أعلن في مؤتمر الغذاء العالمي المنعقد في روما عام 1974م أن السودان هو أحد ثلاث دول رشحت لتكون سلة غذاء العالم خاصة في مجال توفير الغلال والحبوب الزيتية والمنتجات الحيوانية،وذلك استنادا الى التنوع المناخي ،والمساحات الشاسعة والمسطحة التي تعادل حوالي 46% من جملة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي والموارد المائية الضخمة،والموقع الاستراتيجي في قلب أفريقيا والخبرة المتراكمة للبحث العلمي الزراعي حيث أنشئت أول محطة للبحوث الزراعية على 1904 وتلتها أول محطة لبحوث الثروة الحيوانية في عام 1913م. ولكن شعار "السودان سلة غذاء العالم" دخل مرحلة النسيان لأن الجهات الرسمية على مر العهود السياسية الوطنية المتعاقبة لم تتوفر لديها الارادة لترجمة الشعار،ولم تبذل جهدا لتشجيع الاستثمار عبر تهيئة مناخه وتطوير القوانين المنظمة له، واهمال البنية الزراعية وتحديثها وادخال التقانة وظلت الزراعة تقليدية وتأثرت كثيرا بتقلب المناخ. القطاع الخاص ظل بعيدا عن الاستثمار الزراعي لتخوفه من الدخول في مخاطر ولم يجد التشجيع من الدولة ،لذا تراجع الانتاج الزراعي وبدلا عن ان نكون سلعة لغذاء العالم تقدمنا الى الخلف وصرنا نستورد غذاءنا من وراء البحار من قمح وزيوت والبان وحتى اللحوم كما حدث اخيرا بعد ارتفاع اسعارها. قضيت نهار أمس في جولة بشرق النيل في رفقة النائب الاول للرئيس ووالي الخرطوم شملت مشروعات للانتاج الزراعي والحيواني للقطاع الخاص،فالشركة التجارية الوسطى أنشأت مشتلا حديثا للشتول ينتج عشرة ملايين شتلة للانتاج البستاني يضاعف الانتاج بصورة كبيرة ويعالج الشكوى من فساد التقاوي،ويختصر على المنتجين وقتا وجهدا وفي مشروع داجن لانتاج الدواجن الذي تشارك فيه ولاية الخرطوم المستثمرين بأقل من 20 في المئة زاد الانتاج من 700 ألف فرخة في العام في العام 2005 الى نحو عشرة ملايين فرخة سنويا تساوي 28 في المئة من المعروض في الاسو?ق، ويوظف المشروع اكثر من 400 عامل،وزاد رأس مال الشركة نحو 15 ضعفا،وصارت هناك صناعة للدواجن من مرحلة الامهات حتى انتاج اللحوم. وفي نهاية الرحلة كانت الزيارة الى مشروع انتاج الالبان لصاحبه رجل الاعمال مأمون عبد المتعال في مساحة ألف فدان،وبه 350 بقرة حلوب ويستهدف الف بقرة وهو مشروع حديث،يثبت أن رأس المال ليس جبانا دائما، ويمكن ان يخرج من التجارة التقليدية التي لا تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكنه يحتاج الى تشجيع عبر توفير البنية المرتبطة بالزراعة. وخلال التوقف في مشروع السليت كنت أتمنى ان نلتقي الشباب الذين خصصت لهم مشروعات عبر التمويل الاصغر للوقف على تجربتهم لأن ما ذكره مسؤول لم يشمل ارقاما وتحدث بلسانهم بطريقة ليست مطمئنة ولا تعكس الوضع الحقيقي لتلك المشروعات وجدواها حتى لا تكون شعارات للدعاية السياسية أكثر من كونها حلا لمشكلات الشباب وتوظيف قدراتهم. وخرجت من الجولة بأن افضل وسيلة لزيادة الانتاج الزراعي والحيواني ودفع الاقتصاد هو خروج الحكومة من السوق تماما، وينبغي ان تركز على تشجيع المستثمرين عبر تسهيل الاجراءات واصلاح القوانين والسياسات المالية والنقدية،وتوفير البنية التحتية،ومعالجة مشكلة حيازة الاراضي التي تشكل أكبر عائق امام المستثمرين،ومراجعة فرض الضرائب والرسوم،وقد زرت المملكة المغربية قبل شهور وخلال جولة في بعض المزارع ،علمت من المزارعين ان العاهل المغربي اصدر قرار بإعفاء الزراعة من اية رسوم او ضريبة لمدة عشرين عاما، وكان للقرار فعل السحر في تحف?ز المزاراعين. ولاية الخرطوم وضعت رجلها على الطريق عبر حفز القطاع الخاص للولوج الى الانتاج الزراعي والحيواني ولكن ينتظرها الكثير ،فهذا المجال ما يزال بكرا وهناك اراض شاسعة غير مستقلة تحتاج الى توفير الري والكهرباء والطرق التي تجعلها قابلة للحياة،وبغير ذلك ستظل اراض غبراء جرداء لا تفيد الدولة والمجتمع. ومن المؤشرات الايجابية أن توجه رأس المال الوطني ورجال الاعمال الى هذا النوع من الاستثمار يعكس أنه مجال واعد ونام وجاذب والا لما غامر رجال أعمال بارزون لهم اسمهم ووزنهم في دنيا المال.