رواية نبات الصبار للكاتبة والروائية زينب بليل وقد صدر لها من قبل رواية الاختيار وكش ملك ، نالت كل من الروايتين حظهما من القراءت والدراسة من قبل النقاد .. هذه الرواية التي صدرت حديثاً نظم لها نادي القصة ضمن برنامجه الراتب يوم الخميس بمركز مهدي للفنون جلسة لتدشينها أمّ الأمسية عدد من الكتاب والمهتمين وقدم الرؤى عدد من النقاد ابتدر الحديث فيها دكتور أحمد صادق أحمد دكتور مصطفى الصاوي أضاف أن هذا النص قام على ما يسمى بالواقع الخيال الوهم الحقيقة ، نبات الصبار منذ البداية تعلن عن اتجاه خط النص ، العنوان جميل وقصير وقامت بشرحه في الاهداء ، كأنها أرادت أن تقول الراوية أن هذه رواية صمود بشكل من الأشكال ، الراوي يتأرجح بين قطبين وهو ربما تكون مشاركته بسيطة ببوح كامل او اخفاء بوح على المستوى الواقعي واخفاء على المستوى العجائبي لتحقق ثنائية الوهم والتخيل المفترضة على هذا النص الذي سار في ثنائيات مختلفة ، نصوص الكاتبة الأولى لم تنقطع عنها تماما لأن البداية بنص حواري قوي جداً سميته خطاب الفضيحة خبر السواد والرماد فهي ما تزال تحمل معها التكنيك المسرحي ، تواترت شخصيات كثيرة جداً اكثر من 60 شخصية يمكن ان نقول هي مختلفة ولها أدوار ووظائف مختلفة ولكن توجد شخصيات لها وجود تاريخي وحقيقي مثل الشيخ حسن ودحسونة ويوسف ابو شرا وشخصيات أخرى لها وجود في فضاء النص في محور وشبكة دلالية واضحة أسست النص خديجة ، أحمد ، الخير، وخالد رفاق الجامعة وتوجد شخصيات دون أدوار فاعلة بل هي شخصية نمطية نفيسة البدينة التومة العجفاء سكينة التي لا تسكت محاسن عاملة البلدية ونعمات الموظفة مع هذا كله وظفت شخصيات غير انسانية مثل الشياطين المولود العجائبي الذي ولد واسطورة الحسين ، نحن ازاء خطاب سماته متباينة وفيه نمذجة مختلفة للشخصيات في وصف مشهدي ضخم وواسع يكرس لشبكة دلالية تجمع بين المتناقضات ، وجل هذه الشخصيات متورطة في الأحداث لكن عبر ثنائيات نجد المقدس والمدنس أرض المستنقعات ، والاندايات والمسيد ، بشري ولا بشري الشخصية نفسها منقسمة ، الحسين أحيانا انسان ومرة أخرى يتسامى الى مرحلة الأبطال وهو ايضا مسيح يحمل الخلاص يحمل ما لا يستطيع جسده احتواءه يحمل عذابات البشر كأنما هو المخلص يذكرني بالشيخ اسماعيل صاحب الربابة ايضا يوجد الغني والفقير البشر والشياطين مدينة النار والمدينة المضيئة هذه الثنائية جاءت في بناء الشخصيات ونمذجة الأحداث بعد ذلك يتشكل هذا النص عبر ثنائيات هذا الحكي وهو مشبع بتفاصيل ضخمة جداً واستند على مرجعية واقعية ومرجعية فوق طبيعية ، وتكنيك الفصل والوصل بين العالمين تكنيك جميل وحتى البنية التي تشكل عليها النص الخبر العادي كما هو موجود في عرس الزين بشكل من الأشكال والفنتازيا والأسطرة كما اشار من تحدثوا قبلي وألمح بعد كبير لكتاب الطبقات توجد سير صالحين وكمية من الموروث الشعبي والحكم والأمثال نعود للعنوان الذي بدأ يؤسس لرؤى تتسع عبر محكيات أساسية ومحكيات فرعية وحتى الفرعية تشكل ممكنات سردية قابلة للتطوير ، من العجب انها تصف المكان ليس فضاءا جغرافيا المكان قابل ليتحول الى أمكنة ويتجاوز الزمن المعروف وايضا رصدت فترات أزمات عنيفة جدا ، زمن الموت، الحلم ،الفضيحة ، بالذات مشهد خديجة عندما اهتزت نفسياً بسبب خالد وأسميتها زمن الكوابيس كأنما تبحث في هامش بمعنى المخبوء في الواقع المرئي واللامرئي ، فكرة الخلاص موجودة في هذا البستان والجمع بين الفضاء