بالرغم من إعلان وتبني الحكومة سلسلة إجراءات متصلة لتسهيل تدفق الاستثمارات الخارجية إلى البلاد وتشجيع المستثمرين بالقطاع الخاص المحلي لاسيما بعد انفصال الجنوب برزت الحاجة لزيادة الاستثمارات بصورة أكبر لسد نقص إيرادات الخزينة العامة جراء فقدانها عائدات نفط الجنوب واستمرار تأثيرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا، الأمر الذي يحتم التوجه بقوة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بغية مساهمتها بفاعلية في زيادة الدخل القومي وتنشيط الدورة الاقتصادية في كافة ا?قطاعات لاسيما الإنتاجية الحقيقية «الزراعة والصناعة» غير أن مختصين في مجال الاقتصاد يرون أن ثمة عقابيل كثيرة مازالت تعترض قطار الاستثمارات الأجنبية بالبلاد ينبغي التصدي لها بقوة وحسم حتى تؤتي الاستثمارات الأجنبية أكلها على رأسها التمتع باستقرار اقتصادي لاسيما فيما يخص جانب سعر الصرف ومعدل التضخم وأبانوا أن الاستثمارات لن يرتفع معدلها بالبلاد ويتجه نحو القمة حال عدم التمتع باستقرار أمني شامل بالبلاد والافتقار إلى التوصل إلى حل المشكلات الأمنية في دارفور وأبيي وجنوب كردفان النيل الأزرق واستقرار الأوضاع السياس?ة حتى يمهد الطريق للاستقرار الاقتصادي ومن ثم التحكم في معدلات التضخم وكبح جماح سعر الصرف. ويرى البروفيسور عصام بوب إن توجيه الأنظار للاستثمار الخارجي المباشر وغير المباشر تم من قبل الحكومة وعملت على حفز المواطنين للاستثمار الداخلي، وهيأت وأنشأت هياكل تنظيمية، وخصصت وزارة للاستثمار، وأرست مجلساً أعلى خاصاً به. فكان يتوقع أن تدفع كل الجهود المبذولة مسيرة الاستثمار بالبلاد وتحسن الاقتصادي السوداني بفضل إسهامها في تحسين مستواه ومن ثم الانفتاح على العالم، غير أنه بحسب بوب لم توضع كل الجهود في موضع العمل لجهة أن كل قوانين الاستثمار تجابه بجملة عقبات ومطبات صعوبة التطبيق على أرض الواقع، نسبة للبيروقرا?ية المصاحبة والملازمة لأداء التي نأت بقطار الاستثمار عن السير على قضبانه، بجانب ضعف الرؤية للاستثمارات الأجنبية التي تم استدراجها لباحة البلاد التي تم إغراؤها بالأراضي المتوفرة بالسودان، غير أن عدداً من المستثمرين حولوها إلى مصادر لأعمال تجارية من جانب الدولة والمستثمرين على حد سواء تحت غطاء الاستثمار. وخلص بوب إلى أن عيب الاستثمار بالبلاد إداري، لجهة اتخاذه لتحقيق منافع شخصية وذاتية. ووصف ما يحدث منه على ارض الواقع بأنه استنزاف لأصول ورؤوس أموال المواطنين، وأن الحل من مأزق الاستثمار في إعادة هيكلة الاقتصا? الكلي وليس ما يلي الاستثمار فحسب وغير بعيد عن إفادة بوب يواصل الدكتور محمد الناير قائلاً: صحيح إن بسط الحوافز وتخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على المشاريع الاستثمارية وتطبيق طريقة النافذة الواحدة لإكمال الإجراءات وفك الاشتباكات والتقطاعات التشريعية بين مستويات الحكم لا سيما في ما يختص بالأراضي وفرض الرسوم والجبايات، يمهد الطريق للمستثمرين، إلا أن ذلك لن يجدي فتيلا ولا يمكن له حال عدم التمتع باستقرار أمني شامل بالبلاد التوصل إلى حل المشكلات الأمنية في دارفور وأبيي وجنوب كردفان النيل الأزرق واستقرار الأوضاع السياسية بالبلاد الذي يمهد الطريق?