أغنية سودانية (1) إعلان الاستقلال: بين المقاربة والمقارنة ٭ درجنا - على أن نحتفل في كل عام جديد باستقلال البلاد، ولم تخرج الاحتفالات في كل الاوقات ومنذ عام 1956 عن دائرة (الخطابة) و(الانفعال الموسمي)، بلحظة رفع العلم ودموع الرجال وزغاريد النساء وخيلاء الصراع: (حساب العقل) يقول بأن (الشلل) ظل يفرض نفسه على وجداننا وتفكيرنا السياسي، ولم نخلد ولو لمرة واحدة لأسئلة مشروعة: ما هي الترجمة الفعلية لنيل بلادنا سيادتها بعيداً عن قهر الاستعمار.. ما معنى الحرية في سياق الالتزام الصارم بالمبدأ الديمقراطي.. ان عنواناً كبيراً جامداً، ظل يشكل في وجدان الأجيال علامة فارقة.. أين معالم التقدم والازدهار والاستقرار، واذا لم يكن من العدالة اطلاق الأحكام، فان للتاريخ عينا ترصد في أمانة - نصف الكوب الآخر: وهو نصف - (ملعون.. ملعون.. معلون).. ٭ وقائع وصراعات (ما قبل اعلان الاستقلال) - لا عليه - وبأية حال من الأحوال، ان تخرج عن التمسك (بسيادة الوطن المستقل) وان شاب دروبها اختلاف الوسائل والرؤى وتقدير الظروف التي أحاطت بالعملية السياسية آنذاك وتبدو القراءة الواضحة للعيان كما يلي: - لم تكن بدايات ما بعد اتفاقية 1899 كما أراد ورسم المستعمر البريطاني جهداً فكرياً له. - كان الاحساس بالاستقلال كامناً في عقول ووجدان أهل السودان وعبروا عنه بالمواجهة المسلحة في مرحلته الأولى (مشروعات الثورات الشعبية وانتفاضة 1924 العسكرية/المدنية). - عبرت النخب بعد قراءة ثاقبة للوضع ومن خلالها مؤتمر الخريجين بعد عام 1938 عن أسلوب مدني راقٍ في مواجهة الاستعمار: المناورة والصراع الهادئ والمنطق المقبول. - حالة الإختلاف في وسائل انتزاع الاستقلال ارتبطت لأسباب مقدرة، (واستقواء طرفي الحكم الثنائي) بريطانيا ومصر، ولم يكن ذلك غريباً. - (السودان للسودانيين كان (نداءاً صحيحاً) ويطابق (شحنة الثورة) عند أهل البلاد ولكن كان يعرض البلاد في وضوح (لتدخل مصري) كان ماثلاً وعلى الأخص قبل ثورة يوليو 1952 وفي هذا السياق يمكن فهم دعوة التيارات الاتحادية للوحدة أو الاتحاد مع مصر فقد خففت من غلواء الصراع على السودان وكانت اللحظة الفارقة للتعبير التي انفجرت لتعبر عن ارادة الوطن هي (حوادث أول مارس 1954 وقبلها يمكن الرجوع لتصريحات السيد اسماعيل الأزهري قبل وبعد الاحداث فبراير 1954 مع المستشار (لوس) راجع د. حسن عابدين أو تصريحات في لندن نوفمبر 1954. ٭ حين تم اعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955 كان تدبيراً محكماً من أروع تدابير صناعة السياسة فقد تم توزيع الادوار في حنكة ودراية واستطاع (أهل السودان) من خلال سلوكهم السياسي أن يجنبوا البلاد ويلات مراحل ما بعد الاستقلال التي عاشتها بلاد افريقية أخرى. - ويبدو - في هذا المقام ان نشير وفي تجرد إلى أن الجمعية التشريعية 1948 وهي محل ريب وشك من قبل الاتحاديين والجبهة المعادية للاستعمار والاخوان المسلمين قد اقترحت من قبل العضو (حاج أمين) عضو حزب الأمة في جلسة 14513 أكتوبر 1950 اعلاناً ينص على أن (نحن أعضاء الجمعية التشريعية بالسودان من رأينا أن السودان وصل المرحلة التي يمكنه فيها أن يمنح الحكم الذاتي، نرجو من معالي الحاكم العام الاتصال بدولتي الحكم الثنائي لاصدار تشريع مشترك بمنح الحكم الذاتي).. أمين التوم، ذكريات ومواقف ص71 وقد أجيز الاقتراح بعد تداول عنيف بأغلببية صوت واحد حيث