آثرت الحكومة الصمت ازاء قضية حلايب طيلة الفترة الزمنية التي أعقبت سقوط نظام حسني مبارك في مصر ، وكانت دواعي الصمت الحكومي حينها أن القائمين على أمر العباد في مصر ما بعد الثورة ليس في مقدروهم البت في تلك القضية الدولية التي وصلت في وقت من الاوقات الى أروقة مجلس الأمن ، لكن الأن وبالتزامن مع اجراء أول انتخابات برلمانية في مصر تمهيداً لتشكيل الحكومة ، فان الخرطوم أعلنت عن عزمها فتح وتحريك ملف حلايب مع تلك الحكومة القادمة ، وقد وضعت الخرطوم من ناحية نظرية مقترحات تؤطر لهذا الحل قبل جلوس الطرفين ممثلة في ثل?ث نقاط وهي الموافقة على جعل مثلث حلايب منطقة تكامل بين البلدين شريطة اعتراف الحكومة المصرية بأنها أرض سودانية تتم ادارتها بادارة سودانية مصرية مشتركة ويتم سحب الجيشين السوداني والمصري منها وتحل محلهما شرطة من البلدين، أما الحل الثاني فيذهب فى اتجاه لجوء السودان نحو التحكيم الدولي فى «لاهاي» وذلك باختيار المسلك القانوني،وأخيراً اقامة استفتاء للشعب الموجود فى مثلث حلايب ليختار الانضمام للسودان أو مصر طوعاً. مثلما تتضمن المقترحات السودانية اشراك كافة القيادات الرسمية والشعبية والأهلية بحلايب في الخيارات ال?لاثة المطروحة . لكن الخيارات التي طرحتها الخرطوم للتعامل مع قضية حلايب تتقاطع فى اثنين منها مع سيادة السودان علي المنطقة، فقد عاب متابعون مبادرة السودان بالاعلان عن استعداده طرح المثلث كمنطقة للتكامل بين البلدين، لان المقترح يمس بسيادة السودان على جزء محتل من اراضيه باعتبار أن ادارة المنطقة ستكون مشتركة بين الجانبين السوداني والمصري . وبدا أن طرح اجراء استفتاء لتخيير ابناء المثلث بين تبعيتهم الى احدى الدولتين فيه مساس صريح بالسيادة السودانية ايضاً ، على الرغم من وجود أصوات أخرى في الداخل تصف الخيارات الثلاثة بأنها مق?ولة على الأقل من الناحية النظرية، مرجحين في ذات الوقت ان تميل الكفة ناحية الخيار المصري في تبعية المنطقة ، باعتبار أن الحكومة السودانية فشلت في تقديم أي نوع من الخدمات لمواطني حلايب على عكس الحكومات المصرية التي انشأت العديد من المرافق الخدمية كما عملت على تهجير العديد من الأسر المصرية للعيش داخل المثلث، وهو ما يدعم فرضية أن يكون غالبية السكان يؤيدون الانتماء شمالاً. وحسب المحلل السياسي الطيب زين العابدين فان المغريات المصرية المقدمة للمواطن في حلايب تفوق المقدمة من الجانب السوداني، وأضاف زين العابدين ل?« الصحافة » قائلاً « السودان غير مُغري لأي طرف حتى يرجح كفة الانتماء اليه « ، مستبعداً شفاعة العلاقات الدبلوماسية المتميزة التي نمت بين البلدين بعد اطاحة نظام مبارك في قبول الحكومة المصرية القادمة أي اجراء من شأنه التقليل من فرض السيطرة المصرية على حلايب، وأفاد بأن ثوار يناير في مصر لا يحملون أي معروف للحكومة السودانية التي ظلت صامتة طوال مدة اندلاع الثورة، وقال : الجانب المصري حريص على اقامة حكومة لاتشبه النموذج السوداني . في المقابل يبدو أن لدى القيادة المصرية المهمومة بالحفاظ على الارض المصرية ثمة موروثات من النظام البائد ، ستنتقل الي الحكومة المصرية المنتخبة القادمة ،ومن أهم تلك الموروثات مسألة السيادة المصرية على الأرض. لاسيما أرض حلايب التي تعتبر مسألة السيادة عليها من الثوابت