حظيت عمليات تشكيل حكومات ولايات دارفور باهتمام غير مسبوق، وتصدرت احاديث الشارع ، وذلك بسبب الواقع الجديد الذي افضى الى بروز خمس ولايات، ويعود الاهتمام بحسب محللين الى التقاطعات السياسية والقبلية التي افرزت ثقافة جديدة وهي تشكيل الحكومات على اساس قبلي في منصب الوالي، والموازنات القبلية التي يتبعها الحكام الخمسة في اختيار الدستوريين. هذا الواقع يعتبره متابعون من الاسباب المباشرة التي وقفت وراء الولادة المتعثرة للحكومات اضافة الى بروز اصوات قبلية محتجة على تجاوزها، ورغم سعي وحرص حكام الولايات والحزب الحاكم على اختيار حكومات ترضي كافة شرائح المجتمع وقبائله المختلفة ومعروف هو التعدد القبلي في دارفور، غير ان الشارع قابل التشكيل الوزاري بتحفظ واضح، فالوالي الذي سعى لاشراك اكبر عدد من القبائل في حكومته وجهت له انتقادات تذهب ناحية ترهل حكومته ، اما من سعى لجعلها رشيقة اصابته ايضا سهام النقد من بعض القبائل التي رأت ان هناك تجاوزا وتهميشا وقع عليها يتمثل في غيابها عن المشاركة. ويعتبر مراقبون ان الطريقة التي تم بها اختيار حكومات ولايات دارفور تمثل سابقة خطيرة من شأنها ان تحدث شرخا اجتماعيا كبيرا لجهة ان المشاركة مهما اتسع حجمها فلن تستصحب كل القبائل، مشيرين الى ان المؤتمر الوطني بدأ يدفع في فواتير صمته على تفشي القبلية، رغم انهم اقروا بحق تمثيل الكفاءات من مختلف القبائل في الحكم، وهي معادلة يرون انها صعبة ويقدر مراقبون ان التشكيل الوزارى رغم اجتهاد مهندسيه من اجل الخروج به مقبولا ، الا انه جاء على حساب التنمية ، وانه لم يضم كفاءات من التكنوقراط ، وانه اقصى عدداً من القبائل من المشاركة ، معتبرين ان هذا الامر له مابعده اذا لم يتم تداركه، ويشير مراقب في حديث ل (الصحافة) الى ان الشكيل الحكومي بكل الولايات جاء على اسس قبلية بحته وليس على اسس المعايير والكفاءة ، وقال ان هذا الامر سيعمق الجراح بين القبائل، وسيؤدى الى قتل الشعور الوطنى القويم الذى كان يتمتع به المواطن بدارفور فى السابق وستضطر بعض القبائل الى عمل المستحيل من اجل الوصول الى سدة الحكم او الظهور. وبالفعل عبرت عدد من القبائل عن بالغ امتعاضها من تجاوزها وعدم اشراكها في حكومات دارفور، فيما ترى قبائل اخرى انه قد تم تحجيم دورها وأنها لم تتحصل على مناصب مقارنة مع قبائل أخرى حظيت بمناصب دستورية اكثر، وتشير قيادات هذه القبائل الى ان قبائلهم لاتقل قيمة وعددا عن التي حظيت بفرص مشاركة واسعه ، فيما رفضت قبائل مناصب دستورية بداعي انها لا تناسب حجمها ومكانتها ، وهذه رفضت السماح لابنائها الذين وقع عليهم الاختيار بان يوافقوا ويؤدوا القسم ويشاركوا في الحكومات، وكشفت بيانات اصدرتها عدد من القبائل موقفها الرافض للتهميش والتحجيم. وتعتبر قبيلة التاما بغرب دارفور من اوائل القبائل التي سجلت حالتي اعتراض ورفض على التشكيل الوزاري وذلك داخل وخارج اروقة الحزب الحاكم، ورفضت قبيلة التاما بولاية غرب دارفور حصتها من المشاركة التي اعتبرتها متواضعه وذلك لانها ترى انها من اكبر المكونات القبلية