يعتبر سوق امدرمان من اكثر الاسواق التى تتميز بالكثافة السكانية والحراك الاجتماعى، حيث يتوافد اليه الزبائن ليس من الخرطوم وبحرى وحسب وانما يأتون اليه من كافة انحاء البلاد لخصوصيته وارتباطه بالموروث الوجداني لاهل السودان، فكل من اراد الاعداد للزواج فاول مداخله من سوق ام درمان حيث متاجر التيمان التي طبقت شهرتها الآفاق. وهنالك سوق الجرتق الذي يوفر كافة مستلزمات العرس، وهنالك سوق العناقريب الشهير الذي ارتبط عنقريبه بالجرتق. «الصحافة» انتقلت الى سوق العناقريب للوقوف على حال السوق في ظل التحولات العالمية التي طالت الموروث الثقافي. صاحب احد المحال شكا من تراجع دور السوق بعد ان تخلى الناس عن الكثير من المستلزمات القديمة، والغريب في الامر ان سكان بعض المناطق الراقية مثل المنشية والرياض هم اكثر الزبائن والمداومين على زيارة السوق لشراء مستلزماتهم، كما ان السوق يصنف بأنه اعرق الاسواق الموجودة فى الخرطوم لما يميزه من توفر كل احتياجات البيت السودانى فى شتى مناحى الحياة الاحتماعية. «الصحافة» تجولت في سوق العناقريب، فكان كل من قصدناه يشير الى محلات مدثر ابرهيم حسين التى تعتبر من اقدم المحلات بالسوق، وقد تراكمت خبرات عمالها فى مجال صناعة وبيع العناقريب. ورحب بنا صاحب المحل الذي بدأ حديثه بالقول انه ورث صناعة العناقريب من جده ووالده، وان العنقريب فى بدايته كان بسيطاً جدا وبدائياً، حيث يصنع من خشب السدر، وينسج بحبال السعف، كما أن هناك نوعاً آخر من العناقريب يسمى الواحد منها بالمنجرة، وهو من خشب السنط، وتستخدم فى صناعته آلة القدوم، وينسج بالقد «وهو جلد البقر»، ويذهب مدثر إلى القول بأن ?ناعة العناقريب شهدت تطورا واضحا ودخلت فيها الآلات الحديثة والمخارط الكهربائية لخرط السبح والحق وأرجل العنقريب. وتبدأ مرحلة تصنيع العنقريب باحضارالاخشاب من الصعيد، وتحديدا من مناطق الدمازين وسنجة وسنار وكركوج، وهى انواع مختلفة حيث تتوضب هذه الاخشاب التى تأتى فى شكل عتب، وتنشر وفق مقاسات واشكال معينة هي المرق والوسادة والارجل، وبعد النجر يستخرج ما يسمى بالقور او الشوكة، وبعد ذلك تتم عملية الفتحات التى تدخل فيها الشوكات «المرق والوسادة» وتسمى بالركاب وهى تجميع العنقريب، ثم يدخل فى مرحلة السناج او الجلاد، و?وجد عناقريب المخارط حيث ادى دخول الآلات الحديثة مثل الآلات الكهربائية الى غزارة الانتاج، بالاضافة الى عامل السرعة، وهناك خراطون مهرة يخرجون اشكالا جميلة وبمسميات مختلفة، منها احفظ مالك والبلابل. وذكر مدثر ان والده عمل على تطوير العنقريب فى شكل سرير، حيث كانت فى ذاك الزمان عناقريب السروج، وهى عالية وتستعمل للجرتق، كما ان للعنقريب استعمالات عدة فى الحياة والموت. ويقول مدثر إن الاثاثات المستوردة اثرت على سوق العناقريب، فانتاب السوق الركود الذى ادى الى اندثار العناقريب وقد هجر المهنة لمدة «20» عاماً بسبب تراجع?العائد وقلة العمالة، ولكن عاوده الحنين الى المهنة من جديد، خاصة ان العنقريب جزء من الموروث الثقافي لاهل السودان، وهو ضروري في الحياة وعند الموت. وتحسر مدثر لهجر بعض العمال المهرة للمهنة، حيث قلت العمالة نسبة لدخول المستورد وقلة الاخشاب وارتفاع اسعار مواد الخام للطلاء، حيث يوجد كثير من الشباب لديهم الرغبة فى تعلم المهنة، كما أن هناك ضيق الورش والايجارت المرتفعة واجور العمال الموجودين، ليشكل ذلك عائقا امام تعلمهم صناعة العناقريب، ولفت نظر وزارة الثقافة والسياحة إلى الاهتمام بالفلكلور السودانى المتمثل فى ص?اعة العناقريب، ليعكس الثقافة السودانية، حيث تم تطوير سرير الجرتق وأخذ مناحى جمالية عدة بمشتقاته من البنابر والحق، وأيضا عادت السحارة الى الظهور من جديد، وتسخدم للزينة والاحتفاظ بالتراث. ويقول مدثر إن عنقريب الجرتق بلغت قيمته «400» جنيه وعنقريب الحياة والموت «200» جنيه.