الأخ الأستاذ النور أحمد النور: أغدق الله عليك بوافر الصحة والعافية. وقف قلمي المهتني يتأمل ملياً وهو يستوعب تلك الفذلكة التربوية التي دونها قلمك الهادف بزاويتك «حروف ونقاط» بتاريخ 6 يونيو 2012 تحمل العنوان «لا حاجة للعطلة». وهي عن المتغيرات المتباينة والمتلاحقة التي طرأت على السلم التعليمي السوداني لحقب وعهود جافة، قبرت فيها الأهداف التربوية، واندثرت فلسفة التعليم، فكانت النتيجة تعثراً وتدنياً في مسيرة التعليم كما شهدنا ذلك بأم العين! فتلك المسيرة التي توكأت على عصا الاخفاق، مازالت آثارها السالبة عالقة بالأذهان، وتحظى بمساحة رحبة بذاكرة تاريخ التربية والتعليم في السودان. ينأى قلمي للخوض في تحليل متغيرات بناء تلك السلالم التعليمية المتعاقبة ومبرراتها التي وضعت، ونسجت بانفرادية بحتة، متهالكة الاخراج، بالية الأهداف. ومنذ عام سلف فطنت الانقاذ لأمر السلم، التعليمي الحالي، وعقدت العزم على تعديله بعد الدراسة والمقارنة. فاتفق عليه القوم بالتربية، واخصائيو المناهج ببخت الرضا بالتعديل وقدموا توصيتهم الصائبة لمؤتمر التعليم الأخير، وذلك باعادة العام المفقود للسلم التعليمي ليصبح 12 عاماً بدلاً من 11 عاماً فهو نهج سبقتنا إليه كل الدول العربية. كما أوصى ذلك العقد الفريد من الخبراء باضافة ذلك العام المسلوب للمرحلة الثانوية لتصبح أربعة أعوام بدلاً من ثلاثة، تم هذا بعد دراسة علمية فاحصة ارتكزت على أهداف وركائز تربوية ولأسباب ومبررات تعليمية توشحت بها تلك التوصية، آمل أن أعددها في سانحة قادمة بمشيئة الله. ولكن لا مانع أن يلم القارئ بالمبرر الأول الذي يقول ان بإضافة هذا العام الضائع للمرحلة الثانوية يكتمل النضوج الشخصي والتربوي لطالب المرحلة الثانوية «Educational Maturity» وباضافته تلك يسهل على طالبنا عبور الجسر إما لمزيد من المعرفة والتعليم التخصصي بالجامعة أو بالانخراط في الحياة العملية إن رغب. وفي كلا الحالتين يكون طالبنا مزوداً بذهن ناضج، ومعرفة ثرة ويكون قد أُعد إعداداً تربوياً ومعرفياً يتوافق مع تلك المرحلة الجديدة. فاضت جوانحي غبطة وسروراً، وقلمك في تلك الزاوية يتناول شأناً تربوياً آخر شغل أذهان الآباء والأمهات ونحن زمرة المعلمين. فقد أصاب سهمك باقتراحه باعادة النظر في عطلة السبت بالنسبة لمدارس التعليم العام (أساس وثانوي) والتي فرضت قسراً على المدارس دون دراسة فاحصة، وقد تعرضت في مقالة سالفة لسلبيات هذه العطلة الجبرية ومن بينها وكما ذكرت في مقالك، ان قلصت أيام الدراسة المقررة التي وضعت ببخت الرضا ل180 يوماً بدلاً من 210 يوماً فهي المدة التي بنيت وحددت بموجبها المناهج الدراسية، ووضعت المقررات لتغطيها. كما أجبر هذا التقليص بعض المعلمين بخفض زمن الحصة المقرر، للمعالجة ولتلافي العجز. كما أن عطلة السبت غير المبررة، جعلت المعلم يطوي الدرس طياً سريعاً تحسباً وخوفاً من عدم اكمال المقرر قبل نهاية العام الدراسي مما كان له الأثر الواضح في تعثر الاستيعاب للطالب وهو سبب من أسباب التدني في مستويات الطلاب الذي نشكو منه اليوم. لقد انطبع الطالب واعتاد ان السبت هو فاتحة أيام الأسبوع. فلماذا نتسبب دون مبرر في وأد هذه العادة؟ ولماذا نحثهم بل نشجعهم على الكسل والاسترخاء الجسدي والذهني ليومين في الأسبوع؟ كما أن بقاء صغيرنا ليومين بالمنزل في ضمور جسدي وذهني، يسبب الضيق وعدم الارتياح في نفوس الآباء والأمهات. ولذلك ولأسباب تربوية واجتماعية كما أوضحت آمل من الأخ د. يحيى صالح مكوار وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم فهو رجل تصدى لقضايا التعليم بفكر ثاقب ورأي سديد يبادر دون سواه بقيام ورشة عمل «Workshop» تقدم فيها ورقة علمية عن ذلك الشأن التربوي. وآمل أن تطوي تلك الورشة أمراً تربوياً آخر هو الحقيبة الغليظة المنتفخة بالمعرفة والتي ترهق ظهور صغارنا بمرحلة الأساس، وتسببت في آلامها المبرحة والتي وجه الأخ عمر البشير رئيس الجمهورية بتخفيف ثقلها والتي كنت قد تعرضت لمخاطرها وسلبياتها في مقالة لي سابقة. فهذه القضايا التربوية التي طرحها قلمك أخي النور وساندها قلمي المرهف وهي: السلم التعليمي - عطلة السبت - الحقيبة المدرسية تتطلب قرارات تربوية صائبة، والتي لابد أن تصاحبها مراجعة وتعديل في المناهج الدراسية لتتوافق وتتناسب مع تلك القرارات. لابد من اعادة النظر في المناهج التي أصبحت تتوكأ على عصا عتيقة. لابد من مناهج مبعثها تعاليم ديننا الحنيف وتطوي صفحاتها عاداتنا وتقاليدنا، وإرثنا وتراثنا، وتاريخ أمتنا المجيد الذي يزخر بأفذاذ الرجال الذين تطويهم اليوم ذاكرة الوطن. أسأل الله التوفيق والسداد وشكري لك أخي النور لسعة صدرك وافراد مساحة لقلمي بزاويتك الجريئة المقروءة. * مستشار وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم