هذه الحكومة بلغ منها الجشع منتهاه حتى وصل بها إلى مصادرة موارد الرزق القليل المتيسر للفقراء ليصب في خزائنها وخزائن أجهزتها المتعددة ومنها المحليات.كلما حاول الفقراء أن يعبروا من ثقب الإبرة وهم يطاردون أرزاقهم تأتي هذه الأجهزة لتصادر (الإبرة وثقبها) ثم تضع الرسوم نظير الولوج في هذا الثقب والنفاذ عبره. أطفال الدرداقات هم خير مثال لهذا الأمر..فهؤلاء الأطفال هم ضحايا الحروب والنزوح والتشرد والفقر والتفكك الاسرى..بعضهم هجر مقاعد الدراسة في سنوات طفولته الغضة التي لا تتجاوز أحياناً العشر سنوات ليعمل بشرف ويعول الأم والأخوان القُصّر..والبعض الآخر ما زال يجاهد في صفوف مدارس تضن عليهم بالكرسي وبالطباشير والكراس والفصل والمدرس.تركوا كل فواتير طفولتهم وحقوقهم المستحقة والمهدرة لدى الحكومة ولكنها لم تتركهم في حالهم وراحت تزاحمهم في هذا الرزق اليسير. الإثنين الماضي نشرت صحيفة آخر لحظة تحقيقاً قصيراً بعنوان(أطفال الدرداقات .. ما بين نيران المعاناة ولهيب الإيجار) حيث أورد التحقيق أن محلية السوق المركزي بالخرطوم أرست عطاءً على شركة أسمت مشروعها(مشروع الكسب الشريف) وتعمل تحت لافتة (محلية الخرطوم-إدارة الدرداقات) . تقوم هذه الشركة بتأجير الدرداقات لهؤلاء الأطفال الفقراء البؤساء بمبلغ عشرة جنيهات في اليوم،وتأخذ الشركة جنسية الطفل حتى تضمن عودته ليلاً وبين يديه الدرداقة ومبلغ العشرة جنيهات،وفي حالة عدم الدفع لا ترد لهم الجنسية أو غيرها من أوراق إثبات الشخصية.ويمضي مشروع هذه السُخرة الظالمة المتجبرة إلى أقصى درجات الظلم،فالمحلية تصادر أية (درداقة) من يد الأطفال إن كانت لا تتبع لهذا المشروع،فدرداقات المشروع لها نمر متسلسلة ومكتوب عليها (مشروع الكسب الشريف) بينما هناك بعض صغار التجار يعرضون إيجار الدرداقة لهؤلاء الصبية مقابل ثلاث جنيهات ..اي ثلث إيجار الحكومة وشركتها ! كذلك أورد التحقيق أن درداقات هذه الشركة تبلغ 450 درداقة وبحسبه بسيطة يمكننا أن نقول إن هذا المشروع (مشروع الكسب الشريف) يحقق ربحاً يفوق ال 4.5 مليون جنيه يومياً من كد وعرق هؤلاء الأطفال ! أي(كسب شريف)هذا ؟ فكم تبلغ قيمة الدرداقة وهي جديدة ؟ وكيف يتأتى لهؤلاء الأطفال أن يربحوا والحكومة عبر محلياتها وشركاتها تنتزع منهم عشرة جنيهات يومياً؟وبأي حق تحتكر المحلية هذا النشاط وتصادر وسيلة الرزق هذه من أي طفل يجاهد ليشتريها من حر ماله أو يستأجرها بثلث إيجار الحكومة؟ إنه الظلم والجور والجشع الباطش المقيت الذي يستحل حتى عرق الأطفال وكدّ سواعدهم النحيلة الواهنة .