قبل ثلاثة ايام وتحديداً بعد ليل الجمعة المنصرمة كانت مباحثات السودان وجنوب السودان على حافة الانهيار. الثقة التي عبر عنها الجانبان عقب القمة الرئاسية الاخير بين البشير وسلفاكير بالعاصمة الاثيوبية علي هامش القمة الافريقية المنتهية الاسبوع الماضي، سجلت مطلع هذا الاسبوع ادنى درجاتها. كل مظاهر الفرح والتكهن بقرب الحل بدأت تقابلها شكوك عظيمة من قبل المراقبين. الامر اللافت الاخر تقييم الاطراف قبل تسعة ايام من انقضاء اجل مجلس الامن لمجريات التفاوض لاخلاف فيه في انها الاسوأ حتي الان مقارنة بالجولات الاخريات، بل يتفق الطرفان علي ان مسيرتهما متراجعة للخلف بشكل كبير، يقول الناطق الرسمي لوفد دولة جنوب السودان عاطف كير ل»الصحافة» لازلنا نقف في مكاننا لا جديد بل الخرطوم تعمل علي اعادتنا الي المربع الاول، ذات الاتهامات كانت الخرطوم توجهها الي دولة جنوب السودان بعد ظهر امس بعد ان اقر السفير مطرف صديق بأن الاطراف بعد ان شهدت المباحثات بينها تقدما عادت مرة اخري الي الوراء واضاف الان عدنا لنجلس بحضور الرؤساء الثلاثة ورجعنا لاستعراض المواقف الابتدائية بعد مقاطعة الجنوب للتفاوض المباشر بمبررات اعتبرها مطرف غير منطقية. لكن بعد تسعة ايام واكثر من اربعة ملفات شائكة عناوينها هي (ابيي، الحدود، النفط والامن) هل سيكون بمقدور السودان وجنوب السودان كتابة اتفاقية مرضية تكون اخر محطات النزاع، ام ان العقوبات الاممية باتت علي تخوم البلدين؟ برأي محللين سياسيين ان عدم ترتيب الاولويات وعدم الثقة بين الدولتين عوامل حاسمة تقلل فرص الوصول الي حل، لكن جانب جنوب السودان يذهب الي اتجاه اخر ويقول كبير وفد التفاوض الجنوبي باقان اموم في مؤتمر صحفي امس استعرض فيه مقترح اتفاق شامل مقدم من دولة الجنوب اعتبره اموم حلاً نهائياً للنزاع ويمكن ان يتم الاتفاق عليه في ماتبقي من زمن، وتركز اتفاقية جنوب السودان المقترحة علي حزمة من الحلول اعتبر باقان بانها ستكون مدخلا لحل كافة النزاعات، وقال اموم :المقترحات عبارة عن «اتفاق حول العلاقات الودية والتعاون تهدف الى احلال سلام شامل ودائم وأمن وازدهار لكل من البدلين واضاف «اذا قبلتها الخرطوم فإنها ستعمل ليس فقط على انعاش الاقتصاد السوداني بل ايضا ستؤدي الى انهاء الاعمال العدائية واستئناف التجارة الثنائية (ومن بينها انتاج النفط والصادرات) وضمان سلام دائم بين جنوب السودان والسودان. «وفي صالح السلام، طرح الجنوب هذه المقترحات والتي تعد دفعة للامام، مشيرا الى أن هذه المقترحات تعد متوازنة ولصالح الشعبين». ويأتي علي رأس المقترحات التي قدمها كبير مفاوضي جنوب السودان عرض جنوب السودان استئناف تصدير نفطه عبر خطوط السودان مقابل رسوم نقل قال انها ستكون عادلة ومعقولة، كما يطرح جنوب السودان اعفاء السودان من ديون 500 مليون دولار من العائدات المفقودة نتيجة المصادرات النفطية السابقة وتحويل نفطها، مع زيادة عرض رسوم النفط لكل برميل الى 10ر9 دولار (عبر خط أنابيب جنبك) و 26ر7 دولار للبرميل عبر (خط بترودار)، كما تعرض الان زيادة قيمتها 7 في المئة في رسوم المعالجة وهو ما اعتبره سيحقق للسودان عائدات كبيرة من منشآتها لمعالجة النفط، وحمل معه عرض جنوب السودان حزمة مساهمة لتغطية العجز الذي نجم عن فقدان السودان لعائدات النفط المنتج من جنوب السودان وصفه اموم بالمقترح السخي وهو تحويل مبلغ 213ر8 مليار دولار في صورة مساهمة مالية مباشرة اي ما يعادل 75 في المئة من اجمالي الفجوة المالية البالغة 4ر10 في المئة بعد انفصال الجنوب في شكل خسائر من رسوم عبور ورسوم النقل ورسوم معالجة في محطات المعالجة المركزية ،بجانب تحويل مبلغ مالي صافي يبلغ 245ر3 مليار دولار الى السودان وهذا يمثل اكثر من ثلث متوسط الفجوة المالية التي حسبتها حكومة الخرطوم والبالغة 4ر10 مليار دولار بينما الفجوة المالية التي حسبها صندوق النقد الدولي تبلغ 768ر7 مليار دولار. بجانب ان زيادة عرض الجنوب لاعفاء الديون من 8ر2 مليار دولار الى 968ر4 مليار دولار كما يعرض نهجا مشتركا مع المجتمع الدولي للحصول على مساهمات لسد الفجوة السودانية والاعفاء من الديون الخارجية للسودان ورفع العقوبات الاقتصادية من على كاهل السودان، وجدد الجنوب ايضا مقترحات وقف الاعمال العدائية وقبل بدون شرط الخارطة التي اقترحتها لجنة الوساطة الافريقية لانشاء المنطقة العازلة بدون أي تأجيل منطقة عازلة منزوعة السلاح وتفعيل كل الآليات الأمنية على الفور. وفيما