يا حشرات» بينما زحفت الجماهير نحو القصر الجمهوري عندما علمت ان قادة النظام العسكري في اجتماع مع جبهة الهيئات والاحزاب السياسية داخل الق?ر زحفت الجماهير الى القصر الجمهوري وهي تهتف «الى القصر حتى النصر» وصدورهم عارية وجاء النصر من عند الله سبحانه وتعالى.
* اللواء المقبول ببورتسودان
كادت ان تحدث عاصفة كبرى بمدينة بورتسودان عندما جاء اليها اللواء المقبول الامين الحاج وزير التجارة والذي كان قادما من المملكة العربية السعودية حيث كان في زيارة رسمية لها قبل اندلاع الثورة بأيام، ربما ان مطار الخرطوم كان مغلقا في وجه الملاحة الجوية اضطرت طائرته ان تهبط في مطار بورتسودان واستقبله الحاكم العسكري القائمقام صديق محمد طه الزيبق وعند هبوط الطائرة سأل اللواء المقبول التاجر الريح ابو الحسن والذي تربطه صلة قرابة باللواء المقبول عما يجري في الخرطوم من احداث وتحاشا ان يسأل الحاكم العسكري لأنه ان سأله ف?وف يعطيه نصف الحقيقة لكن التاجر الريح اعطاه كل الحقيقة وقال له بالحرف الواحد «الشعب ما دايركم يا مقبول». ولم تكن الجماهير تعلم بوجود اللواء المقبول بمطار بورتسودان فان شعروا بوجوده قد يتفجر الموقف اكثر لو علمت الجماهير بوجوده وما ان غادر اللواء المقبول المطار حيث هبطت طائرته بالمطار الحربي بالخرطوم ما ان غادر بورتسودان حتى تنفس الحاكم العسكري الصعداء.
* سقوط النظام العسكري
واخيراً سقط النظام العسكري الذي حكم البلاد ستة اعوام عجاف تلطخت من خلال ايادي قادة النظام العسكري بدماء الشهداء بينما الاستاذ سر الختم الخليفة عميد المعهد الفني اصبح رئيسا للوزراء بعد تشكيل الحكومة الانتقالية. وتم اختياره لانه كان رجلا محايداً بينما ظل الفريق ابراهيم عبود رأسا للدولة وفي 15 نوفمبر 1964م تنحى عن الرئاسة وذهب الى منزله وتم اعتقال كل اعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وارسالهم الى سجن زالنجي بغرب السودان لتنتهي حقبة نظام عسكري غاشم صادر الحريات وبطش بالسياسيين من كل انواع الطيف السياسي فكانت ?ورة اكتوبر أم الثورات الوطنية في العالم العربي والافريقي.
* المتاريس الخالدة وقطار الموت
في نوفمبر انطلقت اشاعة قوية وسط الجماهير بان هناك تحركات عسكرية داخل الجيش لاجهاض ثورة اكتوبر فقامت الجماهير بقطع الطرق المؤدية الى الاذاعة واقامت المتاريس في كل انحاء العاصمة المثلثة لاعاقة تحرك أية آلية عسكرية وظلت الجماهير حتى الصباح تهتف بحياة وكفاح الشعب السوداني وما ان سمعت جماهير كسلا بذلك حتى قام القطب الاتحادي الاستاذ المرحوم محمد جبارة العوض باعلان حالة الاستنفار في مدينة كسلا وتحرك قطار خاص يكتظ بالجماهير بقيادته يحملون الحراب والعصى والسيوف وكل الاسلحة البيضاء وتوجهوا بالقطار الى الخرطوم لحماية?الثورة. وفي محطة الشجرة تم احتجاز القطار وجاء اعضاء من جبهة الهيئات وأوضحوا لجماهير كسلا ان ما جرى هو اشاعة والثورة لازالت بخير ورغم ان الاستاذ سر الختم الخليفة القى بيانا عبر الاذاعة نفى بشدة محاولة أي انقلاب على الثورة وطالب الجماهير بالهدوء وتوخي الحذر واليقظة.
وتغنى الاستاذ الفنان محمد الامين بليلة المتاريس:
والمتاريس دماء الشهداء
والمتاريس عيون الشرفاء
والمتاريس قلوب الكادحين
والمتاريس ضلوع الثائرين
والمتاريس سوف تبقى شامخات
في بلادي.. تكتم الانفاس
في صدر الاعادي
* كلمة أخيرة
الندوة التي تسببت في تفجير ثورة اكتوبر كانت عن الجنوب واليوم اصبح السودان بلا جنوب فوا حسرتاه على شمال بلا جنوب بعد أن تمزقت أوصال الوطن فيا اكتوبر الحزين مرحبا بك سيد الثورات الوطنية انا نصبناك فوق الجراح العظيمة حتى تكون سماءنا وصحراءنا وهواءنا النقي الذي نستنشقه، انا انتظرناك طويلا حتى صحونا على وقع نعليك في الحادي والعشرين من شهر اكتوبر الشعب هب وثار، واشعلها نار في نار، توج كفاحوا النصر فسوف تظل ثورة اكتوبر في حلوق المصابيح اغنية وانشودة وطنية لا تموت وملحمة وطنية في صدورنا ووجداننا وعاش كفاح الشعب ال?وداني مفجر الثورات ومزلزل عروش الطغاة وصانع المعجزات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.