أما أهم وسائل فض النزاعات فتنحصر في : أ. وسائل غير تحاكمية : تبدأ بالمفاوضات ، ثم المساعي الحميدة ، فالوساطة ، فالتحقيق ، والتوفيق ثم المنظمات الاقليمية والدولية . « لجأ السودان في عام 1958م للمفاوضات وفشل ، فلجأ الي المنظمة الأممية ومنظمة الدول الأفريقية والجامعة العربية» بينما لجأت مصر « للعنف» . ب. وسائل تحاكمية : كالتحكيم الدولي والقضاء الدولي وعموماً تلجأ المجتمعات الصديقة للوسائل غير التحاكمية لأن نتائجها ترضي الطرفين علي عكس ، الوسائل التحاكمية التي ترضي طرفا دون الآخر . -ويجدر بنا أن نذكر أن مفهوم التعامل أو الادارة الوقائية للنزاع خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان نتاجا طبيعيا للمعسكرين الشرقي والغربي ، وقد وضع نظامان للوقاية أحدهما بواسطة «لوند» متدرج من التنمية ، الي الحكم ، الاسلوب الحربي ثم أخيراً الاسلوب الحربي . ونظام «الياسون» وهو أيضاً متدرج يبدأ : بالانذار المبكر ، ثم بعثة تقصي الحقائق ، ثم اقناع طرفي النزاع باللجوء لاجراءات الأممالمتحدة الثمانية ، ثم استخدام الجيل الجديد من عمليات حفظ السلام ، ثم استخدام اجراءات الأممالمتحدة السلمية وفقاً للمادة «7» التي تحتوي علي اجراءات متدرجة تبدأ بفرض عقوبات اقتصادية وتنتهي باستخدام القوة العسكرية وفقاً للمادة نفسها . } مصر لم تتبع الوسائل التحاكمية ولن تتبع الوسائل غير التحاكمية ولا نظام «الياسون» أو نظام «لوند» {. - فالتحكيم الدولي يتطلب موافقة طرفي أو أطراف النزاع ، للقبول بايداع مشكلة النزاع للتحكيم الدولي والقبول بالنتائج مهما كانت وتنفيذها ... وحتي الآن مصر بعيدة عن تنفيذ هذا الاسلوب .. ولن يتحقق ذلك الاّ اذا مورس عليها ضغط سياسي ، وهذا في الوقت الحالي أمر صعب « ملحوظة : أحد أسباب انسحاب القوات المصرية من حلايب عام 1958م ، أن أمريكا هددتها بالتدخل اذا لم تنسحب ، سبحان الله ... ذلك كان موقف والآن موقف آخر مغاير » « السودان وجنوب السودان احتكما برغبتهما للتحكيم الدولي ». تقرير المصير والاستفتاء : * بدأ ظهور تقرير المصير وصيانة حقوق الأقليات كمفهوم جديد في أعقاب الحرب العالمية الأولي ، وظهر ذلك جلياً من خلال مبادئ الرئيس الأمريكي الأسبق «وليسون» : « حق الشعوب في الحرية وفي تقرير مصيرها السياسي وحقها في تقرير نوع اقتصادها» ، التي لم تضمن في ميثاق عصبه الأممالمتحدة . * عند قيام الأممالمتحدة ، حيث كانت كثير من الدول تقع تحت الاستعمار ، فقد قنن نظام للدول غير المتمتعة بالحكم الذاتي ، ونظام الوصايا . وعموماً جاء تقرير المصير للتحرر والاستقلال السياسي للدول المستعمرة . * عُرف ما يسمي بحق تقرير المصير« التعويضي» كشكل من أشكال تقرير المصير ، وهي تعني بتوزيع السلطات علي الجماعات والمناطق المركزية أو المحلية ، أي التنازل عن قدر من سيادة الدول لصالح جماعات كالاتحاد الفدرالي . * كذلك حق تقرير المصير الداخلي أو التمثيلي INTERNAL OR REPRESENTATIONAL ، حيث تسعي مجموعة من سكان دولة قائمة الي تغيير الأوضاع السياسية القائمة لصالح وضع معين أكثر ديمقراطية وأوسع تمثيلاً. هذا النمط هو الذي طالب به جنوب السودان ، بالرغم أن التعريف الواضح لمعني « حق تقرير المصير» ، الاّ أن الاعلان العالمي لم يُعرف المقصود بكلمة « شعب» مما أضاف غموضاً علي كيفية تطبيق « الحق» خارج نطاق الحقبة الاستعمارية ، حيث ظهر حق تقرير المصير في معظم الحالات كعقبة في طريق وحدة الدول وسيادة