ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إن المحب بكل بر يضرع
نشر في الصحافة يوم 09 - 07 - 2012


ما للمُحِبِّ سوى إرادةِ حُبِّهِ
إنَّ المُحِبَّ بكلِّ بِرٍّ يَضْرَعُ.
*أيام قليلة ويطل علينا ضيف فوق العادة، كريم ، مبارك ، سوف يمكث معنا نحو 720 ساعة، هي عدد ساعات إقامة شهر رمضان المبارك،بين ظهرانينا ، إنه شهر فضيل ،فيه تصفد الشياطين، وتتنزل الرحمات،هو شهر أنزل الله فيه القرآن ،هدى للناس،وبينات من الفرقان، فيه ليلة خير من ألف شهر ،قال ابن الجوزي رحمه الله : شهر رمضان ليس مثله في سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائر الدهور ، الذنب فيه مغفور والسعي فيه مشكور ، والمؤمن فيه محبور والشيطان مبعد مثبور ، والوزر والإثم فيه مهجور وقلب المؤمن بذكر الله معمور ، وقد أناخ بفنائكم هو عن قليل راحل عنكم ، شاهد لكم أو عليكم ، مؤذن بشقاوة أو سعادة أو نقصان أو زيادة وهو ضعيف مسؤول من عند رب لا يحول ولا يزول يخبر عن المحروم منكم والمقبول فالله الله أكرموا نهاره بتحقيق الصيام واقطعوا ليله بطول البكاء والقيام ، فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام مع النظر إلى وجه ذي الجلال والإكرام .
*ومن المؤسف حقا أن معظمنا لا يستقبل هذا الضيف ،ويحتفى به كما يجب ،فلو زارنا صديق على سبيل المثال فى دارنا نستقبله بحفاوة وحرارة، ونفرش له الدار كلها أزهارا وورودا ،ونقدم له ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات، أما حينما يزورنا رمضان لا نستقبله كما ينبغي ،هل نصون ألسنتنا ونحفظ فروجنا وجوارحنا كلها فيه؟ قال ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره، ما شيء أحق بطول سجْن من لسان.هل نحسن فيه الى الفقراء والمساكين وعابري السبيل ؟ .
*صحيح أننا نبدي كرما حاتميا فى رمضان ، لكن قلة منا تحس بمعاناة الفقراء والمساكين فى رمضان، بل يتألم المرء حينما يرى الرجال لا يخرجون بموائدهم العامرة فى السودان وغيره من الأقطار الإسلامية، الى الشوارع والميادين والساحات العامة والمساجد كما كان فى السابق،حيث كان من النادر أن تجد رجلا يفطر فى عقر بيته أو داخل سور منزله، لكن الزمان استدار ولم يعد كالزمان الأول ربما نفوس الناس اليوم اختلفت عما كانت عليه فى السابق لكن للأسوأ وربما نسينا فضل إفطار الصائمين فى هذا الشهر الفضيل ( من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لاينقص من أجر الصائم شيئا ) و( من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ) ( رواه مسلم ) ومن أسباب الرزق الإحسان إلى الضعفاء والفقراء، وبذل العون لهم، فهذا سبب في زيادة الرزق ،وهو أحد مفاتيحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم). (رواه البخاري)*عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة في رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله عليه الصلاة والسلام ، حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة).
*وكثيرون منا ينسون فضل قراءة القرآن وتدبره فى شهر رمضان ( اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ( رواه مسلم ) فكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وكانت السيدة عائشة تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت. وقال سفيان: كان زبيد إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه. ولم يقتصر الأمر على التلاوة، بل إن جل اهتمامهم العمل به وتنفيذ تعاليمه في كل شأن من شئونهم، تاركين كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته، طيبة بذلك نفوسهم، طيعة أجسامهم، سخية أيديهم وأرواحهم، حتى صهرهم القرآن في بوتقته، وأخرجهم للعالَم خَلْقًا آخر، مستقيم العقيدة، قويم العبادة، طاهر العادة، كريم الخُلُق، نبيل المطمح وقد كان نبينا الكريم صلوات الله وتسليماته عليه ،يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي رمضان.
