خضعت البيئة السكنية السودانية خلال العقود الثلاثة الماضية الى جملة من التغييرات استوجبتها حالة النهضة العمرانية التي اجتاحت البلاد، واذا كانت بيوت القطاطي وحيشان القش هي السمة الغالبة للمنازل في القرى والفرقان الريفية، فقد كانت غرف الجالوص هي السمة الغالبة في المناطق الحضرية، وذلك حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي. ومنذ بداية السبعينيات بدأت بيوت الجالوص تغزو المناطق الريفية، وفي المدينة صارت المنازل المعكوسة المشيدة من الطوب الأحمر تحكم سيطرتها على قطاع الإسكان، ثم جاء مع بداية التسعينيات نظام «اللود بيرنق» الذي احدث ثورة تجاوزت المناطق الحضرية الى الريف، ومعه برزت العريشة بوصفها امتداداً للبيت الكبير. والعريشة عبارة عن صالة بعرض يصل الي أربعة امتار وبطول قد يصل الى عشرين متراً. يقول الصادق أحمد وهو موظف بالقطاع الخاص إن العريشة أصبحت أجمل أجزاء المنزل عند السودانيين بعد أن أدخلوا عليها العديد من التعديلات وفرشت باجمل واغلى الاثاثات، فيما يكتفى البعض بفرش الرمال ورشها بالماء، وسقفها بالحصير الملون. واشار الصادق الى ان البعض يستخدم السقف الليبي والفلين في السقوفات لتبريدها. وباتت الأسر تمكث معظم اوقاتها داخل العريشة. وذكر الصادق أنه عندما يعود من العمل يجد الجميع مجتمعين بها. «لقد تطورت العريشة وتحولت الى صالة واختلف شكلها»، هكذا ابتدرت حنان حبيب الله «خريجة جامعية» حديثها، مشيرة إلى إن التطور اليومي قد طال كل شيء بما فيه العريشة التي باتت تحظى بالاهتمام، وقام البغض باضافة السقف المستعار، وتفرش مثل أية غرفة بأطقم الجلوس والستائر لاستقبال الضيوف. وتمضي حنان في حديثها إلى أن البعض يعتبر العريشة مكاناً خاصاً أو محدداً للأطفال ليلهوا، او ليحافظوا على نظافة ومنظر البيت، أما النساء فيفضلن العريشة لاجتماع الاهل وشرب القهوة. وتشير حاجة آمنة التوم «ربة منزل» الى تطور تفاصيل العريشة، بعد ان كانت راكوبة بشكلها البسيط الذي ينحصر في الرمل والحصير وشوالات الخيش وبعض العناقريب والبنابر، اما الآن فتجهز بالمراوح والسيراميك والاسقف المستعارة. وذكرت حجة آمنة انها تفضل الراكوبة بشكلها ومكوناتها القديمة. وذكر وليد عباس أن العريشة لها عدة مسميات، منها البرندة والراكوبة، وغالبا ما تجد النساء وقد ابدعن في إعدادها ويتنافسن في تجميلها بشكل رائع، ماضياً إلى أن معظم الأسر تفضل قضاء الوقت بالعريشة وتترك باقي الغرف مغلقة للضيوف. ويحصر الجميع انفسهم بين العريشة والمطبخ، والبعض يقوم بتجهيزها بمختلف المقتنيات خاصة التلفاز لجذب الصغار اليها حتى لا يسببوا فوضى بالمنزل. بينما يشير علي محمد علي إلى أن غلاء أسعار الايجارات ساهم في تطويرالرواكيب، فالكثير من الناس يلجأ الى الاستفادة من كل شبر بالمنزل، فعندما يتزوج الأبناء يضيفون غرفة ملحقة بها عريشة إلى منزل الاسرة والسكن بها، لذلك تجهز كأنها غرفة بكل محتوياتها من مراوح ومكيفات وأطقم جلوس وغيره الكثير.