نالت الموافقة 39 صوتاً واعترض عليه 38 صوتاً ولم توافق على الاجراء سواء بريطانيا أو مصر حيث رأت بريطانيا أن الحاكم العامل لم يستشرها ،وبعد ما وقف عبد الرحمن محمد ابراهيم دبكة (حزب أمة) ليقترح من داخل البرلمان ما تم الاتفاق عليه سلفاً بين الاحزاب ليقترح: (نحن اعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن وباسم الشعب السوداني أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من معاليكم (الحاكم العام) ان تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الاعلان فوراً وثنى الاقتراح (مشاور سهل جمعة) ففاز الاقتراح بالاجماع. ٭ القراءة بسيطة وغير معقدة.. الصراع السياسي بين نخب ذلك الزمان، اتجهت في وعي ومسؤولية إلى ان ينال السودان استقلاله ولم تفت بعض الاحداث الخطيرة من عضد الفكرة الاساسي، وجسد تلك النخب من الوطن تماماً. ٭ قام ذلك الجيل بدوره كاملاً في اخلاق عالية ووعي ومسؤولية ، فرحمهم الله رحمة واسعة واسكنهم فسيح جناته - (ما خلو فرضاً ناقص). (2) الاستقلال في معناه البسيط لا يعني ولا يمكن أن يعني مجرد الوصول إلى كراسي الحكم فقيمته الاساسية هي التغيير الشامل لمصلحة الوطن: استقراراً سياسياً وازدهاراً اقتصادياً.. وأماناً اجتماعياً وعلاقات متوازنة مع المجتمع الاقليمي والدولي بابتعاد عن محاور الصراع القاتلة وكان من الغريب أن يكون الوضعمقلوباً.. رأس الحرم (النخب السياسي)..! فتاجر بالشعارات في (شطارة وفهلوة) باقصاء غير محترم للمواطن (مهمشاً وجهلاً واستعلاءاً) وفي كل خطأ فادح ولم تكن نتيجة التنطع والتنطع المضاد غير الانقلابات العسكرية فتحول المواطن كرتاً في يد القوى المتصارعة تصل به للمشروعية سواء منها الثورية أو الديمقراطية، وكانت النتيجة وفي الحالتين: - استقطاب آحادي قام على الاقصاء والاقصاء المضاد. - المواجهة المسلحة بين السلطة ومراكز الصراع في الأقاليم ذات الطابع المطلبي أولاً والعقائدي ثانياً والفوضوي أخيراً. - تكلفة غير عادية - في حسابات الاقتصاد - بدمار (البنى التحتية والانسان). - دخول السودان في مرحلة الرقابة الدولية أولاً ثم النفوذ الدولي ثانياً مما أدى إلى انتقاص السيادة من جانب وإلى خروج الجنوب ليكون دولة جديدة من جانب أخرى تتبعها جنبات مازالت في مرحلة التشكل. - صراع القوى السياسية - في الداخل - والذي لا ينبيء عن خير فالفكرة المحورية فيه: تصفية الحسابات.. دموياً. (3) جينات الصراع الدامي: الحوار مدخلاً لاجهاض العمار ٭ في غياب مرجعية علمية، تقوم على المؤسسية والقرآن، افتقد الصراع السياسي، بعد الاستقلال البوصلة فغابت الاتجاهات، وتراجعت الرؤى الواضحة، فازدحمت ساحة الوطن بالضعف الفكري والجهل الفاضح، ولم يكن المعادل الموضوعي لكل ذلك، غير أن تغيب التنمية ويسيطر الاهمال على القضايا الحيوية، ولتدخل القوى السياسية البلاد في قفر وتيه، كان مداه، استحكام الرفض في مرحلة وانفجار الرفض في أكثر من صورة ودرجة في مراحل أخرى ولم تخرج المحصلة.. عما سبق، من استقواء بالتعوذ الخارجي وخروج مشروع تحت المظلة الدولية لدولة الجنوب، وجينات صراع دامٍ في كل من (أبيي) و(جنوب كردفان) و(جنوب النيل الأزرق) واحتقانات مرجحة للانفجار في كل من (دارفور) و(شرق السودان) ويبقى (السودان النيلي) مشروخ العقل، باهت اللون، ضعيف الوجدان تغمره الدهشة والهلع يسدر غياً ويباهي وجداً!! ٭ إذا كان الذي