*نعم أكثرنا لايهتم برمضان بقدر إهتمامه بزواره من بني البشر، وأرجو أن لا يفهم كلامي هذاعلى أننا نقصر فى جلب مأكولات رمضان ومشروباته،اعرف أننا نشترى فى هذا الشهر ربما ما يفوق كلما نشتريه من سلع طوال أشهر العام كلها ونسرف فيه كثيرا ، قال الفضيل بن عياض: شيئان يقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل، ولكني قصدت أننا نهتم فيه بالمظاهر والشكليات أكثرمن اهتمامنا فيه بما يقوي إيمانياتنا ويرفع ويسمو بروحانياتنا،بل ولا يستفيد معظمنا فيه من المنح والنفحات التى يعدنا فيه خالقنا فيذهب الشهر غير مأسوف عليه كبقية شهور السنة ، علما بأننا لو صمناه إيمانا وإحتسابا يغفر فيه الله ذنوبنا (الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ،ورمضان الى رمضان ،مكفرات لما بينهن ما أجتنبت الكبائر).
*رمضان موسم البر والإحسان، حيث تتدفق أيدي المؤمنين بالعطايا، وتود نفوسهم بالسخاء، فتتآلف قلوب الأغنياء والفقراء، ويضمحل البغض والخصام، وتسطع أنوار الفضيلة ومحاسن الأخلاق، وتتلاشي الرذيلة ومساوئ الأخلاق، فإذا بالشفاء تستعذب الكلمة الطيبة والبسمة الصادقة، وإذا القلوب تهفو إلى مواقع المعروف، وتنداح إلى العمل الصالح،وإذا النفوس تأنس بالخير والبر والإحسان، وإذا بالجوارح تسعى في سبيل الطاعة، يراقب الصائم كل كلمة يقولها أو نظرة ينظرها، أو تصرف يتصرفه، أو فكرة تخامره، أو خفقة يخفقها، وكل شعور أو إحساس في أعماقه، يراقب كل ذلك؟ هل هو على طريق رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ؟ هل للصيام في لسانه أدب، وفي أعماقه توجيه؟ ولا فرار من الله إلاَّ إليه، لاغتنام هذه الأوقات بالنافع المفيد، وترك اللهو واللعب والأوقات الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فكم منا رجالا ونساء شيبا وشبابا نهدر ساعات طويلات فى مسلسلات وأفلام فارغة ،بل كم منا من يضيع أوقاتا ثمينة بالليل والنهار فى لعب الورق ، بل أن هذه السلوكيات قد تجلب الحسرة والمرارة التي تعتصر قلب المرء، يوم أن يقول لربه : (رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت).
هذي الدقائقُ تَسْتَحِثُّ خُطَانَا
لنسير في عَجَلٍ إلى أُخرانَا.
*كان الحسن البصري يشيع جنازة، فأخذ بيد رفيقه قائلا: ماذا يفعل هذا الميت إذا عاد إلى الحياة؟! فقال: يكون أفضل مما كان قبل الموت. فقال الحسن: فإنْ لم يكن هو فكن أنتَ، وذكر ابن أبي الدنيا عن معقل بن عبيد الله الجزري قال: كانت العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات، وإذا غابوا كتب بها بعضهم إلى بعض أنه: مَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومَن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومَن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه، ومَن علم الله صدق باطنه أعانه على ظاهره، وبلغه المراد، فإنما يتعثر مَن لم يخلص. والصادق الموفق يزين سريرته للحق كما يزين علانيته للخلق.
