أتيحت لي فرصة زيارة سوق الخرطوم المركزي لبيع الخضروات والفواكه والأسماك... وبالطبع لم تكن زيارة بغرض التنزه في المستنقعات الطينية وإنما بغرض التسوق... كان ذلك يوم الجمعة الماضية 3/8/2012م، أي بعد يوم واحد من هطول الأمطار مساء الأربعاء حتى صباح الخميس. الخضروات تعرض على الأرض وسط الوحل بعد أن أخلت السلطات المسؤولة الموقع داخل السوق القديم قبيل الخريف بغرض إنشاء سوق جديد فلم يجد الباعة غير أرض الطرقات المجاورة... وسوق الفواكه بالرغم من أنه سوق في محلات وثلاجات مشيدة بطريقة معقولة إلا أن الطرقات مليئة بالطين المخلوط بالنفايات وبقايا الفواكه المتعفنة... أما سوق الأسماك الذي تم إبعاده جنوباً في مساحة خالية فالوصول إليه مغامرة طينية عظيمة تجعلك تلعن اليوم الذي ولدت فيه ورمى بك في مدينة تأكل من الأوحال والطين المتعفن بمخلفات الأسماك وبفضلات البشر. ولكم أن تتصوروا الروائح الذكية التي تنبعث من ذلك المكان الذي يُمَوِّن العاصمة الحضارية بمعظم احتياجاتها الغذائية من الخضروات والفواكه والأسماك. لا يمر عام إلا وأكتب وغيري من الكتاب عن الوضع المحزن للسوق المركزي بالخرطوم... فالسيد/ والي الخرطوم السابق الدكتور المتعافي قد اعترف بصراحة بأنهم قد فشلوا في معالجة موضوع الأسواق المركزية في ولاية الخرطوم... وعندما جاء الوالي الحالي الدكتور/ عبد الرحمن الخضر كانت رسالتي الأولى المفتوحة له تتضمن ضرورة وأهمية تغيير واقع الأسواق المركزية بالولاية... وهأنذا أسطر اليوم هذا العمود والحال كما هو دون تغيير. إنه من الواضح أن ولاة الخرطوم المتعاقبين لا يضعون الأسواق المركزية ضمن أولوياتهم لأنهم قد صرفوا وما زالوا يصرفون أموالاً هائلة على إنشاءات ليس لها نفس درجة أولوية الأسواق المركزية... فهل الأولوية لتوسعة شارع النيل بملايين الدولارات أم لبناء سوق مركزي حديث ومحترم للخضروات والفواكه والأسماك في نفس المكان الحالي أو في أي مكان آخر تختاره الولاية؟ أيهما له الأولوية صحة مواطن الولاية الذي يتناول الآن موادا غذائية ملوثة أم لثورة الكباري والجسور؟ أيهما له الأولوية تأهيل الساحة الخضراء أم صحة المواطن؟ لأكثر من مرة خلال الأعوام الماضية تم إخلاء وسط سوق الخضروات بحجة إنشاء سوق جديد... المرة الأولى انتهت بردميات بالتربة الحمراء وعاد السوق لمكانه... المرة الثانية تم بناء مساطب بدون سقف مكان سوق السمك القديم وتركت هكذا ولم يستعملها أحد ولم تكتمل وأحدث ذلك ضيقاً في السوق... المرة الثالثة تم إنشاء جملونات كبيرة بأرضية عالية مبلطة واستخدمت... والآن تم إخلاء وسط السوق مرة أخرى ولا أحد يعلم ماذا سيتم إنشاؤه... ولا أدري لماذا هذا الترقيع وضياع الأموال والجهود فيما لا يفيد... لماذا لا نفكر ونخطط بشكل شامل ومتكامل وننفذ مشاريعنا مرة واحدة لتبقى للمستقبل. أما سوق الفواكه فلا يحتاج إلا لسفلتة الشوارع مع مصارف لمياه الأمطار ومواقف للشاحنات المبردة والعادية التي تقوم بتوريد الفواكه من داخل وخارج السودان... ولا أعتقد أن إنشاء سوق محترم للأسماك هو أمر تعجز عنه الولاية فنحن في حاجة إلى هنجر كبير بمساطب عالية ومصدر مستمر للمياه وصرف صحي وأرضيات مبلطة. أليس مخجلاً أن يكون لنا قبل أكثر من نصف قرن سوق مركزي في الخرطوم بهذه المواصفات التي أتحدث عنها... فسوق الخرطوم للفواكه والخضروات واللحوم والدواجن كان في وسط الخرطوم (أبراج الواحة حالياً) وبه مساطب عالية وأرضيات مبلطة ويغسل يومياً بمصدر مياه ثابت... ذلك السوق شيده المستعمر البريطاني... نعم المستعمر البريطاني كان حريصاً على صحتنا أكثر منا نحن أبناء الوطن. بطاقة دعوة موجهة للسيد/ والي ولاية الخرطوم للتنزه بعد يوم خريفي ممطر في سوق الطين المركزي.