يبدو ان علاقات السودان الدبلوماسية مع الدول الأفريقية بلغت حدا من الضعف دفعت وزير الخارجية علي كرتي الى انتقاد حالة الانكماش التي اعترت الدبلوماسية السودانية في افريقيا وعدم التمدد الدبلوماسي خاصة في دول جنوب حزام السودان، حيث اشار الوزير الى ان عدد السفارات في هذه الدول لا يتعدى اصابع اليد الواحدة من حوالي 20 دولة، واوضح ان اغلاق السفارات بتلك البلدان ادى الى تمدد الحركة الشعبية وعكس صورة سيئة عن حكومة الخرطوم وتحويلها الى قضية عرقية واثنية. ويقول مدير معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية الدكتور عبدالرحمن ابوخريس ان علاقات السودان الدبلوماسية مع الدول الأفريقية منذ قدوم الانقاذ الى السلطة تراجعت وذلك نتيجة لخطاب الخرطوم السياسى وتركيزه على الدول العربية والمحيط الاسلامى، وقال ابو خريس ل «الصحافة» ان انفصال دولة جنوب السودان كرس لهذا البعد خاصة وان السودان اصبح فى العقل الأفريقى دولة عربية واسلامية خالصة ما خلق نوعا من الجفوة بين الشمال الأفريقى والجنوب الأفريقى بعقلية وبمفهوم الجانب الاثنى والعرقى، وقال ابو خريس ان ذات الخطأ الذى وقع فيه السودان مارسته مصر مع هذه الدول، واضاف حتى نصحح هذه الصورة نحتاج الى جهد دبلوماسى كبير فى القارة السمراء، خاصة بعد تمدد دولة الجنوب فى افريقيا وعكسها لصورة عنصرية الشمال العربى، ولذلك لابد من بعد النظر فى الاستراتيجية الخارجية لأن مشاكل السودان مع الأفارقة وليس العرب، وحتى التوتر فى دارفور ينظر اليه فى العمق الأفريقى، وقال ابو خريس حتى نحن معهد الدراسات الدبلوماسية الذى يتبع لوزارة الخارجية يغيب عنا الدور الفاعل فى هذا الاتجاه وينبغى ان توظف مثل هذه المراكز والمعاهد للتدريب بالتركيز على افريقيا حتى نصحح الكثير من الأخطاء واعادة الاستراتيجية بشكل يخدم الايجابيات مع هذه الدول فى الفترة المقبلة. ويقول الباحث والخبير فى شؤون القارة الافريقية والمتخصص فى شؤون القرن الافريقي عاصم فتح الرحمن فى ورقة ناقشت علاقات السودان وافريقيا قدمها في مؤتمر «السودان ودول الجوار» بجامعة افريقيا العالمية خواتيم العام الماضي، ان السودان قطر افريقى أصيل عمل قبل وبعد استقلاله من الاستعمار البريطانى فى اطار الحركة الافريقية للتحرر من الاستعمار وضد نظام الفصل العنصرى كما أنه يعتبر من بين الدول الافريقية التى ساهمت فى تكوين منظمة الوحدة الافريقية فى عام 1963 ، وقد كان السودان نشطاً فى اطار عضوية منظمة الوحدة الافريقية «الاتحاد الافريقي حاليا» واوضح فتح الرحمن ان نشاط السودان فى اطار محيطه العربى أسهم فى اضعاف توجه السودان نحو القارة الافريقية وبالتالى شهدت علاقات السودان الافريقية نوعاً من عدم الاهتمام من جانب الدبلوماسية السودانية عدا التواصل فى المناسبات الافريقية الدورية كاجتماعات «الاتحاد الافريقي « والمناقشات التى تتم بين المسؤولين الأفارقة على هامش الاجتماعات الدورية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأثر هذا التراجع فى العلاقات الافريقية على ضعف روابط السودان مع الدول الافريقية، واشار فتح الرحمن ان استيلاء حكومة الانقاذ على مقاليد السلطة فى السودان فى العام 1989 م افقد البلاد المزيد من علاقاتها مع دول جواره الافريقى نتيجة لتصدير الانقاذ لمشروع نموذجها الاسلامى لهذه الدول والتى تتعارض مع توجهات وأيدلوجيات العديد من القيادات فى دول الجوار الافريقي، وعند ظهور أزمة دارفور فى عام 2003 م و توقيع اتفاقية السلام بين السودان والحركة الشعبية فى التاسع من يناير 2005 م اشار الخبير فى الشئون الافريقية الى تعرض السودان لحملة دولية استهدفت تغيير نظام الحكم وتفتيت البلاد، ما يتطلب جهدا وتركيزا شديدا من القيادة السودانية من أجل اعادة توثيق علاقات البلاد مع دول الجوار الاقليمى وتنمية وتطوير منظومة الاتحاد الافريقى والدفع باتجاه تكوين حكومة الاتحاد الافريقى لمكافحة تصاعد وتيرة التدخلات الخارجية فى الشؤون السودانية. ويقول الدبلوماسى ومدير ادارة العلاقات السودانية الأمريكية الأسبق فى وزارة الخارجية الدكتور الرشيد ابو شامة ان علاقاتنا بالعالم الأفريقى ضعيفة رغم اننا مؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية، وارجع ابو شامة فى حديثه ل «الصحافة» اسباب انكماش علاقات السودان مع افريقيا الى الهوة الكبيرة لتركيبة القارة نفسها والتى عزلها المستعمر، واوضح انه قبل حركات التحرر الأفريقية فى الستينات كان التواصل معدوما بين هذه الدول ، واعتبر ابو شامة ان هذه أسباب موضوعية لخلق حالة الجفوة بين السودان ومحيطه الافريقى، واضاف بعد الاستقلال حاول السودان تعزيز علاقاته وساهم بصورة فعالة فى دعم بعض حركات التحرر الأفريقية من الاستعمار، وقال ليس هذا كافياً بالطبع وترك العلاقات وتفعيلها فقط فى لقاءات الاتحاد الأفريقى ، ووصف ابوشامة حديث كرتى بالصحيح فى ضعف علاقات السودان الدبلوماسية مع القارة السمراء، الا انه قال ان ذلك يحتاج الى امكانيات مادية كبيرة وجهود مضنية وتدريب للكوادر حتى يتمكن السودان من التواصل الخارجى وتحقيق مصالحه مع افريقيا. اذن الجميع يتفقون على اهمية دول الجوار الافريقي القريبة والبعيدة بالنسبة للسودان ولعل هذا الضمور في العلاقات مع دول القارة السمراء هو ما دفع وزير الخارجية كرتى الى الاستغاثة لانقاذ الموقف مع تقديمه وعدا بالتوسع الدبلوماسي في افريقيا حال توفر امكانات اقتصادية تتيح ذلك، حيث قال ان وزارته انشأت لاول مرة ادارة خاصة بدول الجوار، في اشارة الى انهم على اتم استعداد لاستدراك ما مضى من تفريط.