في يوم 8/5/2012م نظم حزب العدالة ندوة كبرى تحت عنوان (دعاوي ومآلات الحرب وآفاق السلام في جنوب كردفان، أمّ هذه الندوة لفيف من السياسيين وقادة المجتمع بمدينة الدلنج بالإضافة إلى أساتذة جامعة الدلنج الأجلاء، تحدث في بداية الندوة الأمين العام للحزب متناولاً مجاهدات حزبه من أجل السلام في جنوب كردفان كما تناول المحاور الأساسية والجوهرية لحزبه والمتمثلة في التداول السلمي للسلطة، وإستدامة السلام، كما بين أطروحات حزبه في حلحلة قضايا السودان في كل المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأبان أن السودان يتكون من ما لا يقل عن أربعمائة قبيلة كأكبر تنوع موجود في القارة الإفريقية والوطن العربي إلا أن الخطاب العام للسياسة السودانية عبر التاريخ المعاصر لا يعبر بشكل متساوي ومرضي عن كل هذه المكونات وبالتالي تأتي الرياح الشريرة من هذا الباب. أما أمين الشباب بالحزب فقد قدم أسئلة مهمة للغاية لأبناء جنوب كردفان جاء فيها: من المستفيد من هذه الحرب الدائرة الآن في جنوب كردفان ؟؟ وإلى متى تستمر هذه الحرب؟ وما هي قضايانا الحقيقية التي ينبغي أن نناضل من أجلها؟؟ هذه الأسئلة هي ما يشغل الرأي العام في جنوب كردفان وكانت هذه الأسئلة خير مدخل للحضور الذي تناول هذه القضايا بشفافية وصراحة لا مثيل لها. أما طعم هذه الندوة كان حديث الأخ مكي بلايل الرجل الذي تربع على قلوب كثير من أبناء جنوب كردفان عرب ونوبة وفلاته وجلابة فهو من حيث الحب والتقدير محل إجماع لأبناء جنوب كردفان وذلك لما يتمتع به من صفات تكاد تكون منعدمة تماماً في هذا الزمن الذي لوث كثيراً ممن كانوا أنقياء من الإسلاميين الذين يحسب عليهم مكي بلايل، هذا الرجل كان وزيراً للمالية في جنوب كردفان، وكان وزيراً إتحادياً للتجارة الخارجية وفي كل هذه المواقع كان يخدم أهله وعشيرته من أبناء جنوب كردفان، الكل يشهد له بهذا ولذلك لما أعلن الندوة ضاقت القاعة بالحضور من مختلف الأحزاب والجماعات وكان الرضا بادياً على وجوههم لأن الرجل صادق في حديثه، عالم وخبير بكل ما يتعلق بأمر جنوب كردفان لأنه لم يغب عنها شهور حتى ولو كان وزيراً ناهيك عن كونه زعيم حزب، بدأ الرجل حديثه عن الندوة بالأمانة وهي أعلى قيمة في الإسلام والأمانة مفهوم واسع وكبير يحتاج إلى مجاهدة نفسية كبيرة حتى يتبلور معنى الأمانة إلى سلوك في كل المستويات القيادية، تناول في خطابه حكمة لأحد الفلاسفة الغربيين قال فيها: إن الحرب قبل أن تكون في الواقع العملي تنشأ في العقول، ومن هذا المنطلق تحدث عن الحرب في جنوب كردفان بصورة علمية وواقعية وقال إنه لابد من تقييم الفترة من 1985م إلى يومنا هذا وتاريخ 1985م يعني بداية التمرد في جبال النوبة في قرية القردود و أم ردمي التي قتل فيها ما لا يقل عن ثلاثمائة شخص في يوم واحد، ويرى الأستاذ مكي بلايل أن تقييم هذه الفترة يعطينا مؤشرات واضحة للتعامل مع قضية جنوب كردفان حيث أنه خلال كل هذه الفترة لم تجنِ الولاية غير الدمار والخراب والنزوح وعدم الإستقرار. ما هي دوافع الحرب ؟؟ في هذا الإطار تحدث بلايل عن واقع الحروب والتي تتمثل في التهميش السياسي والاقتصادي، والظلم الاجتماعي. وقال نحن جميعاً نتفق على أن التهميش والظلم الاجتماعي سببان رئيسيان في الحرب في جنوب كردفان وأن التهميش والظلم الاجتماعي لم تكتشفه الحركة الشعبية، وإنما هو يرجع إلى مجهودات أبناء جنوب كردفان منذ عام 1964م عندما تكون إتحاد عام جبال النوبة كحزب سياسي سلمي يطالب بحقوق أبناء جنوب كردفان في السلطة والثروة والخدمات العامة، وقد أثمرت مجهوداته السياسية في تحقيق كثير من المطالب كإزالة الدقنية، كما أن مشاركة أبناء جنوب كردفان من خلال التنظيمات السياسية في تلك الفترة أتاحت لهم فرصاً سياسية قيمة كمحمود حسيب الذي كان عضواً في الإتحاد الإشتراكي وتم تعيينه وزيراً للنقل والمواصلات في أيام مايو ثم محافظاً لمديرية كردفان وأستطاع محمود حسيب أن يقدم لأهله الكثير من خلال مشاركته في السلطة السياسية وفي ذات السياق السياسي كان تعيين حبيب الضو سرنوب عن حزب الأمة القومي وزيراً للطاقة والتعدين ، وفوز الحزب القومي بكثير من الدوائر الإنتخابية ودخوله المجالس التشريعية على مستوى المركز، كما أن المشاركة السياسية لأبناء جنوب كردفان في فترة الإنقاذ كانت مشاركة فاعلة وكبيرة ، ويرى مكي أن العمل السياسي هو عبارة عن مدافعة مستمرة لا تتوقف وفي كل مرحلة من المراحل تثمر ثماراً تختلف عن الآخر طعماً ولوناً ورائحة وبالتالي ينبغي أن يكون الحوار والمنطق هو اللغة وليس السلاح كما تفعل الحركة الشعبية دائماً. ويرى أنه لابد من التفريق بين السياسات والتشريعات في ظل الحديث عن الظلم والتهميش، فالذي يجري في السودان هو سياسات ، وليس تشريعات كما كان في جنوب إفريقيا وإمريكا قبل ثورة السود في عام 1964م وطالما أن الأمر أمر سياسات فيمكن معالجة هذه السياسات بالطرق السلمية بمزيد من التوعية والتعليم ورفع القدرات الذاتية. ويرى بلايل أن أخطر أنواع التهميش، التهميش الذاتي الذي يمارسه الإنسان مع نفسه كأن يكون منعزلاً وبعيداً وغير مشارك في ما يجري من أحداث وإبداء رأيه فيها. البروتوكول البئيس: يرى بلايل أن نيفاشا أعطت الجنوب كل شيء وحرمت جنوب كردفان من كل شيء وأسمى البروتوكول الخاص بجبال النوبة بالبروتوكول البئيس لأنه تجاهل وضع أبناء النوبة في الحركة الشعبية حال إنفصال الجنوب كما أن الحركة الشعبية مارست سياسة التهميش ضد أبناء جبال النوبة على كل المستويات وقامت بتصفية أبناء النوبة الذين يخالفون توجه الحركة الشعبية الإنفصالي، ويرى بلايل أنه لابد من قراءة العلاقة بين الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة والحركة الشعبية الأم، من خلال الممارسات التي تمت خلال الفترة الماضية ولابد من تقديم أسئلة قوية لأبناء النوبة من الداخل والخارج ماذا قدمت الحركة الشعبية لجبال النوبة؟؟ بعد كل المجاهدات السابقة في ميادين القتال؟؟ ألم يكن أبناء جبال النوبة مجرد وقود للحركة الشعبية؟؟ ماذا جنى تلفون كوكو حتى يكون هو المعتقل؟؟ لأنه بدأ يقول الحقائق عن الحركة الشعبية وممارستها ضد أبناء جبال النوبة؟؟ فقراءة العلاقة بين الحركة الشعبية جبال النوبة والحركة الشعبية الأم من هذه الزوايا يساعد على فهم الإتجاهات السالبة للحركة تجاه جنوب كردفان وضرب بلايل مثلاً بسياسة المناطق المقفولة التي مارستها الحركة الشعبية في ظل الشراكة التي كانت قائمة بينها وبين المؤتمر الوطني حيث عزلت عدداً من المناطق بجبال النوبة أسمتها المناطق المحررة لا يمكن لأحد دخولها حتى ولو كان والياً كما حصل لدكتور عيسى بشرى عندما كان نائباً للوالي وأراد أن يدخل جلد فمنع عنوة بإعتبار أن هذه المناطق خاضعة لنفوذ الحركة الشعبية فقط دون غيرها. مفهوم بلايل للهجمة: يرى الأستاذ بلايل أن الهجمة الأخيرة لم تبدأ يوم 6/6/2011م كما يؤرخ لها أنما البداية الحقيقة كانت يوم 4/6/2011م ويوم 6/6 وصلت ذروتها، بل يذهب بلايل أكثر من ذلك، فيرى أن فترة الشراكة كانت بالنسبة للحركة الشعبية فترة إعداد وتخطيط لما بعد ذلك، وحمل بلايل الحركة الشعبية مسئولية ما يترتب على إنسان المنطقة من خلالها، وان الحجج التي ساقتها الحركة الشعبية كمبررات للحرب تفتقد إلى الموضوعية، مثل عدم إستيعاب أبناء النوبة المحاربين في القوات المسلحة، وان الإنتخابات تم تزويرها من قبل المؤتمر الوطني فند بلايل هذه الدعاوى بإعتبار أنها تفتقر إلى المصداقية، وأبان ان الحركة الشعبية في هذا الصدد منعت كل المراقبين من الأحزاب الأخرى دخول مناطق نفوذها وبالتالي فازت بدون منافس، هذا أمرًٌ فيه تجاوز على الحريات التي تنادي بها الحركة الشعبية ، يرى بلايل أن الحركة الشعبية تنفذ أجندة خارجية تريد أن تجعل من جنوب كردفان منطقة عمليات وكذلك النيل الأزرق، وان ما يترتب على هذه العمليات من ظروف إنسانية يعطي المجتمع الدولي فرصة للتدخل باسم الإنسانية لتنفيذ مخططاته العدوانية ضد السودان. يرى بلايل كذلك أن الحركة الشعبية أعطيت كل شيء وفشلت في كل شيء ويضرب بذلك مثلاً بفترة حكم خميس جلاب عندما كان والياً لجنوب كردفان في عام 2006م فقد خرج المواطنون في مظاهرات ساخطة بعدم صرف المرتبات التي كانت تأتي من المركز مباشرة لخزينة الولاية شهريا في شكل مرتبات ولكن يبدو أن عدم النضج السياسي ظل حليف الحركة الشعبية حتى بعد أن أعطيت السلطة التي كانت تحارب من أجلها، بهذا يرى بلايل أن الحركة الشعبية لا تمتلك الإرادة الذاتية في ما يجري في جنوب كردفان ، وإنما هي أداة لتنفيذ أجندة خارجية تريد تفكيك السودان وتمزيقه بحجة التهميش والظلم الاجتماعي لبعض القبائل. الهوية النوبية: تناول بلايل مسألة الهوية النوبية التي تنادي بها الحركة الشعبية وتساءل عن مكونات هذه الهوية ، هل هي العري والتفسخ والتحلل من الأخلاق؟؟ كما تنادي الحركة الشعبية، أما أنها التخلي عن الدين والعقيدة الإسلامية بإعتبار أن الإسلام دين خاص بالعرب، وأن للزنوج الديانات المحلية أو الديانة المسيحية بإعتبار ان الجذور التاريخية للنوبة تعتبرهم مسيحيين وأنهم دخلوا الإسلام بعد دخول العرب لإفريقيا! كل هذه المفردات تحدث بلايل عنها بمنطق علمي وأكاديمي مقنع بإعتباره أحد أبناء النوبة الذين شكلت ملامحهم طبيعة المنطقة من الناحية الأخلاقية والعقائدية. اما عن قضية العروبة والنوبة في جنوب كردفان فيرى بلايل ان ذلك واحداً من المخططات الممنهجة لضرب النسيج الاجتماعي في جنوب كردفان ، هذا النسيج المتماسك القوي الآن صار بفعل هذه المخططات في خطر إن لم يتم تداركه. في ختام الندوة أكد بلايل أن لغة التهميش كلمة حق أُريد بها باطل وأن التهميش الذي مارسته الحركة الشعبية ضد أبناء جبال النوبة، لم يمارسه أي حزب سياسي في السودان، وأن أبناء النوبة مشاركون في كل الأحزاب السياسية السودانية دون تفرقة أو تمييز وبناءً على هذا يرى بلايل أن حل قضية جنوب كردفان ينبغي أن يكون بالحوار والمنطق إذا قبلت الحركة الشعبية ذلك وإلا فالحسم العسكري خيار من الخيارات. بلايل والمؤتمر الوطني: من خلال هذه الندوة التي حرصت كل الحرص على حضورها خرجت بجملة من الملاحظات ألخصها للقارئ الكريم فيما يلي:- أولاً: لو أن مثل هذه الندوات تكررت في كل أنحاء الولاية يمكن أن تساعد في حل قضية جنوب كردفان بذات الطرح وذات الرؤية التفصيلية للقضايا لأن معرفة أبعاد وحجم المشكلة يمثل نصف الحل تقريباً. وقناعتي الشخصية لكل الذين يقاتلون مع الحركة الشعبية من أبنائنا لا يدركون ماهية أهداف هذا القتال وبالتالي الجاهل في ذمة العالم كما نقول في أمثالنا السودانية وعلينا الإجتهاد في إقناعهم. ثانياً: الملاحظة الثانية ما عجز عنه المؤتمر الوطني سياسياً وإعلامياً قام به بلايل على أحسن وجه وفي أحلك الظروف ولو أن بلايل قام بهذا الدور قبل الإنتخابات لنال ثقة جماهير جنوب كردفان . ثالثاً: يبدو أن هناك تنسيقاً محكماً وخفياً بين المؤتمر الوطني وحزب العدالة فيما يتعلق بأمر الولاية في المرحلة المقبلة ،وأن بلايل يمثل أقوى عنصر في هذا الإتفاق السري، ولأول مرة في ندوة جماهيرية مثل هذه لم يشن بلايل هجوماً على المؤتمر الوطني بل أثنى على جهوده في كثير من السياسات وأستشهد بالآية الكريمة (لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) . رابعاً: الملاحظة الأخيرة في تقديري أن ما يقوم به بلايل هو جس لنبض الشارع بجنوب كردفان من حيث القبول والرفض له إذا أوكل إليه المؤتمر الوطني في المرحلة القادمة أية مهمة تتعلق بالولاية حتى ولو كان والياً بعد التقسيم القادم الذي لم تتضح معالمه بعد. ثنائياً كان أم ثلاثياً . لكن على كل حال كل المؤشرات تقول إن المرحلة القادمة تتطلب وجود بلايل على مفاصل الدولة بإعتباره أحد أبناء النوبة البارزين في المسرح السياسي رغم المسافة الشاسعة بينه وبين بني جلدته في الطرف الآخر(الحركة الشعبية) لكن العزاء المأمول في مقبل الأيام أن تتغير الموازين بحيث يصبح المنطق والحوار هما المدخل لمعالجة كافة قضايا جنوب كردفان في السلطة والثروة والتنمية والتهميش والظلم الاجتماعي، نحن نأمل أن تثمر هذه الشراكة الذكية بين المؤتمر الوطني وحزب العدالة خيراً وبركةً على جنوب كردفان وأن تكون ترياقاً لوقف نزيف الدم الذي دنس أرض جنوب كردفان الخضراء الطاهرة.