لم يبق على انطلاق السباق الانتخابي إلا عدة أيام، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ السودان السياسي، تعتمد على صندوق الانتخابات في حكم البلاد، فيما تتطلع النساء مع بداية الاستحقاق إلى قيادة تقع على عاتقها مهمة تنفيذ أولويات واحتياجات المرأة في السباق الذي يشهد مشاركة واسعة للمرأة باعتبارها مرشحة وناخبة، فلأول مرة في تاريخ السودان تنافس المرأة على منصب رئيس الجمهورية ومنصب الوالي، بالإضافة إلى المؤسسات التشريعية الولائية والقومية. وتأتي أهمية مشاركة المرأة فى السباق الانتخابي باعتبارها الكرت الرابح فى المعركة الانتخابية، فالمرأة السودانية تمثل قوة تصويتية ضاربة منذ انتخابات الديمقراطية الثانية، وتشارك في الانتخابات التي ستجرى في بداية الشهر المقبل «2815» امرأة مرشحة في جميع أنحاء البلاد، «1763» منهن للبرلمان القومي، والباقي للمناصب الانتخابية في الرئاسة والدوائر الجغرافية وغيرها. وبرغم اختلاف وتباين برامج مرشحي الرئاسة، إلا أنهم جميعها اتفقوا على الاهتمام بقضايا المرأة، كما تعهدوا بالدعم والإصلاح التشريعي فى مجال السياسة والاقتصاد وحقوق الأسرة ودعم برامج لمعالجة العادات والممارسات السلبية التى لاتزال تعمل على تهميش المرأة وإقصائها، ودعم وتعزيز قدرة المرأة على المشاركة السياسية ومناهضة العنف القائم على نوع الجنس من خلال ضمان حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، وإزالة القوانين المقيدة للحريات، والانحياز لقضايا التمييز الإيجابي، ووقف الإقصاء والعنف وصياغة سياسات اقتصادية للقضاء على الفقر، وخلق الثروة التى تعالج احتياجات وحقوق المرأة والفتيات، والعمل على توفير وسائل إنتاجية لتحقيق الأمن الغذائي، ودعم برامج الخدمات الاجتماعية الأساسية خاصة التعليم والصحة، كما طرح كل مرشح رؤيته لمعالجة مسألة مصادقة السودان على اتفاقية حقوق المرأة «سيداو» التي يتعارض عدد من بنودها مع الشريعة الؤسلامية، كما أفردوا مساحة كبيرة فى برامجهم الانتخابية للمرأة تصل إلى 60% و40%، في محاولة لصد الاتهام القائل باستغلال الأحزاب السودانية للمرأة واستخدامها في إنجاح العملية الانتخابية، ثم تحديد عملها في الظل من أجل تقوية الأحزاب والسياسيين، دون أن تجد مكانها الطبيعي داخل هذه الأحزاب، وهي ذات المطالب التي تنادي بها النساء، فقد طالبت دكتورة نعمات كوكو رئيسة مركز الجندرة لتنمية المرأة في ورقة لها بعنوان «الأجندة المشتركة وقضايا المرأة في برامج الأحزاب السياسية» التي قدمتها خلال مؤتمر نساء الأحزاب، بضرورة توحد النساء داخل البرلمان القادم لطرح القضايا التي تخص النساء والرجال، والعمل على جعل التمييز الإيجابي في كافة القطاعات. وطرحت نعمات أربعة محاور لأجندة مشتركة لقضايا المرأة، تم الاتفاق عليها خلال العديد من المؤتمرات. هذا وقد اشتمل المقترح على محور قانوني وتشريعي يقضي بإزالة كافة القوانين المقيدة للحريات بما يتوافق مع اتفاقية السلام والدستور، كما طالبت بتفعيل المواثيق الخاصة بحقوق المرأة وتضمينها فى القوانين الوطنية، والضغط للمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» وبروتكول المرأة الإفريقي، بجانب إشراك المرأة في المجالس المحلية، والسعي لتضمين هذه القضايا في برامج المرشحات في الانتخابات القادمة، بجانب إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية لعام 1996م والجنائي لعام 1991م والنظام العام وقوانين العمل، والإسراع بسن قوانين رادعة لمحاربة الختان والاغتصاب، ومحور سياسي يقضي برفع القدرات والتنمية المؤسسية للمرأة، ودعم وتعزيز قدرة المرأة على المشاركة الفعَّالة والقيادة السياسية على جميع المستويات، وإفساح المجال لها فى موقع اتخاذ القرار، وذلك عبر تأكيد مبدأ «الكوتة» بحيث لا تقل نسبة تمثيل المرأة عن30%، بجانب محور اقتصادي يهدف لرفع المعاناة من كاهل النساء، والالتزام بأهداف الانمائية الألفية التى تستهدف مساواة النوع الاجتماعي وردم الفجوة النوعية، هذا إلى جانب وضع خطة وطنية للتصدي للفقر، إضافة إلى محور خاص ببناء السلام وإعادة التعمير فى المناطق التي تأثرت بالحرب والأمن الاجتماعي، ورفع القدرات والتنمية المؤسسية للمرأة، بجانب مطالب أخرى. وتقول الناشطة دكتورة رباب بلدو إن مشاركة المرأة في هذه الانتخابات فعَّالة، وتشمل جميع مفاصل العملية من الترشيح إلى التصويت إلى المراقبة، وحتى في المفوضية القومية للانتخابات، واعتبرت رباب أن مؤتمر نساء الأحزاب السياسية الذي انعقد أخيراً في الفترة من 23- 25 مارس الجاري، بمثابة صحوة للحركة النسوية التي اجتمعت لعكس صوت نساء السودان للعالم حول قضاياهن وأجندتهن المشتركة، وللتوقيع على ميثاق شرف وإعلان يوضح مبادئ التعاون بين المرشحات لتحقيق هذه الأجندة وحقوق المرأة المعطلة بسبب بعض القوانين المقيدة التي وصفتها بالمجحفة في حق المرأة. فيما رهنت د. بلقيس بدري تحقيق أجندة النساء المشتركة بتوفر مناخ الحريات وإشاعة الديمقراطية، ومواصلة الضغط عبر المجتمع المدني والبرلمان. وطالبت بلقيس المرشحات بالعمل على إجراء تعديلات قانونية والالتزام بالاتفاقيات الدولية، والاهتمام بمحور الصحة والتعليم ومحاربة الفقر. ودعت المرشحات إلى وضع برامج تنمية المرأة في سلم أولوياتهن. وذكَّرت بلقيس بالعبء الكبير الذي ينتظر المرشحات، مشيرة إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة، وقالت إن النساء في السودان يعانين من العنف الاجتماعي والثقافي. وأشارت إلى أن ما حصلت عليه المرأة عبر نضالها الطويل لا يزال ناقصاً، بسبب تدني مستوى أوضاع النساء في السودان.