أراضيها . * ورغم ذلك يري البعض أن حق تقرير المصير حق من حقوق الانسان ، لذا فان انهاء سيادة دولة واقامة دولة جديدة عن طريق تقرير المصير بوصفه حقاً من حقوق الانسان للفئات الاجتماعية الأصغر حجماً ، هو الملجأ الأخير وفق الشروط التالية : * عندما تُجرب جميع وسائل العلاج الاجتماعية ، ويثبت عدم فعاليتها لحماية حقوق الفئات الاجتماعية وتحقيق أهدافها وتطلعاتها . * عندما يكون قد ثبت وفقاً للمعايير الدولية أن الضمانات والآليات الممنوحة غير فعالة لحماية حقوق وهوية هذه الجماعات . كذلك هنالك شروط موضوعية لحق تقرير المصير وفقاً للقانون الدولي حتي تصبح القضية ناجحة وهي كما يلي : - وجود مجتمع أو مجموعة بشرية أو شعب يعيش في اقليم جغرافي محدد ومعروف للدولة الأم وذلك لتعضيد مطالبه . * وجود سياسة تمييز وتفرقة واضطهاد منتظمة تقع علي أقليه معينة . * قيام الحكومة المركزية بنقض كل العهود والمواثيق وفضها واجهاضها لكل مشاريع التسوية السلمية والدستورية « استنفاد كل الطرق السلمية لحل النزاع» . * امكانية حدوث سلام دائم وعادل في حالة منح أي نوع من أنواع الحكم الذاتي أو انفصال الاقليم . يتضح من ذلك ، أن حق تقرير المصير والاستفتاء ، غير متوفرة أركانه ، لا من خلال ، « الملجأ الأخير للفئات صغيرة الحجم» ولا من خلال « حق تقرير المصير الداخلي أو التمثيلي » ولا من خلال « الشروط الموضوعية لحق تقرير المصير وفقاً للقانون الدولي » . * مواطنو حلايب لم يبدوا رغبتهم واضحة في طلبهم لحق تقرير المصير ، وحتي ولو تم ذلك فانه يتم من خلال بلد محتل بواسطة دولة وفرت المغريات جميعها للسكان خلال أكثر من عشرين عاماً ، وهم لم يحكموا ديمقراطياً ولم توفر لهم أدني حقوق الانسان والفيصل منظمة حقوق الانسان والمنظمات الدولية . * والسؤال أيضاً هل سيكون المطلب فقط البقاء ضمن السودان أو الانضمام لمصر أو إقامة دولة منفصلة ؟؟؟ * أيضاً هل كان الاحتلال المصري بطلب من سكان حلايب ، كاستنجاد بهم لتوفير الأمن والديمقراطية والعدالة ؟؟ الاجابة طبعاً لا فلم يطلب المواطنون من مصر أن تحررهم بل فوجئت بهم تحتلهم وتمارس عليهم ممارسة الاستعمار عادة . ختاماً : * كل الخيارات المطروحة بواسطة السودان لديها محاذير ، واعتقد أكثر الخيارات حظاً ايجابياً للسودان هو التحكيم الدولي في حالة تقبل المصريين ، واستعداد السودان بصورة مميزة والتجهيز القانوني للملفات والتي كما اعتقد كلها في صالحه، وبعدها يمكن أن يسدل الستار علي المشكلة . * استمرار مصر في الخيار الأول « مواصلة الاحتلال» ، له آثار سالبة علي العلاقات وللسودان بعد ذلك كثير من الخيارات يمكن أن يستخدمها ، في الوقت المناسب . وسنأتي لذلك في وقت لاحق . * انتظار مصر حتي تكون الحكومة الجديدة ، لا يتناسب مع ما تقوم به حكومتهم المؤقتة في فتحها لكثير من الملفات الاستراتيجية مع السودان وغيره ، مساهمتنا الفعالة في ايجاد الحلول لها . لذا بالضرورة فتح الملف الآن ، حتي تضطلع الحكومة الجديدة بمهامها بعد أن تكون الحكومة السابقة قد وضعت بعض الخيارات . * مشكلة حلايب أحد أهم القضايا القومية الهامة « التي ترتبط ارتباطاً كبيراً بسيادة السودان كركن من أركان الدولة ، لذا فلابد ، أن لا نجعل المشكلة ولائية « البحر الأحمر» ولا قبلية « البشاريين» ولكن مشكلة تتضافر فيها جهود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني والأحزاب بجانب حلايب وولاية البحر الأحمر . . والله من وراء القصد