في التاريخ السياسي المصري، منذ أن تبلورت كقضية حدودية لم يتم الفصل فيها مع الجار الجنوبي ، ووفق المختص في الشأن السوداني والمحلل السياسي هاني رسلان فان الموقف المصري ثابت تجاه قضية حلايب منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، وأوضح رسلان ل? الصحافة » أن ملف حلايب ليس رهينا بنظام مبارك وأن رحيله لا يعني أن يفرط الجانب المصري في سيادته علي المثلث، وأضاف « مسألة سيادة الأرض في مصر لها حساسية خاصة « . وعلى الرغم من عزم الخرطوم فتح ملف حلايب مع القاهرة الاّ أن الوضع في مصر ما يزال في مرحلة انتقالية حتى بعد قيام الانتخابات البرلمانية، وفي رأي رسلان فان مسألة حلايب ستظل مغلقة الي حين الانتهاء من الوضع الانتقالي القائم الان في مصر ومن ثم تشكيل حكومة منتخبة بعد اقرار دستور دائم للبلاد يحدد أي نوع من أنظمة الحكم ستحكم به مصر ،واضاف الخبير المصري مست?عداً قبول الحكومة المصرية أياً كان شكلها بالمقترح الاول، والذي يدعو الي قيام منطقة تكامل مع اعتراف مصري بأن حلايب ارض سودانية . وعلى الارض السودانية فان المواطنين السودانيين داخل مثلث حلايب ما يزالون في انتظار « الفرج « الذي سيأتيهم من الحكومة السودانية وذلك حسب المواطن عبدالله محمد الذي تحدث ل« الصحافة » ناقلاً معاناة ذويهم الذين يعيشون في ما يشبه « الحظيرة الكبيرة « حسب وصفه ، وتابع بقوله ما يهمنا أن تفرض السيادة السودانية على المنطقة واعتراف المصريين بأنها سودانية ، وقال ان السواد الأعظم من مواطني حل?يب سيصوتون لصالح الانتماء الى السودان في حال ترجيح خيار الاستفتاء ، لكنه رهن ذلك بابعاد كل القوى النظامية المصرية الموجودة في المنطقة من شرطة وأمن وجيش لأنهم وحسب اعتقاده سيعملون على استخدام القوة لفرض السطوة المصرية ومن ثم الضغط لصالح خيار مصر . وكأن العزلة التي تعيشها المنطقة تحفز الجميع لتلقي أي حلول تساعد في انهائها ، حيث شرح معتمد حلايب الأسبق جلال شليه ل« الصحافة » ما يواجهه المواطنون في التحرك من والى حلايب والصعوبات التي تقابله في التواصل مع من هم خارج المثلث، وقال « بالوضع الحالي أي رؤى للحل سنق?ل بها، وذلك لمصلحة المواطن الذي بات يعاني الأمرين جراء اغلاق القوات المصرية للحدود الجنوبية ومنعهم من التحرك جنوباً « ، وزاد « نحن نفضل أن ترجع حلايب الى حظيرة الوطن دون املاء اي شروط ، أما الان ووفق الخيارات التي طُرحت من قبل الحكومة فاننا ندعو الى اشراك كل أهالي المنطقة في المحادثات التي تتعلق بمصيرها « . في الجانب الاخر فان هناك اصواتا اخذت في الارتفاع بعد الانتهاء من العملية الانتخابية في مصر تؤكد السيادة المصرية علي هذه المنطقة بالكامل..بحكم انها تابعة ادارياً لمحافظة البحر الأحمر في مصر وبحكم أن الم?اطنين الموجودين فيها قد مارسوا حقهم في التصويت ، الاّ أن قلة قليلة من أولئك المواطنين هم من تكمنوا فعلياً من ممارسة ذلك الحق حسب ما أفاد به المواطن عبدالله محمد الذي أكد ان عدد الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات المصرية لا يتعدى ال« 300» مواطن فقط واغلبهم من المهجرين من محافظات اخرى ،بعد أن رهنت السلطات المصرية حق التصويت بمن يكون في حيازتهم بطاقات الرقم القومي ، حيث يجد المواطن المجر نفسه مشقة وعنت في الحصول عليها .