نحمد لدورة الألعاب الأولمبية المقامة بالعاصمة البريطانية لندن فى هذه الأيام أنها أراحتنا ولو لحين من وعثاء الجدل وكآبة المشهد السياسى. كذلك نحمد لها أو ربما للقنوات الفضائية الرياضية تطوعها بالبث المباشر لفعاليات الدورة دون رسوم أو احتكار حصرى، وفى تقديرى أن هذه «الحصرية» بما تجسده من تحويل الرياضة الى «بزنس» وسوق كبير رأسماله مليارات الدولارات ستؤدى آخر الأمر الى تقليص جماهيرية الرياضة، بحيث تصبح «البضاعة الرياضية» حكراً على الشرائح الشعبية القادرة على الدفع. لقد عشنا أياماً كانت فيها الأنشطة الرياضية العالمية حقاً مباحاً بالمجان لكل من يملك جهاز تلفزيون فى جميع أنحاء الكون، فكنا نسهر الى ساعات الفجر الأولى لنتابع على الهواء وعلى شاشات الأبيض والأسود انتصارات أسطورة الملاكمة محمد علي «كلاى» على الوحش سونى ليستون، والتى أشهر بعدها إسلامه وتحول اسمه من كاسيوس كلاي الى محمد علي. وبمناسبة الأولمبياد نذكّر بأن محمد علي وقبل أن يبزغ نجمه بوصفه بطلاً عالمياً فى ملاكمة الوزن الثقيل كان بطلاً أولمبياً، إذ أحرز لأمريكا وهو صبى يافع ذهبية الملاكمة فى أولمبياد طوكيو عام 64م. كذلك كنا نسهر أيضاً مع مبارياته الشهيرة التى أقصى فيها العديد من الأبطال.. هنرى كوبر الإنجليزي وبونافينا الأرجنتيني وجو فريزر وكين نورتون وجورج فورمان وغيرهم. والآن وتحت ظل «الحصرية» وسطوة البزنس الرياضى ما عاد للملاكمة ذاك الألق القديم وتلك الجماهيرية الواسعة. ومتعة الأولمبياد في أنها تحتوى على عشرات الألعاب الرياضية، بحيث يجد كل ذى توجه رياضى رياضته المفضلة، وقد حدثنى صديق من أئمة المساجد الشباب أنه يستمتع بالأولمبياد من باب «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل» كما ورد فى الحديث الشريف، ونلاحظ أن هذه المناشط الثلاثة موجودة فى الأولمبياد وتحظى بجماهيرية كبيرة. ولعل الملاحظة الدائمة فى كل الدورات الأولمبية الأخيرة وبالتحديد فى منشط ألعاب القوى هى سيطرة اللاعبين المنحدرين من أصول إفريقية على معظم ميداليات هذا المنشط ، لما وهبه الله ووهبته الطبيعة لأبناء القارة السوداء من بُنى جسمانية مثالية وقوية. وهذه الحقيقة لا تحمل أى نوع من التعنصر ولكنها حقيقة فسيولوجية بايولوجية، فسيطرة العدائين الكينيين والإثيوبيين وحتى الصوماليين والإريتريين على سباقات الجرى فى المسافات الطويلة يعود الى الطبيعة الجبلية فى بلادهم، حيث يقل الأكسجين فى المرتفعات فتتسع الرئة للحصول على أكبر قدر من الهواء، وبالتالى ترتفع الكفاءة واللياقة البدنية، ويصبح العدو لمسافات طويلة فى المناطق المنخفضة مجرد نزهة ممتعة وسهلة. وكذلك هى ذات المعادلة وتأثير البيئة والجينات المتوارثة بالنسبة لعدائى المسافات القصيرة من الأمريكيين السود والجمايكيين. أما بالنسبة للملاكمين الكوبيين السود فبالإضافة الى بنيتهم المنحدرة من أصول إفريقية إلا أن البعض يعزو قوة سواعدهم فى الملاكمة الى حصاد القصب فهو المهنة الأكثر شيوعاً وانتشاراً فى الجزيرة الكوبية. لقد كنا نأمل أن تزداد حصيلة السودان من الأبطال الأولمبيين، خصوصاً أن أجزاءً كبيرة من بلادنا تنعم بذات الطبيعة الجبلية التى أنتجت أبطال إثيوبيا وكينيا.. أجزاء مثل تلال شرق السودان ودارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وجنوب كردفان.