يبدو في أفق الوطن (مخيفاً) فانه يظل في تجارب الشعوب، ممكناً وطبيعياً - فالصراع - لن يتوقف طالما كان الانسان (حفياً بالتدافع) ولكن يمكن النظر عقلاً في استخلاص الاسباب ووضع الحلول المنطقية لمواجهة تداعيات النتائج الوخيمة ولن يكون ذلك بغير استدعاء (لدروس التاريخ) ليس في الوطن فحسب، بل في كل التجربة الانسانية وأول هذه الدروس:- - أن المواطنة هي الأقوى والأسلم سياجاً لحماية الوطن. - أن الحكم والادارة قد تجاوزا التشكيل الرأسي للتشكيل الأفقي الذي يقوم ابتداءاً على المؤسسية والمشاركة. - أن الأقليات بأنواعها ودرجاتها المختلفة شريك أساسي في صناعة واتخاذ قرار السياسة العامة. - أن العنف لا يلد إلا عنفاً مضاداً مساوٍ في الاتجاه وربما أشرس في الدرجة. - أن الحوار قيمة ربانية وشرعة انسانية تسوق إلى احترام عقل الآخر ولا تسوغ اهانة له أو تقديراً سالباً. - ان الحكم تكليف تستهدف العدل والحرية والمساواة، بعيداً عن كل أوجه الاستبداد والعسف، والرشد في ذلك، معيار دقيق للقبول أو الرفض.. وسيادة حكم القانون قمة تلك المعايير. - أن الدولة موضوعية ولا تقوم اطلاقاً على «الشخصنة» فمفاصلها ليست ولا يمكن أن تكون ملكاً خاصاً أو غنائم. - للمسغبة.. تداعيات تفكك من قدرة التماسك.. ولا في حساب الشعوب والدول.. أولويات مرجحة. (4) الصراع الذي يدور في ساحات الوطن العزيز يضعنا فيما يقول أهل (النحو العربي) في حالة الرفع تارة وفي حالتي الجر والنصب في حالات أخر، ونرى أن النتيجة الحالية ليست بعيدة ان لم تطابق مقدمات مرحلة ما قبل الاستقلال (حركة الخريجين) وتبدو فس مسارنا السياسي ملامح قوة وضعف ومخاطر، فإذا كان (الأمر الاستراتيجي) هو بقاء الوطن - أو ما تبقى منه - فان الرؤيا الأكثر أماناً هي: * تجميد أو تحييد كل أسباب (الاحتقان) المحلي والاقليمي والدولي. * النظر المنطقي الى أحوال المواطن وما يكتنفه من أسباب المسغبة والاختناق السياسي، الى آفاق أرحب من الحد الأدنى الذي يحفظ كرامة الإنسان. * الإرادة السياسية الحقة في محاربة الفساد، ليس ابتداء من اعلان انشاء المفوضية ولكن ومنذ بدايته.. حسبما تقاد قراءة نتائج لجان التقصي والتحري.. فالفساد قضية مجتمع.. وليس قضية أفراد وليس هناك من يعلو على القانون ونقترح في هذا السياق تشريعا يضع ارتكاب الفساد في محل الخيانة العظمى لتكون العقوبة اعداماً يتلازم مع المصادرة لصالح المجتمع. * الصراع من (أجل السلطة والثروة) لم يعد يوجد عن الاستقواء الاقليمي والدولي (حالة الجنوب سابقاً) وحالة (حلف كاودا) حاليا ويدو في مسرح النفوذ الوجود الصهيوني عبر اكثر من ذراع على سواحل البحر الاحمر في وضوح وفي جوبا وفي كمبالا.. وربما في غير وضوح عبر اسمرا واديس أبابا. *الصراع العسكري العسكري والقبلي والسياسي.. جنوباً ومدى القدرة على قراءته بصورة صحيحة.. ان التحرش الجنوبي شمالاً هو محاولة للخروج من ازمة الجنوب الداخلية القاتلة.. وعن ذلك في اشمال غال.. ومهره في (حالة الرفع) لن يكون بغير وحد وطنية صادقة، نتجاوز فيها (قوى الصراع) نفق المصالح الضيقة الى معاني (السمو الاخلاقي). (5) الموقف في داخل الوطن غير مريح، وقراءته (في حالة النصب) و(الجر) تقود الى احتمالات.. تستوجب ان نحيط الوطن بسياج من مشروعات القرارات التي لا تحتمل (التشكيك او المناورة او الحسابات الناقصة. * السيناريو الأول: ضربة عسكرية رئيسة، ليس