منذ قدوم المفاوضين من الخرطوموجوبا الى اديس ابابا صباح امس الاول، دخل الجانبان فورا في مباحثات مباشرة بعيدة عن الآلية الافريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو امبيكي بمقر التفاوض بفندق شيرتون أديس، وكان منظر الاعلاميين المحيطين بقاعة الاجتماع هو الطاغي على كل شئ رغم قلتهم، سواهم لا احد بالخارج غير مديري المكاتب المرافقين للمسؤولين او رجال الحراسة الشخصية. كنا عدد من الاعلاميين المتابعين لمجريات هذه الجولة في حالة انتظار مستمر طوال ساعات نهار امس وقبله بيوم نبحث عن حقيقة ما يدور في القاعة المغلقة التي تضم الوفدين او قاعاتهم المنفصلة المقابلة لبعضها البعض. لكن طوال يومي امس وامس الاول لم نكن نملك غير بعض التصريحات العامة مثل «ان الاجتماعات جيدة، وان الدولتين حريصتان على انهاء فترة التوتر» اوعلى شاكلة « ان الطرفين عازمين على مواصلة التفاوض ويملكون قدرة المضي الى الامام واحراز تقدم »، الا ان واقع الامر يبدأ بالسؤال الاتي، ما الذي دار في قاعات شيرتون خلال الساعات الماضية ؟ وقبل الاجابة فإن الحقيقة البديهية التي دفعت بالطرفين الى قبول اللعب وفق المستجدات الحادثة هي ان ما بين جوباوالخرطوم تاريخ طويل من المرارات والملفات العالقة. ويقول مسؤول رفيع بالاتحاد الافريقي أمس ل»الصحافة» لا شك ان الجانبين يعلمان ان الوقت ليس في مصلحة احد، بجانب الضغوط الداخلية التي تعانيها الدولتان وتابع محدثي يمكن ان تشهد هذه الجولة امرا جديدا. على الرغم من الحديث عن اقتراب انقضاء المهلة الاممية المحددة بالثاني من أغسطس كموعد نهائي لتسوية الخلافات، بجانب التكهنات غير المتفائلة التي اطلقها عدد من المتابعين للشأن الجاري بين الدولتين، ابدت ممثلة الاممالمتحدة الخاصة الى جنوب السودان هيلدا جونسون ثقتها في ان تؤتي المفاوضات ثمارها سريعا، وقالت جونسون في نيروبي قبل يومين اي صبيحة انطلاق هذه الجولة»لدي مزيد من الثقة اليوم بان الامور تتحرك في الاتجاه الصحيح بسبب عوامل خارجية مثل ضغط المجتمع الدولي والضغط على اقتصاد البلدين» وظلت المفاوضات بين الدولتين في حالة تعثر منذ اشهر لكن المراقبين الدوليين يرون ان الامور ماضية نحو الانفراج ويضيف مبعوث الامين العام للامم المتحدة في حديث سابق هناك منعرجات لكن مجرد الجلوس بعيدا عن الخنادق سيجلب السلام في نهاية الطريق، وكان مسؤولا رفيعا بوفد دولة جنوب السودان نهار أمس ابلغ »الصحافة» ان الاجتماع الاخير المقرر بين الجانبين اليوم سيخرج باتفاق حول الاطار العام. ففي جولة المباحثات السابقة وبالتحديد قبل يوم من إنفضاضها دون ان تتغير فيها المواقف المعلنة من الجانبين، سألت «الصحافة» وزير الدفاع السوداني الفريق اول عبدالرحيم محمد حسين حول إمكانية الوصول الى اتفاق في وقت قريب ؟ كان وقتها الرجل خارجا لتوه من اجتماع مباشر كان هو الثالث بعيداً عن الوساطة كطريقة ظل بها حال المباحثات منذ الانتقال الى شيرتون اديس، وصفها عبدالرحيم بانها ناجحه وتساعد في تقريب وجهات النظر قبل ان تاتي اجابته بشكل قاطع ( لن اوقع اتفاقا اطاريا او غيره قبل العودة الى الخرطوم لاطلاع القيادة وفتح نقاش حوله تفاديا لتشكيل الرأي العام السالب)، لكن كبير مفاوضي دولة جنوب السودان باقان اموم تحدث في مؤتمر صحفي غداة اليوم التالي واعلن تجديد بلاده لموقفها المعلن للتفاوض في كافة الملفات والوصول الى اتفاقات نهاية في اسرع وقت. وبالعودة الى يوم أمس الاول الذي عاد فيه وفد السودان مرة ثالثة الى مقر التفاوض متزامنا في ساعة وصوله من الخرطوم الى ارض مطار بولي الدولي بالعاصمة اديس مع وفد دولة جنوب السودان القادم من جوبا، كانت العلامة الابرز هي ان الوفود التي حضرت هذه المرة غابت عنها وجوه مألوفه وذات وزن حيث غاب من جانب الخرطوم الدكتور سيد الخطيب والوزير محمد المختار بجانب السفير مطرف صديق وكان ابرز الوجوه الجنوبية الغائبة وزير شؤون الرئاسة دينق الور بجانب وزير الخارجية نيال دينق نيال والسكرتير الصحفي لكبير المفاوضين، وعزت الاطراف غياب الاعضاء لقصر الجولة التي اختتمت اعمالها امس، وبدأت الوفود تحزم حقائب العودة الى الخرطوموجوبا، بسبب احتفالات الاخيرة بعيدها الوطني الاول. فيما رشحت معلومات عن زيارة مرتقبة سيقوم بها اليوم الى الخرطوم كبير الوسطاء رئيس الآلية رفيعة المستوى ثامبو امبيكي، وحسب مراقبين فإن زيارة الرجل تأتي ربما لتكملة الملفات العالقة بين البلدين ومحاولة لتقريب وجهات النظر حول مواقف الجانبين، ولن تقتصر الزيارة على الخرطوم فقط بل سيحل مبيكي ايضا بجوبا لذات الامر بالتزامن مع اعيادها بالاستقلال. والآن نعود الى طرح السؤال ما هو الشئ الذي عاد به طرفا التفاوض من جولة أديس القصيرة؟ فحسب مسؤول بالوفد التفاوضي قال ل»الصحافة» من داخل الاجتماع « ان الاطراف اعدت اطاراً عاماً للتفاوض كاتفاق يعملون على ضوئه فيما تبقى من ايام، لكن هل هذا كل شئ ؟ وهل مكث الطرفان كل تلك الساعات فيما بينهما ليتحدثوا عن اطر عامة للمفاوضات التي مهلتها قاربت على الانتهاء ؟ بالطبع لا، فالاجتماع الذي استمر يوم امس لما يقارب الثلاث ساعات ونصف ترأسه الفريق عبدالرحيم وكبير المفاوضين للجنوب باقان اموم بجانب حضور كل الاعضاء من الطرفين، خرج قبل اكتماله سفير السودان باثيوبيا الجنرال عبدالرحمن سر الختم لافتا الى ان المخرجات ستكون مبشرة واضاف هناك بعض الامور الطفيفة سينجلي أمرها. ومع ذلك فإن التوقيع على شئ وان كان اطاريا يبشر بأن المفاوضات تتقدم للامام على امل ان يعود الطرفان لجولة حاسمة في مقبل الايام التي تلي احتفال دولة الجنوب باكمال عام من عمرها الذي يرجو له الجميع ان يكون عامرا بالسلام والجوار الأخوي مع السودان.