شهدت العلاقات السودانية الأمريكية تحولاً كبيراً منذ ان تولى الرئيس باراك اوباما مقاليد الحكم فى أمريكا، وإتسمت سياسته تجاه الخرطوم بمرونة واضحة عكس سابقيه الذين مارسوا سياسات أكثر تشددا تجاه الخرطوم وصلت الى حد الهجمات العسكرية وحادثة قصف «مصنع الشفاء» المشهورة ليست بعيدة، حيث ظلت سياسة اوباما تجاه السودان بحسب مراقبين تعتمد على مبدأ الترهيب والترغيب، والحوافز والعقوبات، فيما يعرف ب «سياسة الجزرة والعصا»، ومؤخراً تمحورت العلاقات السودانية الأمريكية حول كيفية تعامل الحكومة السودانية مع القضايا المعلقة مع دولة جنوب السودان وقضية دارفور والمنطقتين «النيل الازرق وجنوب كردفان» بجانب دارفور ، الا ان عدداً من المحللين اوضحوا ان الولاياتالمتحدةالامريكية ظلت طوال فترة اوباما تتخذ مواقف غير مفهومة تتأرجح بين دعم جهود الحكومة وفرض عقوبات عليها في آن واحد. وفى تحول جديد فى مسار العلاقات السودانية الأمريكية في مواجهة تنامي النفوذ التجاري للصين في أفريقيا، كشف الرئيس الأميركي باراك اوباما استراتيجيته الخاصة بتنمية افريقيا من اجل ترسيخ الأمن والديموقراطية، في شكل يوازي جهود محاربة تنظيم «القاعدة» الذي يسعى الى تكثيف نشاطه من مالي الى الصومال، الا ان الجديد فى هذه السياسة الموجهة للقارة السمراء تمثلت فى تصريحات اوباما التى ألمح فيها إحتمال إضطلاع دولة الصين المنافس الأول للولايات المتحدة فى افريقيا للعب دور مهم فى تأمين سلام دولتي السودان وإستقرارهما، واوضح الرئيس الامريكى ان اهداف الاستراتيجية تدعو الى تشجيع تنمية الامكانات الاقتصادية الهائلة للقارة لاخراج ملايين من سكانها من دائرة الفقر، بالتركيز على اربع نقاط هى تعزيز المؤسسات الديموقراطية وتحفيز النمو والاستثمارات واعطاء السلام والأمن اولوية وتشجيع التنمية، واضح ان السياسة الأمريكيةالجديدة فى القارة السمراء رسمت على تحجيم ومنافسة النمو الصينى فى افريقيا، الا انها اخذت مساراً آخر بالنسبة للوجود الصينى فى السودان والذى اصبح مرحباً به من قبل حكومة اوباما والتى تعول على دولة الصين فى دعم وإستقرار دولتي السودان. ثمة أسئلة تطرح نفسها عن سر هذا التحول فى الموقف الامريكى بإفساح المجال للوجود الصينى خاصة فى السودان، هل تم اتفاق بين بكين وواشنطون فى هذا الشأن وماهو تأثير هذا الموقف على إستقرار السودان. الخبير الدبلوماسى السفير عبدالغفار محمد أحمد يفسر الموقف الأمريكى تجاه النفوذ الصينى فى السودان وإفساح المجال له بالسيناريو المرسوم من امريكا الغرض منه تحييد موقف بكين تجاه دولتي السودان، وقال الخبير ل «الصحافة» عبر الهاتف امس ان النظر فى العلاقات الدولية لايؤخذ بحسن النوايا، وأشار الى ان امريكا ظلت تقدم الجزرة للسودان بصورة واضحة منذ اتفاقية السلام الشامل 2005 فى إطار سياساتها الكلية الا انها ظلت تستخدم العصا، وقال الدكتور عبدالغفار ان امريكا بسياستها الجديدة تحاول إختراق القارة السمراء لمنافسة الوجود الفرنسى والمؤثر فى مجموعة ورابطة الدول الفرانكفونية وعلاقاته العميقة فى الجانب الإقتصادى والثقافى والسياسى، بجانب الوجود البريطانى القديم، وفوق