إن القول القائل بأنه لا يوجد بحث علمي في السودان قول تنقصه الحقيقة، والقول القائل بأن البحث العلمي في السودان متردٍ أو في تدهور مستمر قول أيضا مردود، فحقيقة الأمر أن عدد البحوث العلمية المنجزة في كل المجالات لا تحصى ولا تعد، فالزيادة المطردة في طلاب الدراسات العليا وأساتذة الجامعات مؤشر حقيقى لزيادة الإنتاج العلمي، لا غرو أن انتشار وسائل الاتصال له مردوده الطيب على البحث العلمي، لكن لا شك أن طموحاتنا كبيرة وآمالنا أكبر في إيجاد بيئة محفزة للإبداع في البحث العلمي، ولا يتأتى ذلك إلا بنشر ثقافة البحث العلمي لدى المؤسسات العامة والخاصة، وتقوية قناعة قطاعات المجتمع بأهمية البحث العلمي وتحفيز العلماء والباحثين. صحيح نحن بحاجة إلى توفير فرص لتمويل البحث العلمي، وآليات تعمل على تعزيز دور الجامعات في تنمية «الجامعة المنتجة»، ولكن نحن في أمس الحاجة لاستراتيجية لتنظيم البحوث العلمية وفق مخططات التنمية. وتقوم رسالة الجامعات في العصر الحاضر بدور بالغ الأهمية في حياة الأمم والشعوب على اختلاف مراحل تطوّرها الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم تعد مقصورة على الأهداف التقليدية من حيث البحث عن المعرفة والقيام بالتدريس، بل امتدت الرسالة لتشمل كل نواحي الحياة العلمية والتقنية والتكنولوجية، الأمر الذي جعل من أهم واجبات الجامعات المعاصرة أن تتفاعل مع المجتمع لبحث حاجاته وتوفير متطلباته. إن من ضمن أهم متطلبات المجتمع الوصول إلى مراتب عالية في ابتكار التقانات المتقدمة والتقدم التقني والتكنولوجي، ولا يتم ذلك إلا بتفعيل رسالة الجامعات في تنشيط حركة البحث العلمي، وربط البحث العلمي في الدراسات العليا بقضايا التنمية، وفتح قنوات التعاون والتنسيق والاتصال بين الجامعات وقطاعات التنمية المختلفة. لذلك لم يعد الاهتمام بالبحث العلمي قضية مقصورة على العلماء والمختصين في العلوم والتكنولوجيا فقط، بل أضحى منذ وقت بعيد قضية مصيرية تهم جميع المفكرين والمسؤولين والرأي العام على السواء. ويرجع ذلك إلى الاهتمام بمردوده على المجتمع ليصبح قادراً على مواجهة تحديات العصر ومواكبة الاتجاهات العلمية، حيث يقاس تقدم أية أمة بقدرة هذه الأمة على مسايرة العصر في الإلمام بكل المعارف المنظمة والمتاحة عن الإنسان والكون والحياة. وعلى ذلك يمكن القول إنه لا تنمية حقيقية بدون بحث علمي ولا تقدم بدون العلم، إن نجاح الدول المتقدمة يعود إلى استيعاب الحقيقة الجوهرية من أن البحث العلمي هو أساس كل تقدم. ولكن على الرغم من قناعة الجامعات بأهمية نتائج البحث العلمي المنجز في مراكز البحث أو المختبرات الجامعية ودور ذلك في الابتكارات التقانية، إلا أنه لا توجد استراتيجية فاعلة للبحث العلمي أو سياسية بحثية لربط جهود الجامعات في مجال البحث العلمي بالمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما نفتقده أكثر من أي شيء آخر. * قسم الفيزياء كلية التربية جامعة وادي النيل