يخص المناطق المهمة المختلف عليها اقترح الجنوب عملية تحكيم دولية تتضمن اطارا زمنيا نهائيا وملزما لحلها بشكل سلمي وتحديد الوضع النهائي لجميع المناطق المختلف عليها المتبقية، وذلك من اجل توفير امن الشعب الذي يعيش على امتداد الحدود والذي يحتاج الي تسوية نهائية ولا بد ان يحظى بأولوية من الطرفين اولها وقف الصراع الطويل والانتهاء من المفاوضات السودانية. وجاء في نص الاتفاقية المقترحة اجراء استفتاء بمنطقة ابيي تنظمه الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي في المنطقة قبل نهاية هذا العام لكن بشرط ان يحق الاقتراع فيه لقبائل دينكا نقوك واي اناس آخرين يعيشون في منطقة ابيي لثلاثة اعوام متواصلة قبل 9 يناير 2005 مؤهلين للتصويت. كما عرض الجنوب دعم التفاوض بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان (الشمال) والتي تتعلق بمجالين وهي المساعدة الانسانية ووقف اطلاق النار وتسوية سياسية شاملة. بيد ان الخرطوم قللت من مقترح دولة جنوب السودان وقالت علي لسان السفير مطرف صديق ان الامر لا يعدو كونه مقترحات سابقة تم دمجها وتقديمها تحت عنوان جديد واضاف صديق في مؤتمر صحفي نهار امس ان مباحثات الاطراف سارت بصورة طيبة طوال الجولات الاخيرة الى ان عبرت العدل المساواة الي الاراضي السودانية بشرق دارفور قادمة من دولة جنوب السودان واضاف الان هي تتحرك داخل ولاية غرب كردفان لكن القوات المسلحة تتعامل معها، قبل ان يعتبر مقاطعة دولة جنوب السودان للمفاوضات المباشرة بأنها غير مبررة واضاف (ما حدث من قبل الجنوب تطور موسف) وتابع (نحن ابلغناهم ومعهم الوساطة بتحركات العدل والمساواة وطالبنا الجنوب بحبسها في مكانها وعدم السماح لها بالتحرك حتي يتم الاتفاق علي عدم الايواء وتمرير ودعم حركات ضد دولة داخل الاخري ووصف صديق المقترحات المقدمة من وفد جنوب السودان بأنها عبارة عن اجترار واعادة لمواقف قديمة تم دمجها في وثيقة واحدة وقدمت تحت عنوان جديد لكنه عاد واكد ان الخرطوم ستقوم بدراسة المقترح وزاد مشددا (لكنها لا تحمل جديدا) وهي عبارة عن مقترحات سابقة واضاف ان الحديث عن المبالغ المالية يتضمن متأخرات متوهمة تم حسابها ودمجها وتقديمها كأنها عطية للخرطوم. وعن ابيي اعتبر ان الجديد في الامر هو تحويل الحق المحلي في تنظيم الاستفتاء الي اخرين وهم المجتمع الدولي وهو تجاوز للجنة وقانون استفتاء المنطقة المتفق حوله وشدد علي ان السودان يرغب في حلول بالتوافق وان لم تتحقق يمكن اللجوء الي التحكيم لكنه ليس الخيار المطروح الان . وعن سير المباحثات الان قال ان جدول الاجتماعات الان يركز على القضايا الامنية وحول المدي الزمني المتبقي يضيف مطرف ان المهلة الزمنية غير نهائية والقصد منها هو اعادة الاطراف الي المسار وقياس مدي الجدية وان لم يحقق الطرفان الحلول النهاية في الاجل المحدد لن يقول لهم احد توقفوا، بيد ان دبلوماسيين بجانب مراقبين دوليين تحدثوا من قبل ل»الصحافة» شددوا علي ان مجلس الامن لن يتهاون في ما حدد من وقت وربما لجأ الى خيارات اخرى غير طاولات التفاوض بين الطرفين. اذن نحن الان علي مقربة من الثاني من اغسطس، المفاوضون عادوا الي العاصمة اديس ابابا، منذ امس الاول، جمعتهم الوساطة يوم وصولهم مرتين، فعقب تعليق الجنوب التفاوض المباشر لم يلتق الوفدان بعيدا عن الالية الافريقية عالية المستوي، هذا ما اخبرنا به احد اعضاء الالية الافريقية، واكده الناطق باسم وفد الجنوب، وهو موقف اعتبره وفد السودان بانه غير مبرر ولا يجد مسوقات حقيقية، لكن احد اعضاء وفد جنوب السودان قال ل»الصحافة» بهذه الخطوة نريد ان ننهي المراوغة في الزمن ونصل الي حلول، مبررات رد عليها مسؤل حكومي بأنها ليست جادة ايضا. واخيرا يبقي السؤال الان هل حان وقت المناورة؟ مبعوث الامين العام للامم المتحدة الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان هايلي منقريوس امس اكتفي في رده بان لا حل سوي التوصل قبل او في الثاني من اغسطس، بينما يذهب المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي حاج حمد محمد خير في حديثه ل»الصحافة» امس عبر الهاتف ان علي الاطراف امتلاك الشجاعة الكافية والاعلان عن تبرئهم من دعم الحركات المناوئه للدولتين، وعلي الحكومات حل ازماتها قبل الحديث عن تقدم، ويري حمد ان اية اتفاقيات بدون حسم امر الحركات المسلحة لن تقود الي سلام دائم، لكنه اعتبر ان مقترح الجنوب كخطوة في طريق الحل لا يمكن تجاهله.