لقد ذكرنا سابقاً أنه على الدولة وحزبها الحاكم ان تعمل بطريقة مهنية وان يترك لكل مسؤول أن يعمل وفق تخصصه، ولأن خلط الأمور يساهم في تراكم الأزمات وتعقد القضايا، فالجيش من أولى مهامه هو الدفاع والزود عن حياض وحدود الوطن، وهو جدير بذلك كما رأينا وشاهدنا، وعليه أن يترك أمر الحرب للجيش، وأن يعمل الساسة الوزراء والولاة والإداريون كل حسب تخصصه وموقعه، لانجاز مهمته خير انجاز وأن يرعى مصالح مواطنيه، وأن الابداع والابتكار هو في حلحلة مشاكل الناس ورفع المعاناة والعنت عن كاهل المواطن، بدلاً من الخروج للعمليات، ومتابعة أخبار المسؤول ذهاباً واياباً وعودة الشئ الذي يعطل دولاب العمل، ويؤدي لاختلاط الحابل بالنابل، وتضرر مصالح المواطنين مما يزيد الطين بِلة خاصة مع هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والخدمات المتردية، لتجد القوى المتطرفة المهووسة والعنصرية الفرصة المناسبة لتعبث بأمن البلاد، وسفك الدماء، ولتحرق وتدمر المؤسسات الدينية التي ظلت طوال القرون محمية بتسامح الشعب.ومما يهدد دولة السودان لتتحول الى صومال جديد، ولذا نجد منبر السلام ورئيسه يهللون ويكبرون لهؤلاء المسؤولين وتشجيعهم للذهاب لمناطق العمليات، ويدينون وبلؤم كل من يشجب مثل هذه التصرفات ويتهمونه ويرهبونه ويعتبرونه طابوراً خامساً أو عميلاً وغيرها من اوصافهم العجيبة، بل ظل منبر السلام وصحيفته يحملون على المسؤولين الذين يتعاملون بحكمة وعقلانية ويسعون للتفاوض مع دولة الجنوب ويسمونهم بالمنبطحين وليس آخره الهجوم على وزير الخارجية علي كرتي، وهم كما يقول رئيسهم يحلمون بوراثة الحزب الحاكم، ولديهم عدد من معاشي الجيش، هذا كله يحدث ولسنا في حاجة له، فالمؤسسات الأمنية تعمل عملها، والدبلوماسية تفعل ماتراه مناسباً، ووفد التفاوض السياسي يذهب للتفاوض بلا تأخير وهم سوف يقومون بالمهمة خير قيام، وهذا ما أكده السفير رحمة الله عثمان وكيل وزارة الخارجية في حلقة النقاش التي اقامتها الخارجية، بأنهم كسفراء يقدمون النصيحة للقيادة، وعليها أن تتخذ ما تراه مناسباً، وأنهم يسعون لخلق علاقات جوار طيبة مع دولة الجنوب، وأمله أن تفتح هجليج أجواء ايجابية مع الجنوب رغم ماحدث، وفعلاً لأن الحرب لن تنتج الا مزيداً من الدمار والانتقام لا يورث الا مزيداً من الانتقام ودونكم الجارتين اللدودتين اثيوبيا واريتريا، والخوف من تكرار ذات السيناريو. وهذا هو عين المسؤولية والحرص بدلا من صب الزيت على البارود المشتعل واستعار الحرب والنيران سعاراً ولهيباً في الدولتين، فالدولتان في أمس الحاجة للاستقرار والسلام، ولتبدأ عملية التنمية والبناء التي توقفت كثيراً، والقيادة في الدولتين مواجهة بعدة تحديات لتحقيق الرخاء، وانخفاض أسعار السلع الضرورية ومواجهة ارتفاع الدولار، وتوفير اللقمة والعلاج والتعليم، والمواصلات تكفي المناظر اليومية لمجاميع المواطنين وهم ينتظرون في الحر واشعة الشمس الحارقة تلسعهم كاللهب وتصيبهم بالأمراض، وتودي بهم، وان وجدوا حافلة تقلهم فهي كالفرن خارجها أرحم من داخلها، ويتدافر فيها الرجال مع النساء واللاتي قد يكن حوامل او يحملن مرضعاً، ويتصارع فيها الشباب مفتولي العضلات مع الأطفال والفتيات الرقيقات اللاتي قد ينتظرن ساعات وساعات هل شاهد أحد من المسؤولين هذا المنظر؟ وهل أحسوا بمعاناة المواطنين وعنتهم اليومي مع فوضى المواصلات والترحيل؟ وبقدر ما أقامت الإنقاذ من طرق وجسور بأموال الشعب، إلا انها عجزت عن أن تحل أزمة المواصلات المتلازمة مع الفوضى في مسارات السيارات والخطوط وما يكتنفها من فوضى وعشوائية. وهناك تحديات جديدة ومتجددة، وهي قضايا توزيع السلطة والثروة، واتخاذ القرار وتحديد الصلاحيات، وهناك استحقاقات الولايات، والولاة يجأرون بالشكوى من المركز، وهم بين المطرقة والسندان، وآخر الأمثلة هو كرم الله عباس العوض، ولاية القضارف، وقبله عبد الحميد موسى كاشا، والصراعات حول الصلاحيات في وزارة الاعلام وذهاب الوزير ووزيرة الدولة، مما حدا بسعاد الفاتح القيادية بالوطني أن تنذر حزبها بثورة شعبية عارمة تسقطه، أليس جديراً بالحزب الحاكم أن يرتب أموره الداخلية أولاً، والفصل بين الدولة والحزب، وممارسة قليل من الديمقراطية والشورى فيما بين مؤسساته و قياداته، قبل أن نطالبه بتحقيق التحول الديمقراطي واشاعة الحريات وممارسة التعددية، وأضف الى ذلك ما يحدث في انتخابات واتحادات الجامعات مؤخراً، وما حدث بجامعة البحر الاحمر وجامعة سنار، والتي تم اغلاقها اثر وقوع اشتباكات جراء اختلافات حول النتيجة، وغالبا ما تجئ نتيجة محاولة طلاب الحزب الحاكم للسيطرة على اتحاد طلاب، ولكن قواعد الطلاب تتململ وتريد التغيير وتحس بمعاناة الشعب، والساسة يتشاكسون حول المناصب والأموال، ورائحة الفساد تزكم الأنوف والأنفس. وإتهام الوزراء لبعضهم البعض بالفساد والثراء وخير مثال هو إتهام وزير الإرشاد الحالي بتجاوزات ضخمة تورط فيها وزير الأوقاف السابق ومعه الأمين العام السابق لديوان الأوقاف وأنهم تحصلوا على أموال من السعودية وهي تجاوزات خطيرة أمام منضدة البرلمان واللجنة المختصة لنرى ماذا هم فاعلون؟. والطلاب والطالبات وهم وهن ضمير الأمة الحي، وصوته إذا خمدت الأصوات وسكتت، وهم من رحم المعاناة أتوا ومن عذاب الحرمان وُلدوا، ومنهم كل ألوان الطيف السياسي والثقافي، والجامعات رائدة الشعارات وانظر كيف صار حالها اليوم من بؤس الى بؤس وإستمرار الإعتقال ضد الناشطين من الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والصحفيين. ونضيف أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم استطاع تحجيم المعارضة وفكفكتها، وبواسطة جهاز الدولة والذي يسيطر عليه قرابة ربع القرن، ولكن المعارضة الآن في داخل المؤتمر الوطني، وهو يمور بالصراعات والتيارات، وطفحت هذه الى السطح، وهذا يعني افتقاره للمؤسسية والديمقراطية، ونحن نتعشم أن تصرف الدولة، وأن تُمول نشاطات الأحزاب المعارضة وان تُعطيهم الفرصة كاملة للتعبير عن نفسها وطرح برامجها ورؤاها عبر اعلام الدولة الرسمي،فهل يمكن حدوث ذلك؟ أم التيار الآحادي القطب سوف يمنع اي محاولة بهذا الخصوص؟ وكيف يتم هذا والحكومة عاجزة عن تمويل وعجز إيجارات منازل دبلوماسييها وماطرحه وزير الخارجية أمام البرلمان عن عجز وزارته المالي وصار الأمر أقرب للفضيحة، ولماذا يحدث هذا ؟ مادام صوت الحرب هو الأعلى وكل الأموال للمعركة وإرتفاع لغة الحرب وتجار ولوردات السلاح.