عرف السودان الحكومات الائتلافية ما بين حزبين أو أكثر خلال الديمقراطيات الثلاث الماضية ولعل تجربة الديمقراطية الثالثة خير شاهد على عدم استقرار الحكم، حيث تكونت خمس حكومات ائتلافية في الفترة ما بين مايو 1986م، إلى 29 يونيو 1989م، وقد حُلت الحكومة الأولى من اجل تنحية وزير واحد هو وزير التجارة السابق الدكتور/ محمد يوسف أبوحريرة . . وانتهت حقبة الديمقراطية الثالثة بتلاسن وشتائم تحت قبة البرلمان بين وزراء الحكومة الائتلافية كانت موضع تندر الشعب وسخريته على شاكلة «شهادة الدكتوراه التي تحملها عكفت عشر سنوات للحصول عليها» !! . والتجربة الماثلة ما بعد اتفاقية السلام الشامل 2005م، في حكومة الوحدة الوطنية ومشاكسات الشريكين التي حالت دون التطبيق السلس لاتفاقية السلام والتي توشك أن تفضي لانفصال متنازع عليه يعيد سيناريو الحرب بين الشمال والجنوب في ظل تصريحات عنترية يطلقها بعض الساسة عبر وسائل الإعلام تعمق من أزمة البلاد وتضع قادتها في مأزق حرج بعيداً عن لغة التفاهم والتراضي المطلوبة في هذه المرحلة الحرجة من عمر السودان الذي أرهقته الحروب والنزاعات والذي يأمل في بسط الأمن والسلام والاستقرار وتحقيق التنمية المتوازنة . . في حين ما يزال بعض الساسة الحزبيين يستبطنون لغة الخنادق الحربية في التعاطي مع خصومهم السياسيين . ولعل الحاجة السودانية إلى التكنوقراطي تكمن في عدم الانتماء لأي حزب أو آيديولوجية وقلة الطموح في احتلال منصب دائم في الدولة وتوزيره يأتي بناء على الكفاءة وليس على مكانة حزبية أو طائفية، والتكنوقراط نخبة اكتسبت الخبرة والكفاءة عن طريق العمل والعقل والعلم والخبرة الميدانية،ويعمل الوزير التكنوقراطي على تأسيس فريق عمل باستثمار العقول والخبرات والكفاءات بخلاف السياسي الذي يلجأ للتوظيف وفقاً للترضيات والمساومات والو لاءات السياسية فيزحم دولاب العمل بجيوش من عديمي الموهبة والكفاءة فتعلق خطط الدولة في التسويف والبيروقراطية والروتين المعتاد بالإضافة لصراعات تضارب المصالح فيكون حصاد السياسي من الإنجاز صفراً . . ويقال «أن رجل السياسة يتمنى أن يحقق برنامجه، بينما التكنوقراطي بإمكانه أن يحقق تمنيات رجل السياسة. . والفرق كبير بين من يتمنى وبين من يتمكن» . وفي تقديري أن أنسب من يرشح للحقائب الوزارية في حكومة التكنوقراط القومية التي يتطلع إليها السودانيون هم مرشحو رئاسة الجمهورية لاسيما المرشحان المستقلان د. محمود جحا ود. كامل إدريس والأخير ربما يكون ابرز المرشحين لحقيبة الخارجية بحكم اختصاصه القانوني ومعرفته بالهيئات الأممية وعلاقاته الدولية الواسعة وربما يحسم هذا الترشيح تناطح الشريكين على أهم وزارة سيادية ويعيد للدبلوماسية السودانية الفعالية والتوازن في الحقبة المقبلة.