لكل بقعة من بقاع السودان خصوصيتها في النواحي الغذائية خاصة بها، فالملوحة أو التركين كما يسميها المحس، ارتبطت ارتباطا وثيقا بشمال السودان. والتركين وجبه قوامها السمك، وهى احدى الوجبات المحببة لأبناء الشمالية، اذ يتعاطونها بشراهة في فصل الشتاء والخريف لأنها دافئة. ويقال إن التركين وجبة قديمة جداً مرتبطة بالفراعنة ومشتركة بين السودان ومصر مثل الفسيخ، وتشير بعض المصادر الى ان التركين كان الغذاء الرئيسي في عهد الممالك النوبية القديمة. «الصحافة» اتجهت إلى جبل الأولياء في محاولة لسبر غور التركين، فاستقبلنا الحاجة فاطمة محمد بترحاب وكرم، وأعدت الملوحة، وأخبرتنا بكيفية تحضير التركين. فقالت: بعد أن يجهز إناء كبير محكم الإغلاق يوضع فيه سمك الساردين النيلي الكبير أو المتوسط أو سمك الصير، ويوضع عليه الملح الخشن والشطة وزيت نباتي وعصير ليمون، ويغلق بإحكام ويترك لمدة شهر أو أكثر، والبعض يفضل دفنه تحت الأرض حتى يتحلل ويصبح «تركين»، وذكرت الحاجة فاطمة أن التركين يؤكل نيئاً بعد أن يوضع عليه الماء لتصفيته من رواسب السمك وتقليل الملح، ويضاف له البصل ?الشطة وباقي البهارات، ويؤكل بالقراصة الوجبة الرئيسية لأهل الشمالية. واشارت الحاجة فاطمة الى أن البعض لا يتناول التركين الا بعد طهيه، اذ يتم تحمير البصل وتضاف الصلصه والفول السوداني المسحون «الدكوة»، ويضاف الدقيق حتى يثقل قوامه. وهنالك فرق بين الملوحة والتركين، فالملوحة تؤكل مطبوخة بعكس التركين. وحذرت الدكتورة سوسن احمد دفع الله من إضرار التركين على مرضى الضغط والكلى والمرارة وجرثومة المعدة التي تزيد شراهة عند تناول الاكل المالح، ولذلك فإنها تنصح هؤلاء المرضى بتجنب أكل التركين لأنه يحتوي على نسبة عاليه من الملح الذي يستخدم بهدف الحماية من البكتريا. وتمضي الدكتورة سوسن في القول إلى ان استخدام التركين بتركيز يقود الي نقص الماء في الجسم وارتفاع الضغط وتهيج الغشاء المخاطي للمعدة، وهو خطر على من يعانون مشكلات في المعدة، وذلك لكثرة ال?وابل. وتنصح الدكتورة سوسن محبي التركين بتناوله مطبوخا وذلك لقتل البكتريا أن وجدت لأنها قد تسبب التسمم. وخلال جولتنا التقينا بالحاج مؤمن الذي قال انه يتناول التركين كل نهاية أسبوع، وقال إن وجبته غنية بالبروتين ومفيدة رغم رائحتها القوية والمزعجة. ويلجا الحاح مؤمن إلى استعمال معجون الأسنان للتخلص من الرائحة، لان جميع أنواع الصابون المعطر لا تزيل الرائحة، ويشعرك بالعطش طوال اليوم رغم ذلك، واسرته حريصة على التركين، فوجبته ممتعة وتذكر الناس باصولهم. أما محمد على فقد قال أنه لا يحب التركين ويفضل الفسيخ، وينزعج من رائحته القوية. وفي أحد الأيام يوم دعاه جاره لتناوله فاعجبته هذه الوجبة لأنها دسمة، وأصبح متخصصاً فيها خصوصاً مع الشطة الخضراء، وأصبح يتناولها مع جارة كل جمعة. الحاج فضل قال إنه يتناول التركين منذ الصغر مع البصل والقراصة التقيلة والليمون والشمار والشطة والفلفل وتأكل بنفس، ولو معزوم خروف محشي ما تخلى وجبة التركين. واضاف الحاج فضل إن فتيات هذا الجيل متثقفات حتى القراصة غيرن فيها وأصبحت تشبه الفطيرة اللبنانية، والتركين مشهور لدى المحس والشوايقة والدناقلة ونسائهم متخصصات في هذه الوجبة. «لم آكل التركين من قبل» هكذا قال الشاب عمر محمد، واضاف أن معظم الشباب لا يعرفون ما هو التركين نتيجة لايقاع الحياة السريع، فمعظم البيوت تلجأ للوجبات السريعة، وبعض نساء هذا الجيل لا يعرفن إعداد مثل هذه الوجبات البلدية الاصيلة، ولازال السودان يحتفظ بتراثه ووجباته مثل الكول والتركين والكركنج والمرس، وغيرها من الوجبات المحببة والمفضلة في بعض بقاع السودان.