الواقع والفضاء الاسطوري في متخيل يؤكد جدلية المشهد الروائي نخلص الى أن كل التركيبات والانشطار السردي كلها تحيل الى ما يشبه الفرجة الشاملة تستوعب في داخلها كل شئ في صورة كبرى تعيد انتاجها في نص متخيل محكيات متعددة متأرجحة وتغوص في طرح معادلة صعبة جدا المثالية والواقعية الأحلام والواقع الاتصال والانفصال أسست لها آلية سرد خاصة بها هذا الانشطار أصاب ذات الكاتبة وهي عندها ذات بليل نفسها وهنا أؤكد على دلالة الاهداء كل ما سبق يجعل من نص زينب بليل نص جميل . ثم كان ختام المتحدثين الناقد عز الدين ميرغني الذي اتفق مع من سبقوه انتهاج الكاتبة لمدرسة الواقعية مضيفا ولكنها حاولت الدخول في أكثر من مدرسة في آن واحد حتى الواقعية الاشتراكية لامستها ، والواقعية السحرية ايضا بهذه الفنتازيا ، استفادت من توجيهات نقد الروايتين السابقتين بأن قللت من الحوار باللغة العامية وبدأت تظهر لغتها الخاصة ، تصوير المكان كان رائع وبلغة جميلة ، لم تسم المكان بينما أطلقت عليم أسماء من عندها ، المكان عندها مفتوح الدلالة ، وهو مكان مهمش ( حي النار) ، وخيرمن كتب عن دهشة الأمكنة والأزقة في الحارات في الرواية العربية هو نجيب محفوظ ، المكان في نبات الصبار مكان متخيل يمكن أن يكون مألوفا، لأن حياته حياة كثير من الأمكنة الحقيقية ، مكان مهمش وفقير لكن به نماذج انسانية لا توجد في الأمكنة اللامهمشة واللا فقيرة كأنما الكاتبة أرادت أن تقول ان الانسانية يمكن ان تولد في هذه الأمكنة ، وتحكي نضال الانسان في المكان لاثبات وجوده وهويته كما فعل سكان شارع النار ، النوذج الانساني وسط هذا الفقر هو بقاء الحلم ، وبقاء الألم والنظرة الى المستقبل والكل مع الفرد والفرد مع الكل هذا ما أرادت الرواية كلها أن تقوله ، وهذا المجتمع المهمش مجتمع مشاركة ، ومشاورة ومناصحة ومكاشفة ، وهذه الصفات كتبت لهم البقاء ، البطولة في هذه الرواية ليست فردية وانما هي بطولة مكان موجهة الى خدمة الكل ، فلا مجال للصراع ، الصراع كان ليس قويا في الرواية ، ولا تنفرد الذات بنفسها ابداً ، لأن هذا المجتمع لا يسمح أبداً بأن تكون هناك ذات خارجة عنه ، لذلك لا يوجد تداعي ولا فردانية ولا شخص يتغنى بماضيه ، تأثرت الكاتبة بتقنية الكتابة الشعبية في سردها في عدة أشياء : اللغة الحاكية لغة العامة ( الواقعية اللغوية ) ومخاطبة الآخر بعفوية ، كذلك الرواية بها مجانية للزمن ، التنقل المكاني الفجائي أيضاً من سمة هذه الرواية لكنها من عيوبها ايضا ، الراوي العليم كان متيقن أن ما حدث حدث حتى لو كان خيالا ، وهذا من تأثير الحكاية الشفاهية ، الفنتازيا التي كانت تحدث أحياناً بلا منطقية جعل السرد سردا حكائياً ، والاسقاط الفني كان مسيطرا عليها لأن البيئة تؤمن بالجن وأشياء أخرى ، خرجت بقراءتي لهذه الرواية أن الكاتبة أرادت أن تقول أن المكان اذا كان مفتوحا يسع الجميع وأن التسامح في المكان يمكن أن يولد دولة آمنة ومجتمعا قويا كمجتمع شارع النار رغم تهميشه .يبقى السؤال هل رواية زينب بليل أدب نسائي كما ذكر د. أحمد ؟ نعم أدب نسائي كامل الدسم وأؤيده في ذلك لأن الجندرة واضحة جدا في هذه الرواية وفي كل رواياتها المرأة هي الضعيفة دائما ، ويجب أن تكون على العين والرأس ويجب على المجتمع أن يقف معها ، وتميل الى تقنية الايواء في رواياتها الثلاث ، وهناك الفاظ في هذه الرواية لا يستطيع أن يقولها الرجل، وبها كلمات تصغير لا يستخدمها الرجل الا أحيانا.