بالولاية ولها تضحياتها من اجل الوطن ، رافضة ان تؤدى ابنة القبيلة مستشارة المرأة والطفل بحكومة الولاية القسم الا بعد استجابة المؤتمر الوطنى بالولاية لمطالبها وتمثيلها تمثيلا منصفا اسوة بالقبائل الاخرى وخاصة انها من اكبر المكونات القبلية على مستوى الولاية كما تؤكد. وفى جنوب دارفور رغم حديث الوالى حماد اسماعيل عن الحكومة الرشيقة الذى هو بصدد تشكيلها مراعاة للظروف الاستثنائية التى تمر بها الولاية وحاجتها الماسة للتنمية ، ورغم نفيه تشكيل حكومة مترهله ، ومطالبته لمثقفي القبائل بألا يتمترسوا خلف قبائلهم ويشكلوا مصدر ازعاج للحكومة اذا تم تجاوزهم ، الا ان حكومته التى اعلنها قوبلت بانتقادات ورفض من بعض القبائل، وابرزها قبيلة الترجم التي رفعت مذكرة شديدة اللهجة الى الوالي منددة بتجاوزها ، بل هدد منسوبو القبيلة بالحزب الحاكم بالانسلاخ منه ومن المواقع السياسية والدستورية، واشترطوا حصول القبيلة على 8 مواقع دستورية ، كما طالبت بان يكون لها ممثلين في تشريعي الولاية والسلطة الاقليمية ، ومنحت القبيلة الحكومة سبع ايام للرد على المذكرة ، غير انها لم تتلق ردا رغم انقضاء ايام المهلة السبعة. وفى السياق ذاته تحدث ناظر عموم قبيلة المسيرية بولاية جنوب دارفور معددا مآثر قبيلته والتضحيات التى قدمتها فى تثبيت دعائم الوطن و شكا الناظر التجانى عبدالقادر محمد عثمان فى حفل استقبال معتمد محلية نتيقة من تجاهل دور قبيلته وضعف نصيب المنطقة من السلطة والمواقع الدستورية بالولاية مقارنة مع رصيفاتها من القبائل الاخرى التى حظيت باكثر من ثلاثة واربعة مواقع دستورية، واشار الى انه اذا كان تقسيم السلطة بالولاية يقوم على اساس قبلى فان قبيلته لها اسهامات وطنية، منتقدا تهميش قبيلته، مطالبا بانصافها واحقاق حقها. ونتيجة لكل هذه التقاطعات يبدو ان المؤتمر الوطني فطن لخطورة الاحتجاجات التي سبقت وتسبق تشكيل عدد من حكومات ولايات دارفور، وهذا ما تكشف من خلال حديث الدكتور ازهرى التجانى امين امانة دارفور بالمؤتمر الوطنى الذي ناشد من خلال حفل استقبال والي ولاية شرق دارفور بالضعين كافة الادارات الاهلية وقيادات واعيان القبائل والاحزاب السياسية ومكونات المجتمع من مرأة وشباب بولاية شرق دارفور الى الدخول فى ميثاق وعهد سياسى فيما بينهم لتجنيب الولاية الفتن و شر اصحاب المصالح الشخصية، حيث قال: «اذا اصبحتم تتصارعون فى المناصب والمواقع حتفقدوا الولاية وستضيع منكم» مشيرا الى ان المواقع الدستورية لا تستوعب الحزب وباقى الاحزاب السياسية ولهذا لابد من ان تعلوا قيم المصلحة العامة على الشخصية. ويعتبر المحلل السياسي حامد التوم ان الاحتجاجات القبلية التي اعقبت تشكيل حكومات دارفور امر طبيعي في ظل ارتفاع صوت القبيلة وانخفاض صوت العمل المؤسسي داخل المؤتمر الوطني الذي قال انه يتحمل المسؤولية كاملة، وشدد التوم في حديثه ل الصحافة على اهمية ان تنتبه قيادات قبائل دارفور الى خطورة الانزلاق في هاوية العصبية القبلية حتى وقال ان من شأن ذلك ان يضاعف من مواجع الاقليم ويضعف النسيج الاجتماعي.