شهدتُ ليلة ابداعٍ بمركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي حفها لفيف نوعى من أهل العلم والمعرفة، فيهم اساتذة الجامعات وعدد من مديري الجامعات السودانية السابقين خاصة جامعة الخرطوم، وجميعهم جاءوا لهذه الليلة احتفاءً بتكريم أ. د. فدوى لنيلها درجة الاستاذية، والملفت للنظر أن الجمع جمع علمي أكاديمي بكل المقاييس قلَّ أن يوجد في مثل هذه اللقاءات، وهذا بالطبع دلالة لمكانة المُحتفى بها وقيمة الدرجة العلمية التي تحصلت عليها. وفي تقديرى أن هذا التكريم سوف يبقى مَعلماً بارزاً لقيمة ومكانة الحضور، ويظل مُعلماً هادياً ونبراساً منيراً يضىء طريق أهل العلم والمعرفة، فهو فخرٌ لطلابها وشرفٌ لا يضاهيه شرفٌ لجامعتها وكليتها وقسمها الذى تخرجت فيه ثم عملت فيه في مجال التدريس، أ. د. فدوى غنية عن التعريف فهى استاذة التاريخ المعاصر والحديث بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الخرطوم، ولها سجل علمى أكاديمى حافل بالمنشورات والمطبوعات من كتب وبحوث منشورة فى العديد من الدوريات التاريخية المحلية والعالمية، وهذا أمرٌ طبيعى فهى ابنة مُعلم الأجيال الأستاذ فخر السودان عبد الرحمن على طه. ومن هذا المنطلق تأتى الدرجة العلمية التى نالتها حقاً مستحقاً شكل منعطفاً مهماً فى حياة أندادها وأقرانها، بل فى ابناء جيلها والاجيال القادمة، فالفكر والمعرفة تؤرث مثلها مثل غيرها من الموروثات، وهذا بالطبع ميراث محمود يكون دائماً في الأسر المستنيرة، لذلك جاء أمر استاذية أ. د. فدوى ضرورة طبيعية مسائرة لطبيعة المنشأ والأصل، الذى مثلت فيه مَعلماً ومُعلماً في مجالها، حيث شكل وجودها في كل المجامع التاريخية وقفة مليئة بالمعرفة يستهويها الدخول والمشاركة من خلال كل المحاضرات والندوات الخاصة والعامة، مستزيدة من فكر المتحدث أو الكاتب، وأحياناً مضيفة اليه المزيد من المعارف بمعنى دورها إيجابياً في كل المشاركات، مشكلة حضوراً دائماً بين العلماء بقيمة حقة نستلهمها من كتاباتها ذات المعانى الحافظة لتاريخ بلادها الذى اصبحت به تشكل منظومة تاريخية فكرية ذات أبعاد عميقة تواقة للمعرفة باحثة من الطراز الفريد دائمة النشاط، ومن خلال مقاربتي الشخصية لكتابها «معلم الأجيال» استطيع القول إنها جملة محصلة لتاريخ معرفى طويل اساسه الآباء وفروعه بقية الأسرة، لذلك لم يكن تمييز أ. د. فدوى من فراغ بل كان ممزوجاً بنبرات الماضى وتطلعات المستقبل، والمتابع لكتاباتها يلاحظ حقيقة لا تقبل الجدل بتاتاً، هي أن الكتابة عندها لم تكن تاريخاً لذات أو لقائد تاريخى استثنائى فحسب، بل هي كتابة لحقبة تاريخية نحتاج لمن يؤرخ لها، فهي تمثل ضرورة قصوى لتاريخ الأمة السودانية، تلك الأمة التى بات الزمن يتداركها، وما تجليه الكتابة من روح الأمة بذاتها يُصبح ذلك تاريخاً بكل ما فى ذلك من معنى الكتابة التاريخية، فهى تمثل مدرسة فكرية في تاريخ السودان يتعلم طلابها من خلالها دروس مستفادة تحليها اخلاقها العالية وقيمها الرفيعة ممزوجة بالصبر ونكران الذات لكل طلابها، وفيها شجاعة واقدام وقول حق ممزوج بحنكة وبعد نظر وسماحة ومروءة وكرم وحدة وشدة احياناً، وجاء حفل تكريمها حضوراً فيه نهج ومثل وقدوة مثلى، وكتب عنها الكثيرون وبكل اللغات، وشهد لها الكثيرون أصدقاء وأعداء، وتنبأ لها الجميع بمستقبل زاهر، واحتفت ارفف المكتبات بمجلدات حملت اسمها، فهى بحق إحياء لتاريخ السودان صناعة وفكراً، وهذا أمر حتمى فرضته كل الظروف المحيطة بها، فورثت تاريخاً ورسماً ونهجاً ومجداً قديماً، فكانت هى من ذاك الأصل، وهكذا تمتعت أ. د. فدوى بصفات ذاتيه فكرية وعملية جعلتها فى مصاف أبرز رجالات التاريخ الذين استطاعوا بشخصياتهم الفذة وتفكيرهم العميق أن يكتبوا تاريخ شعوبهم وأممهم ويصوغوا حياة اوطانهم صياغة تاريخية تكون مُعلماً للاجيال القادمة، وليس العكس، مما جعل الصديق والعدو والمحايد يفتخر بنيلها درجة الاستاذية.. والتحية والتهنئة الخالصة لها ولأسرتها الكريمة ممثلة فى زوجها د. المقداد وابنهما وبنتهما، وكل افراد اسرتها الكبيرة.. والتحية والتهنئة لمركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي لهذا الجهد المقدر.. وعهداً علينا سوف نظل نستلهم منهما جميعاً القيم والمعارف لتكون منارة إشعاع فكرى وثقافى وحضارى ينير طريق العلم والمعرفة نسير به نحو آفاق المستقبل.