بالضرورة ان تكون الخرطوم تتبعها ضربات عسكرية فرعية تحت مظلة او تمهيد سياسي اقليمي او دولي او محلي او جماع كل ذلك. * السيناريو الثاني: حركات انفلات عسكري، في زمن واحد، في عدد من الغابات (يعبر عنها في بعض الاحوال بغير داع) بمصطلح النهب المسلح (كما كان يحدث قبل انفجار الاحداث في دارفور). * الذي يتابع الاحداث ويستقرئ ما وراءها يجد ان الكثير من التحركات مختلفة الاسباب على مدى الوطن تقابل بردع مباشر وقاس ولكن القراءة التي نقترحها حتى لا يكون الوطن في (حالة الجر) هي: الابتدار المسؤول لحوار وطني جامع يضع نصب الاعين قيمة السودان أولاً وابعاده من أي تدخلات خارجية أو فوضى عارمة. والبداية في ذلك هي: النظر في أس المشاكل بين الحكومة والمعارضة الداخلية والخارجية والاثر الملموس والابعاد وبصورة اساسية عن صب الزيت ولعلنا نخاطب مجلس الامن الوطني.. ونقول وبالصوت العالي.. ادرأوا عن الاوطان فخاج السياسة.. والسلاح. وكذبوا نبوءة العراق.. في لوح التاريخ: نريد وطناً مستقراً يسع الجميع. ملاحظة غير عابرة مجمع أم درمان الثقافي: السماية لم تكن في قامة المولود بدعوة كريمة من اللجنة التنفيذية العليا لاحتفالات ولاية الخرطوم بعيد الاستقلال ال 56 (عن طريق رسالة في الموبايل!!) كنت أحد حضور افتتاح صرح مجمع ام درمان الثقافي في مساء يوم الاربعاء 4 يناير 2012م، وأقول صرحاً لانه بالفعل كذلك ومكابر من لا ينظر للأمر بغير تلك الصفة، فالعمل محل التقدير بلا حدود من ناحية وتحتاجه ام درمان بالفعل فقد افتقدت على غير الخرطوم مثل تلك المنصة التي يمكن ان تستعيد متى ما احسن الاستخدام الق مدرستي الهاشماب والجارون، والتحية لازمة للاخراج الجميل للحفل الذي شرفه وخاطبه السيد النائب الاول لرئيس الجمهورية بحضور الاخ والي الخرطوم ولكن ثمة ملاحظات غير عابرة جديرة بالتسجيل: 1- شعار الافتتاح كان عنوانا كبيرا هو (الحوار الفكري)، والفكر منطقا لا يعني «الخواء». 2- الذين تداولوا امر الحوار.. لم ترق مداخلاتهم اطلاقا للعنوان المقصود.. فما عبروا عن فكر ام درمان الثاقب ولا عن روحها الشفيف. 3- باحترام كبير لمن اتيحت لهم فرص المداخلات.. وباحترام لما قالوا من شعر، أو نثر استثنائي مقبول او سمح فان كلمة الاخ علي عثمان تجاوزت بالغفل.. ضعف المداخلات الى قوة الطرح الفكري.. وكانت تغطية ذكية.. 4- العفوية في الاختيار في مثل تلك المناسبات تضفي ألق الفكرة وتنسف روعة المشهد، فكر ام درمان.. ليس غوغائياً ولا استعراضيا: غاب صوت الشباب الوضيء.. 5- أم درمان لا يمكن ولا يجوز ان تكون خواء، يسورل المعنى ويفتقد النشيد: (وميض ام درمان).. عنوان كبير.. لا تخطئه عين الا من أبى.. غاب عقل (عرفات محمد عبد الله)، و(معاوية محمد نور)، وناس (امين التوم)، وناس (خضر حمد)، كما غاب الهلال والمريخ.. وأناس أخر. - اخيرا (المجمع) يعد بداية طيبة لبرنامج كبير، وسام يتجاوز المساحات الضيقة والغرف المغلقة.. الى شمس (ام درمان) الحارقة.. تحية لولاية الخرطوم.. ولمعتمد ام درمان (ود الجموعية).. وهاردلك للجنة المنظمة.. (فالسماية لم تكن في قامة المولود!! وان لم تخل من (بياخات) محببة!! و(أهل ام درمان) بعد فيما ذكرت (الاستاذة بخيتة امين)، اهل عفة، لا يطرقون (ابواب السلطان) ليلا او نهارا، وان عز (مطلبهم)، اخذوه بعقل راجح يقوم على المنطق والحجة.. ولهم في ذلك فنون أقوى من (العنوة والاقتدار)..