*من ذاق حلاوة رمضان، غضت عينه عن المحارم، فكان الله معه ببصره، وكف لسانه عن المآثم من غيبة ونميمة وزور وبهتان، فكان الله معه، من عف سمعه عن سماع المنكرات، والتطاول في أعراض المسلمين كان الله معه بسمعه، ومن كان الله معه في جميع أحواله لم يقبل جوفه حرام.. ولم تسع قدماه إلى معصية.. ولم تبطش يداه بالظلم أو تمس حراما.. ويستقيم عقله على الحق.. ويستنير قلبه بأنوار الهدى.. فهنيئا لمن اتقى، وآمن: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس: 62) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما، إذا فطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)
*قال ابن القيم: إن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لايطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم. (زاد المعاد) قال عمر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمَن رُزق بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير، قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام. وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.و قال الحسن البصري رحمه الله: (إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته لمرضاته، فسبق قوم، ففازوا، وتخلف آخرون، فخابوا.. فالعجب من اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر المبطلون). ولقد حكى عن علي رضي الله عنه أنه كان يقوم في آخر ليلة من رمضان، ويقول: (يا ليت شعري من هذا المقبول فنهينه، ومن هذا المحروم فنعزيه).
*ومعظمنا الا من رحم ربك لا يدع قول الزورفى رمضان لأنه اعتاد عليه. ولهؤلاء ولأنفسنا أيضا نقول وإياكم وأعراض الناس والكلام فيها، فإنها من أعظم أسباب دخولك النار، كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وفي رمضان يتأكد ذلك، قال المصطفى عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم). وقال صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). قال كعب: مَن صام رمضان وهو يُحدِّث نفسه أنه إذا أفطر بعد رمضان أنه لا يعصي الله، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب، ومَن صام رمضان وهو يُحدِّث نفسه أنه إذا أفطر بعد رمضان عصى ربه، فصيامه عليه مردود. (لطائف المعارف) فلابد أن نصوم رمضان بنية الأ نغتاب أو نرفس أو نمارس الفسوق والعصيان والا نذنب فيه أو بعده.
*وفى بلادنا ولله الحمد تغلق المطاعم أبوابها حتى إن اخواننا المسيحيين لا يجاهرون بإفطارهم فى الشهر الفضيل، أمام أخوانهم الصائمين، وفي عصر الدولة الأيوبية كان الملك الكامل يُغلق الخمارات، ويعتقل البغايا في رمضان، وكان يغلق المطاعم والمقاهي نهارًا، كما كان ينزل بنفسه في أول يوم من رمضان فإذا صادف مفطرًا أمر بضربه،وكان المحتسب يقوم بالمرور للتأكد من وفرة وجودة السلع ونظافة السقائين فهل يفعل مثل ذلك ولاتنا ؟بل هل نجد موائد رمضانية فى كل الساحات والمساجد ؟هل نغني الفقراء والمساكين مؤونة السؤال فى هذا الشهر؟ ونجعلهم يتفرغون للصوم والعبادة والقيام؟هل يراعي التجار حرمة وقدسية الشهر وما فيه من ثواب ؟ إن كنا رفيقين بالناس ولم نطفف الكيل والميزان؟هل يترك الرجال والنساء الغيبة والنميمة ؟هل نجود على المساكين مما أفاء الله به علينا من رزق كريم؟ هل نعمر مساجد الله بالصلوات والقيام إيمانا واحتسابا لله؟و قد كان المحتسب فى زمان سابق يقوم بالمرور للتأكد من وفرة وجودة السلع ونظافة السقائين،وكان لأحمد بن طولون حديقة إلى جوار مسجده، وتحت أشجار هذه الحديقة كان ابنه خمارويه يقدم مآدب الإفطار والسحور للناس طوال شهر رمضان، وأسس مدرسة لتعليم الطهاة ذاعت شهرتها، وتسابق الملوك في طلب الطباخين المتعلمين فيها مقابل أجور عالية،كم يتمنى المرء أن ينفق المقتدرون فى هذا الشهر على الفقراء والمساكين.
*كثيرون منا أيضا يقصرون فى أداء الصلوات المكتوبات فى المساجد فى الشهر الفضيل، رغم ما فيها من الثواب الجزيل ،وقد جاءت سكرة الموت أحد الصالحين، واشتد عليه مرضه، فلما سمع المؤذن بكى بكاء شديدا، لأن قلبه معلق بالمساجد. فقال له أحد أبنائه: مالك، وقد عذرك الله! قال: يصلي الناس في المسجد، وأنا أصلي في البيت. احملوني إلى المسجد. فلما صلى مع الناس، وقضيت الصلاة وجدوه قد قبضه الله، وهو ساجد. فأنعم بها من خاتمة.
