شعر التجاني يوسف بشير ملئ بالكثير من النزعات الصوفية والتي تنبع من التجليات الروحية التي تتنازع النفس بعد رحلة من العناء والتساؤلات حول ما يحيط بالنفس وما يدور حولها وحالة التصوف تنتاب النفس الصافية ولا علاقة لها بالتدين فقد تعرضت من قبل في مقال نشر في مجلة الخرطوم لتصوف الكاتب الألماني جوتة عبر نماذج من ابداعه الشعري ... والتجاني يوسف بشير كما قال عنه دكتور محمد مصطفى هدارة هو ( من أقوى الشعراء الرومانسيين العرب إقبالاً على التصوف والفلسفة ) والتجاني نشأ وترعرع في أسرة مشهورة ( الكتياب ) أسرة متصوفة وبدأ حياته بدخوله الخلوة كشأن أبناء جيله في ذلك الزمان وقد اختزن صور تلك الفترة من الصبا في حياته حياته فكانت كلماته :- هب من نومه يدغدغ عينيه مشيحاً بوجهه في الصباح ساخطاً يلعن السماء وما في الأرض من عالم ومن أشباح حنقت نفسه وضاقت به الحيلة واهتاجه بغيض الرواح ...... ومشى بارما يدفع رجليه ويبكي بقلبه الملتاح ضمخت ثوبه الدواة وروت رأسه من عبيرها الفياح ثورة صورت خوافي ما بين حنايا صبينا من رياح ..... ورمى نظرة الى شيخه الجبار مستبطنا خفي المناحي نظرة فسرت منازع عينيه ونمّت عما به من جراح حبذا ( خلوة ) الصبي ومرحى بالصبا الغض من ليال وضاح ويضيف هدارة يرى أحد الباحثين أن أن تصوف التجاني ليس تصوفا أدبياً يعتمد على رهافة الحس وسعة الخيال وعمق التصور إنما هو تصوف ديني متفلسف يستمد عناصره الروحية من عوالم فوقية غيبية ، لا يطل عليها الا من أرضت نفسه العبادة وطهّرت سرائره المجاهدة ويرى الباحث نفسه أن التجاني في هذا التصوف ? بكل مقوماته وآثاره وثماره ? لا يقل مكانا عن ابن الفارض وابن عربي في مدرسة وحدة الوجود ووحدة الشهود وان كان امتدادا قوياً لمدرسة ابن عربي . وقد كانت رحلته الى تلك الروح الصوفية عبر شك وتساؤلات ثم يقين يقول في قصيدته الله :- قيل لي عنه في الزمان وحدثت به في سريرة الآناء إنه النور خافقاً في جبين الفجر والليل دافقاً في الماء صفه رعدا مجلجلا في السموات وصوتا مدوياً في الفضاء أو هدوءا أو رقة أو هواء أو صدى للعواصف الهوجاء هو إن شئت محض نار ونور وهو إن شئت محض برد وماء التجاني كان مهموماً بالبيئة التي ينتمي اليها بعادتها تعويذاتها بانسانها الفقير نجده في مطلع تعويذة يقول : عوذوا الحسن بالرقي أو خذوني أنا تعويذة لكعبة روحي قربوها مجامرا أنا وحدي عوذ للجمال من كل روح أحرقوني على يديه وشيدوا هيكل الحب من فؤادى الذبيح وفي قصيدة دنيا الفقير يقول تعالي معي زهرات الخريف الى الكوخ أفلت منه الربيع مر به غير مستحب اليه سوى زفرة من دموع وما كان ينفذ منه العبير ولكن شحا أصاب القنوع تعال نعطر ثياب الفقير ونمسح مآسي عبر الربوع درس التجاني بالمعهد العلمي وبسبب جرأته على قول الحق والصراحة في آرائه كما جاء في حياة التجاني من شعره لمؤلفه الأستاذ محمد الحسن علي فضل طرد منه وهو يتحرق شوقا لما في منابعه من علم ومثل فكتب معبرا عن ذاك الحب للمعهد قائلاً : يا معهدي ومحط عهد صباي من دار تطرق عن شباب نابه قسم البقاء اليك في أقداره من شاد مجدك في قديم كتابه وأفاض فيك من الهدى آياته ومن الهوى والسحر ملء نصابه اليوم يدفعني الحنين فأنثني ولهان مضطرباً الى أعتابه سبق الهوى عينيّ في مضماره وجرى وأجفل خاطري من بابه ودّعت غض صباي تحت ظلاله ودفنت بيض سنيّ في محرابه هنري رياض تعرض في كتابه التجاني يوسف بشير شاعراً وناثراً الى وجهات النظر المختلفة لعدد من الكتاب والنقاد في تقلبات التجاني بين الشك واليقين ، عبد المجيد عابدين في كتابه ( التجاني شاعر الحب والجمال ) قال :( ان شاعرنا ظل متردداً بين عقله وروحه او بين شكه ويقينه ، وليس من اليسير أن نتبين من شعره على أي الحالين قد استقر مضيفاً لو عاش التجاني وتجاوز بعمره مرحلة الشباب لكان في مقدورنا أن نتبين على أي الحالين استقر التجاني بعد أن قطع مرحلة الحيرة عند الشباب ) وهذا الرأي يخالف الى حد كبير رأي الأستاذ محمد محمد علي الذي يرجح أن مذهب التجاني هو الشك كما يخالف رأي الأستاذ عبدالله الشيخ البشير الذي يرى أن فلسفة التجاني قد مرت بأربعة أطوار انتهت الى اليقين والايمان العميق وما يؤكد زعمه قوله :- تبارك الذي خلق من مضغة ومن علق سبحانه مصورا من حمأة الطين حدق شق الجفون السود واستل من الليل الفلق واستخرج الانسان من محض رياء وملق! مفترعاً من فمه سر البيان فنطق وجاعلاً بين حناياه فؤاداً فخفق بثّ القوي فيه دما أحم ر أو عظماً يقق من عدم لعدم ومن عناء لرهق التجاني يوسف بشير رغم رحيله المبكركانت له رؤاه التي صاغها لنا كلمات ضمها ديوانه اشراقة والتي كانت مفتاح للتعرف على شخصيته أحوالها تقلباتها خلال رحلة الشك اليقين التصوف وكانت رائعته الصوفي المعذب الوجود الحق ما أوسع في النفس مداه والكون المحض ما أوثق بالروح عراه كل مافي الكون يمشي في حناياه الإله هذه النملة في رقتها رجع صداه وهو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراه وهي ان أسلمت الروح تلقتها يداه لم تمت فيها حياة الله إن كنت تراه