حينما دلفت الى مكتب رئيس تحرير صحيفة «الإنقاذ الوطني» د. محيي الدين تيتاوي مطلع تسعينيات القرن الماضي، تملكني «القلق» وانا اقف امام رئيس التحرير، لتلقي «تكليف مباشر».. وقد كنت أصغر محرر بالصحيفة، فطلب مني اعداد حزمة من الموضوعات، وخلال تنفيذ التكليف كان يبدي ملاحظات «متواصلة»، وفي الوقت الذي لم تنشر فيه «موضوعاتي» كان يطلب مني المزيد، فشعرت بالإحباط باعتبار ان كل الذي أتيت به لم ير النور، ولم تمض غير أيام قليلة حتى فوجئت بموضوعاتي تنشر «تباعاً» مواد رئيسة بالصفحة الأخيرة، وفي ظل فرحتي حدثني الراحل النبيل عبد المنعم قطبي صاحب عمود «إني أشهد» الذي كان يطالعه كل اهل السودان في اخيرة «الإنقاذ الوطني»، وهو يتولى رئاسة قسم المنوعات، بأن الاستاذ تيتاوي قصد ان يختبر صبرك وقدراتك، لذلك لم تنشر موضوعاتك في حينها، وهو ذات الأمر الذي اكده لي الشاعر الحصيف والصحافي الشفيف الاستاذ علي يس حينما كان رئيساً للقسم الثقافي.. هكذا كان الاستاذ تيتاوي يدعم صغار الصحافيين، ويعزز قدرات وامكانات كبارهم.. فضلاً عن منافحته لكل ما يصب في مصلحة المهنة. الاستاذ تيتاوي زارنا في العاصمة الرياض خلال الايام الماضية، واحدث حضوره برفقة الاستاذ ياسر عايس نائب أمين عام اتحاد الصحافيين حراكاً كبيراً، لجهة بحث قضايا المهنة والتعاون مع هيئة الصحافيين السعوديين، وكيفية التعاون مع معهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي. وقد شكلت هذه الزيارة استدعاء ذكريات جميلة من سنوات خلت.. فالأستاذ تيتاوي عرفناه منذ زمان بعيد وهو يستميت من أجل مبادئه وافكاره ولا يحيد عنها مهما بلغت المغريات او اشتدت التحديات، الى جانب انتصاره الدائم للمهنة، وتعلقه بها ودفاعه عن تلاميذه وزملائه في كل محفل. وحينما ترك الرجل قيادة العمل الصحفي اليومي رئيساً للتحرير، لم يبتعد كثيراً وهو يتولى قيادة اتحاد الصحافيين السودانيين، ويمضي بالاتحاد من نجاح الى آخر.. وبجهوده المخلصة وجهود الذين معه، اصبحت للصحافيين مدينة بل مدن، لم تكن في الحلم، كما أن الصحافي السوداني اضحى يتمتع بكثير من الخدمات، أبرزها التأمين الصحي الذي تتحمل ولاية الخرطوم 50% من نفقاته، وربما هو امر لم يوفره احد مهني آخر لعضويته، الى جانب برامج التمويل «البنكي» والحصول على السيارات بالأقساط المريحة، كما اعلن عن ذلك أخيراً، ولعلها انجازات لا يمكن انكارها. واتحاد الصحافيين تفوق على نفسه وهو يؤسس اول دار للصحافيين الذين ظلوا لسنوات طويلة من غير دار تجمعهم، كما ان موقف اتحاد الصحافيين السودانيين الذي يقوده الاستاذ د. تيتاوي يستحق الثناء وهو يدافع عن قضايا الصحافيين، ويقف الى جانب كل صحافي بسبب قضية ساقته الى المحاكم، أو فصل تعسفي، كما ان موقفه من فكرة انشاء نيابات الصحافة بالولايات معلن ومعروف للجميع، ومن قبل ذلك كان الاتحاد ومازال صلبا في موقفه من محاولة نقل سجل الصحافيين لمجلس الصحافة والمطبوعات. وحقيقة لا نريد أن نقصم ظهر الرجل غير انها كلمات لوجه الله تعالى في حق واحد من افضل القيادات الصحافية في بلادنا، وتبقى مدرجات الجامعات وصالات التحرير واجتماعات العواصم تشهد له بذلك، وهو ما جعله جديراً بأن يكون نائباً لرئيس اتحاد الصحافيين العرب، ورئيساً لاتحاد شرق إفريقيا.. وحري بنا ان نقول للرجل شكراً جميلاً على ما قدمت للمهنة ومن ينتسبون اليها، ومزيداً من الانجازات.