للاستقرار الاقتصادي ومن ثم التحكم في معدلات التضخم وكبح جماح سعر الصرف. وعضد زعمه باستدلاله بأن الاهتمام المتعاظم الذي بذلته الدولة لجذب الاستثمارات لم يكن العائد منه في تدفق الاستثمار بالصورة التي يتطلع لها الجميع، ولا يتناسب حجمه مع حجم التسهيلات المبذولة له من قبل الدولة. ودعا الناير للاهتمام بالاستقرار الأمني والسياسي بغية تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي ينقاد لهما، ومن ثم تتبعه تدفقات الاستثمارات على البلاد من كل حدب وصوب ومن جانبه عضد المحاضر بجامعة الأحفاد الدكتور السماني هنون ما ذهب إليه الناير، وأضاف أن المعضلات التي تجابه الاستثمار الخارجي المباشر كثيرة، أجملها في التشريعات والقوانين المنظمة، وطالب بإعادة النظر فيها حتى توفر الحماية اللازمة للمستثمر وأصوله من الضياع والاعتداء، بجانب معاناة الاقتصاد من عدم الاستقرار مما يؤثر بصورة كبيرة ويعمل على زعزعة ثقة المستثمر في الاقتصاد جراء عدم استقرار سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم والضرائب الباهظة وارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم القدرة على منافسة المنتجات الخارجية. ودعا هنون إلى تو?يه وتركيز الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية الحقيقية «الزراعة والصناعة» والنأي بها عن القطاعات الهامشية. وطالب هنون بأن يكون قانون الاستثمار فيدراليا على أن تتواءم معه في انسجام القوانين الولائية والمحلية، مع ضرورة تلبية نظم التقنية الحديثة في إنجاز المعاملات المكتبية كسباً للوقت وتوفيراً للجهد وفي ذات المنحى طالب المحاضر بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الدكتور عبد العظيم المهل، بالتدرج في بذل الحوافز والاستثناءات للمستثمرين، بحيث تعتمد في حجمها على حجم تمويل المشروع المعين الذي يطلب المستثمر إنشاءه، فكلما زاد رأس مال وتكلفة المشروع زيدت له الإعفاءات والاستثناءات، علاوة على نوع القطاع الذي يرى المستثمر الدخول فيه، فالذي يستثمر في القطاع الزراعي يمنح إعفاءات أكبر من التي تمنح للمستثمر في قطاع الخدمات والصناعات، بهدف تشجيع الاستثمار الزراعي الذي تمثل نسبة الاستثمارات الحالية فيه 2% والتي بالقطاع?الصناعي 33% وأكبرها في قطاع الخدمات حيث وصلت نسبة الاستثمارات فيه 65%. وطالب المهل بزيادة الحوافز الاستثمارية للقطاع الزراعي حتى تستقيم المعادلة ويتم تصحيح الصورة المقلوبة في بلد يتمتع بموارد زراعية كبيرة. وواصل المهل حديثه بأن يوضع موقع المشروع في الاعتبار، فكلما ابتعد موقعه عن المركز زاد حجم التسهيلات له لتشجيع التنمية بالولايات، كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم التوقف عند حجم العمالة المحلية التي يمكنها الاستفادة من المشروع في ظل الأزمة المالية العالمية. ودعا لعدم نسيان حجم إسهام المشروع الاستثماري في زي?دة حجم الصادرات وإحلال الواردات، فكلما كبر دوره زادت له السلطات المختصة حجم التخفيضات والإعفاءات وكافة أشكال التسهيلات. وشدد المهل على ألا يغفل دور المشروع في التنمية المحلية وقدرته على دحر جيوش الفقر بين المواطنين المحليين. وأضاف المهل أن طبيعة تكوين المجلس تمنحه ميزة كبيرة لزيادة فاعليته وقدرته على تشجيع الاستثمار، وتذليل كافة الصعاب التي تعترض طريقه من إجراءات وتشريعات، وبالتالي سرعة إنجاز كافة المعاملات والإجراءات المتعلقة بالمشروع عبر تفعيل نظام النافذة الواحدة وفك الاشتباكات القانونية والتشريعية بين ?ستويات الحكم المحلي. وأعرب المهل عن أسفه لهروب كثير من المستثمرين العرب إلى مصر وإثيوبيا. وقال إن هناك حاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراق القطاع الاستثماري لجذب المزيد من الاستثمارات الجديدة لتعويض فاقد عائدات النفط بعد انفصال الجنوب.