كل هذا وذاك مواجهة التمدد الصينى المتسارع فى القارة، وقال عبدالغفار ان الولاياتالمتحدة تحاول إختراق القارة بصورة اوسع من السابق وإشار الى ان هذا التوجه يدفعه الرئيس ذو الأصول الافريقية اوباما والذى يشعر بواجب وإلتزام معنوى نحو القارة السمراء وإستغلال فترة وجوده فى الحكم، واضاف ان سياسة الإنفتاح الامريكية قديمة تجاه افريقيا الا انها ضعفت فى عهد الرئيس السابق جورج بوش، واوضح عبد الغفار ان السياسة الامريكية تجاه السودان مرت بثلاث مراحل فى الفترة الاخيرة منذ الثمانينيات فترة الحرب الأهلية ودعمها للرئيس السابق نميرى، وقال ان المرحلة الثانية بدأت بعد التوقيع على إتفاق السلام حيث بذلت امريكا كل جهدها لتحقيق تقرير المصير وإنفصال جنوب السودان الى ان تم لها ما ارادت، واضاف وهى تقف فى المرحلة الثالثة وهى تأمين الدولة الوليدة وخاصة انها تدرك انها محتاجة الى السودان ووصف عبدالغفار ان السياسة الامريكيةالجديدة تهدف الى تأمين الوضع الحالى بإستقرار دولتي السودان بما يتماشى مع مصالحها فى المنطقة، ولم يخف السفير توقعه بالتنسيق المحكم بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ودولة الجنوب والصين فى هذا التحول وإفساح المجال لبكين بلعب دور فى استقرار دولتي السودان، واشار الى زيارة سلفاكير الاخيرة الى دولة الصين كانت بإيعاز من امريكا بهدف تحييد الموقف الصينى تجاه البلدين خاصة وان التوقعات كانت تشير الى وقوف الصين الى جانب السودان، وقال اعتقد ان هذه السياسة نجحت بعد ان اصبحت مواقف روسيا تجاه السودان أكثر تأثيراً من الصين والتى باتت تساوى بين السودان ودولة الجنوب، وقال عبدالغفار ان العلاقات الدولية لاتؤخذ بالتصريحات الإيجابية والمواقف الظاهرة لافتاً الى ان العالم اصبحت تحكمه المصالح والصفقات بتأثيرها المباشر او غير المباشر على المواقف السياسية. وفى ذات الإتجاه يمضى السفير الرشيد ابو شامة متفقاً مع سابقه حول السياسة الامريكيةالجديدة تجاه السودان وفتح نفاج للنفوذ الصينى فى دعم إستقرار المنطقة انه سيناريو ليس مستبعداً فيه التنسيق بين امريكا ودولة جنوب السودان والصين، وقال ابو شامة ل «الصحافة» ان امريكا تركت الباب مفتوحا لبكين لضعف قدراتها المالية التى تأثرت بالأزمة الاقتصادية الأخيرة التى ضربت العالم، وأشار ابوشامة الى ان سلفاكير قبيل زيارته الى الصين توجه الى بلجيكا الا انه تيقن ان الدول الاوربية ليس بمقدورها مد دعم مباشر للدولة الوليدة، واضاف ان الصين بحساب ان لها إلتذزامات مسبقة مع الدولتين ارادت الادارة الأمريكية بالتنسيق مع دولة الجنوب ان تلعب الصين هذا الدور بدلاً منها خاصة وانها بهذا الفهم تحقق ما ترمى إليه السياسة الإمريكية الجديدة تجاه القارة السمراء التى تنادى بمحاربة الفقر وتعزيز الديموقراطية والمحافظة على الأمن والإستقرار، وقال ابوشامة ان امريكا اذا ارادت زعزعة استقرار السودان فهى قادرة على ذلك بأذرعها وتأثيراتها فى مجلس الامن وعلى الارض بوجود الصين او غيرها، واضاف ان مايتم من تنسيق فى نهاية الامر يخدم مصالح امريكا بغض النظر عن تأثيراته الإيجابية او السلبية على السودان.