تحتفي الدول ذات الحضارات العريقة بذكرى عظماء بلادها الذين صنعوا أمجادها ورفعوا رأسها عالياً بين الأمم بأسمائهم في كل المجالات الأدب الفن التاريخ والعلوم وتنصب لهم التماثيل التي تعبر عن بطولاتهم الوطنية في قلب شوارعها وتضمن صورهم في عملتها وشعاراتهم وتسمى مرافقها العامة كالمطارات والموانئ البحرية ودور العلم بأسمائهم كما تعتني وتهتم بالمتاحف وتجعل من دار الوثائق مركز اشعاع للباحثين والمؤرخين ولطلاب العلم. ونأمل ان نلتفت للكيفية التي يتم بها الاحتفاء تكريماً للأجداد لبطولاتهم وتضحياتهم. ومما يسترعي الانتباه ومن محاسن الصدف ان أجمل المناسبات الوطنية ان يكون مطلع كل عام جديد من يناير يحمل في طياته مناسبتين عظيمتين متوهجتين وهما عيدا استقلالنا الماضي والمعاصر. وعيد استقلالنا الأول الثوري المتوهج والذي تحقق في ضحى 62 يناير 5881م حيث تم تحرير الخرطوم على يد الامام المهدي «عليه السلام» اعلان أول دولة اسلامية تحمل شعار الاسلام «لا إله إلا الله محمد رسول الله». ولم يسقط علم الإسلام من المجاهدين الأنصار إلا بعد نزيف دموي روى رمال السودان وكان آخر النزيف في معركة كرري الخالدة والتي شهد (تشرشل) فيها البطولات السودانية حيث قال (كانوا أشجع من مشى على وجه الارض دمروا ولم يقهروا الا بقوة الآلة) وتلك عظمة الرجولة الصادمة وقيل ان حب الاوطان من الايمان، والفضل ما شهد به الاعداء مضت مائة وسبعة عشر عاما على الدعوة المهدية. اننا نتوق الى من يجدد لهذه الامة المسلمة دينها ويرد للاسلام غربته على ما كان عليه في صورته الاولى ولابد ان نعي الدروس ونتذكر ما قام به الامام المهدي، «عليه السلام» فقد وضع حداً فاصلاً لتحديات غردون وصلفه وكبريائه وكذلك الامام المهدي ايضا وضع حدا فاصلا لكبرياء هكس وغروره في معركة شيكان الضارية. ونحن الآن نحتفي بالذكرى السابعة عشر بعد المائة لاستقلال السودان الاول فتظل امامنا قصة (بطل وشعب ودعوة). البطل هو الامام المهدي بن عبد الله عليه السلام والذي قال «ونجت» فيه (لا جدال في ان هذا الرجل يتمتع بأذكى عقلية وقد بسط وضوح رؤياه في المليون ميل مربع وقد اصبح صاحب الكلمة فيها بلا منازع). وأما شعبنا فهو الشعب السوداني المناضل المجاهد والذي صنع منه الامام المهدي «عليه السلام» بطولة نادرة ووحدة وطنية في اسمى معانيها، فكانت في ذلك الزمان بمثابة «الربيع» وان صح التعبير فانه الربيع الاسلامي العربي الافريقي في ذاك الزمان وبذلك سبق الشعب السوداني كل الشعوب لنيل حريته. اما الدعوة فكان الامام المهدي «عليه السلام» داعياً وهادياً وإماماً ومرشداً ومقاتلاً جسوراً فمن هذا الفتى الذي هز الخرطوم والقاهرة ولندن؟ من هذا الفتى الأسمر سمرة النيل التي تبرد الحشا والذي زلزل أقدام المستعمرين؟!. انه الفائز الأول الإمام محمد أحمد المهدي بن عبد الله «عليه السلام» ولد وكان ميلاده آية وكان شبابه آية كأروع شاب مسلم مؤمن نشأ في عبادة ربه. أوتي العلم وأوتي الحكم وتعلم وعمل بما علم فأورثه الله علم ما لم يعلم، وحكم وكان مثالاً للحاكم العادل وانطبق عليه قول من قال: دعوه لا تلوموه فقد علم الذي لم تعلموه رأى علم الهدى فصبا اليه وشاهد شهداً لم تشهدوه. ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والتهنئة للأمة السودانية جمعاء في أعيادها الماضية والحاضرة.