* وكان بعض السلف: يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وقيل: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. وقيل: التقوى هي أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، نسأله أن يجعلنا من المتقين فى رمضان وفى غيره من الشهور،واستغروه أنه كان غفارا، جاء رجل إلى الحسن فشكا إليه الجَدْب، فقال: استغفر الله، وجاء آخر فشكا الفقر، فقال له: استغفر الله، وجاء آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولدا، فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: سألوك مسائل شتى وأجبتهم بجواب واحد وهو الاستغفار؟ فقال رحمه الله: ما قلت من عندي شيئا، إن الله يقول: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً).
*قالت رابعة العدوية: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير.. فلا تظن أنها تذم حركة اللسان مِن حيث إنه ذكر الله، بل تذم غفلة القلب، فهو محتاج إلى الاستغفار مِن غفلة قلبه لا مِن حركة لسانه. وقال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (هود ).
*رؤى أعرابي وهو يأكل فاكهة في نهار رمضان فقيل له :ما هذا ؟ فقال الأعرابي على الفور: قرأت في كتاب الله - وكلوا من ثمره إذا أثمر - والإنسان لا يضمن عمره وقد خفت أن أموت قبل وقت الإفطار فأكون قد مت عاصياً ،صحيح أن الإنسان لا يضمن متى تدركه المنية فلو فرط بعضنا فى رمضان السابق وغيره فهاهو رمضان اخر ات الينا ولعلنا لا ندركه أو ندرك غيره فلماذا لا نجعله آخر رمضان ونحسن فيه كما لم نحسن في غيره؟ .
*دخل احد الحمقى على احد الخلفاء في إحدى الليالي الرمضانية وهو يأكل فدعاه الخليفة ليأكل فقال :أني صائم يا أمير المؤمنين فسأله هل تصل النهار بالليل ؟ فأجابه لا ولكني وجدت صيام الليل أسهل.
*وقد أهدى أحد الأدباء في شهر رمضان صديقاً له نوعاً من الحلوى قد فسد مذاقها لقدمها ، وبعث معها بطاقة كتب فيها : إني اخترت لهذه الحلوى السكر المدائني والزعفران الأصفهاني ، فأجابه صديقه بعد أن ذاق طعمها : والله ما أظن حلواك هذه صنعت إلا قبل أن تفتح المدائن وتبنى أصفهان (ليتنا نقدم للفقراء والمساكين أجود وأطيب ما نأكل ونشرب فى هذا الشهر الكريم )
*كان أشعب أشد الناس طمعاً ، وكان شرهاً مبطناً فدخل على أحد الولاة في أول يوم من رمضان يطلب الإفطار وجاءت المائدة وعليها جدي ، فأمعن فيه أشعب حتى ضاق الوالي وأراد الانتقام من ذلك الطامع الشره فقال له : اسمع يا أشعب إن أهل السجن سألوني أن أرسل إليهم من يصلي بهم في شهر رمضان ، فأمضي إليهم وصل بهم ،أغنم الثواب في هذا الشهر فقال أشعب وقد فطن إلى غرض الوالي منه : أيها الوالي لو أعفيتني من هذا نظير أن أحلف لك بالطلاق والعتاق إني لا أكل لحم الجدي ما عشت أبداً فضحك الوالي.
*من الأشعار التي قيلت في ذم بخلاء الصائمين قول الشاعر:
أتيت عمرًا سحرًا فقال إني صائم
فقلت إني قاعد فقال إني قائم
فقلت آتيك غدًا فقال صومي دائم
ومن ذلك ما قال أبو نواس يهجو الفضل قائلاً :
رأيت الفضل مكتئبًا يناغي الخبز والسمكا
فأسبل دمعة لما رآني قادمًا وبكى
فلما أن حلفت له بأني صائم ضحكا
*كاتب وصحافي سوداني مقيم فى الدوحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.